هل تسير تركيا اقتصادياً على درب اليونان وتلاقي نفس المصير المفلس ؟

بعد قرابة 10 سنوات من بداية الأزمة المالية العالمية، أصبحت اليونان خامس دولة في منطقة اليورو – وآخرها – تخرج من برنامج الإنقاذ المالي. ويعني ذلك أنه سيتعين على اليونان في المستقبل تدبير أمرها دون الحصول على قروض من مقرضيها الرسميين، مثل صندوق النقد الدولي، وآلية الاستقرار الأوروبية، والمفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وأن عليها جذب الأموال من المصادر الخاصة فقط.

نشرت مجلة «ذا جلوبالست» الأمريكية تقريرًا للخبير الاقتصادي كارستن هيس يسلط فيه الضوء على خروج اليونان من الإنقاذ المالي في مؤشر لتعافي اقتصادها، في وقت دخول تركيا في أزمة اقتصادية، مناقشًا أوجه التشابه في أسباب الأزمة.

ومع خروج اليونان من أزمتها الاقتصادية، وتحقيق اقتصادها نموًا مرة أخرى، يجب على الحكومة التركية أن تشعر بالقلق؛ إذ تتشابه السياسة الاقتصادية التي تتبعها تركيا الآن، والتي اتبعتها اليونان قبل أزمتها. يتشابه البلدان في الاستهلاك القائم على الائتمان، وازدهار الاستثمار؛ مما أدى إلى «عجز توأم» كبير، وهو تزامن عجز في الموازنة مع عجز في الحساب الجاري.

يمكن مقارنة الازدهار الاقتصادي والتسارع المفرط لنمو الاقتصاد لليونان في الفترة من عام 2000 إلى 2008، بتركيا من عام 2010 إلى 2018 من جانب:

1- نمو القروض

في الفترة من عام 2000 إلى 2008، بلغ متوسط نمو القروض في اليونان 18.8% سنويًا. وفي تركيا وصل متوسط نمو القروض 22.5% سنويًا في الفترة من عام 2010 إلى الربع الثاني من عام 2018.

2- الاستثمارات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

وصلت نسبة الاستثمارات من الناتج المحلي الإجمالي في اليونان إلى 25% في المتوسط في الفترة من عام 2000 إلى 2008، مقارنة بـ29% في تركيا ما بين عامي 2010 و2017.

3- عجز الحساب الجاري كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

وصلت نسبة عجز الحساب الجاري في اليونان إلى 8.8% في المتوسط ما بين عامي 2000 و2008، مقارنة بـ5.6% في تركيا في الفترة من عام 2010 إلى 2017.

ولا يمكن إغفال أوجه الشبه بين الازدهار غير المستدام في اليونان قبل عام 2008، والأزمة الحالية في تركيا؛ لذلك على تركيا أن تتعلم من تجربة اليونان وأخطائها في إدارة أزمتها. تسببت حكومة اليونان بإطالة أزمة التكيف الاقتصادي عندما تجاهلت حكومة ائتلاف اليسار الراديكالي «سيريزا» توصيات الخبراء، واختار اتباع سياسات وزير المالية آنذاك، يانيس فاروفاكيس، وهو ما أخّر تعافي اقتصاد اليونان لثلاث سنوات.

وعلى الرغم من بطء الانتعاش الاقتصادي في اليونان، إلا أنها قامت بتطبيق تغييرات هامة طويلة المدى؛ مما يجعلها أكثر ديناميكية، فقد قامت اليونان بإعادة التوازن لحسابها الجاري، وتنفيذ إصلاحات هامة في سوق العمل والمعاشات، وخفض عوائد السندات والفائدة، والحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي لدعم الاستثمارات فيها.

في الوقت ذاته، لا تزال مستويات الديون العامة والخاصة المرتفعة تمثل تحديًا رئيسًا لليونان، إلى جانب تحديات أخرى على المدى الطويل مثل وجود عدد كبير من القروض المتعثرة في النظام المصرفي، وارتفاع معدلات الضرائب، وارتفاع تكلفة نظام المعاشات، وكبر حجم القطاع العام، وضعف التعليم، ومشكلة اللاجئين.

وقد ساعد المقرضون الرسميون اليونان على بناء احتياطي نقدي كبير يكفي لإعادة تمويل البلاد لعامين تقريبًا. في الوقت ذاته من المتوقع أن تتلقى اليونان المزيد من المال خلال السنوات القادمة من الاتحاد الأوروبي لدعم الاستثمار فيها. هذا إلى جانب تدابير تخفيف أعباء الديون الأخرى، من المفترض أن يؤدي إلى تحسين التصنيف الائتماني لليونان.

أشار الكاتب إلى أن اليونان ستظل خاضعة لمراقبة مشددة من جانب المقرضين الرسميين لها، وأنها ستحصل على مزايا مشروطة بإجراء المزيد من الإصلاحات، وهو ما يقلص من إمكانية تسبب سياسات اليونان في أزمة مرة أخرى..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى