حياد ألمانيا لا يمنعها من تصدير مختلف الاسلحة للاطراف المتصارعة بالشرق الأوسط

 

 

كل عامين يتجه رجال الجيش ووزراء الدفاع وتجار الأسلحة ومصنعوها من جميع أنحاء العالم إلى معرض الأسلحة الضخم في لندن، قد تكون هناك حروب بين هذه الدول، لكنهم ينسون أحقادهم بينما يشترون أسلحة جديدة وأكثر تطورًا مثل العربات المصفحة والطائرات المروحية والصواريخ بالإضافة إلى أقنعة الرؤية الليلة.

وفي جانب من المعرض، تعرض واحدة من أكبر منصات العرض منتجات شركة “راينميتال” الالمانية العملاقة، حيث تبيع هذه الشركة التي مقرها ديسردولف الألمانية ما قيمته 3 مليارات يورو من المعدات العسكرية والأسلحة والدبابات والذخائر المعروضة، كأنها مقتنيات متحف ثمينة، قد تجعل الناظر ينسى أنها آلات للقتل.

لكن يبدو أن ألمانيا هي التي تناست ذلك فتخلت عن حياد سياستها الخارجية المعلن، وبحسب الصحفي المتخصص بتجارة الأسلحة أندرو فاينستين، فإن ألمانيا لها دور في تصدير الأسلحة خاصة إلى الدول غير المستقرة وأماكن الصراعات والقمع، وأهمها منطقة الشرق الأوسط، وهكذا تؤدي دورًا في ضمان دموية تلك الصراعات.

في اليمن، كان المفترض أن تكون عاصفة الحزم في اليمن حربًا جوية قصيرة الأمد تقودها السعودية لمحاربة الميليشيات الحوثية التي كانت تثير الرعب في البلاد، لكن العكس ما حدث، فبعد مُضي أكثر من ألف يوم ما زالت مقاومة الحوثيين أكبر من المتوقع، فرد السعوديون وحلفاؤهم بضرب اليمن وتسوية مدنه بالأرض.

ومع تصاعد الأزمات والحروب، أثار تصدير السلاح للأنظمة العربية الديكتاتورية كثيرًا من الجدل في ألمانيا، ومثلت الأنظمة العربية “أرباب الإرهاب”، وهم شركاء للحكومات الغربية في العديد من الأماكن، وبفضل الدعم هذا، يمكنهم مواصلة قمعهم لمواطنيهم تحت شعار “مكافحة الإرهاب” ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

قصف التحالف المدارس والمستشفيات والمناطق السكنية ودمر البنية التحتية في حرب لم تؤت أُكلها، ما دفع التقارير الحقوقية عن غارات التحالف العربي التي أوقعت آلاف الضحايا وأفضت إلى كارثة إنسانية، إلى إعلان الحكومة الألمانية قرارها وقف صادرات الأسلحة إلى الدول المشاركة في حرب اليمن، ومنها السعودية والإمارات، لكن الصحفي الألماني ماركوس بيكل رئيس مجلة العفو يصف الالتزام بأنه جزئي، لما تمثله أموال هذه الدول في الاقتصاد الألماني.

وإذا نظرنا إلى القانون فإن قطاع الأسلحة الألماني لا شأن له بهذه الحرب، فعلى سبيل المثال من المحظور – بحسب القانون الألماني – تصدير الأسلحة إلى الدول التي يمكن أن تستخدمها في تعكير حالة السلام، لكن وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين تفعل ذلك غير مبالية بأصوات علت حين امتدت صفقات تصدير الكثير من الأسلحة إلى الدول التي تشهد نزاعات، وزجت ألمانيا بنفسها في سباق تسليح دول منطقة الشرق الأوسط، وساهمت عبر أسلحتها بتأجيج الصراعات في المنطقة.

الحرب المربحة تحت مظلة القانون

هناك العديد من الطرق للحصول على الربح، أحدها يكشفه تحقيق استقصائي لقناة “دويتش فيلله” الألمانية، الذي يأخذنا إلى جزيرة سردينيا الإيطالية في البحر الأبيض المتوسط التي يعرفها الكثير من الألمان كوجهة سياحية، ولعل ما حدث في مطار كالياري الإيطالي حيث تهبط الطائرات المحملة بالمصطافين، لكنها هذه المرة اصطفت بالقنابل في عرض مثير يظهر الأسلحة المستخدمة في الحروب بطائرة شحن إلى جوار طائرات السياح.

وفي سردينيا على بعد 450 كيلومترًا من كالياري، تُصنع القنابل في وادي قرب ديفنوفس يوجد مصنع ذو مظهر متواضع يصنع آلاف القنابل، ويعود إلى شركة تُدعى “RWMItalia”، والاسم اختصار لشركة “راينميتال للأسلحة الذخائر”، وهذه الشركة تابعة لـ”راينميتال” الألمانية المصنعة للأسلحة، وتنتج أسلحة من أجل الربح، لكن أين تُستخدم لاحقًا الأسلحة التي تصنعها “راينميتال” في سردينيا؟

في عام 2011 نشر أحد موظفي منظمة “هيومان رايتس واتش” صورًا عن مكونات القنابل، وكانت القنابل تحمل رمزًا يحدد مصدرها، عُثر عليها في مدينة صعدة شمال اليمن بُعيد قصف جوي سعودي، الأمر الذي اضطر الشركة للاعتراف بأن الرقم المتسلسل الذي تحمله القنابل يتبعها.

هناك طلب شراء جديد للأسلحة بقيمة 411 مليون يورو، لبلد يقع في منطقة من أكثر المناطق التي مزقتها الصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن راينمتال لن تفصح عن اسم هذا البلد، إنها السعودية!

بدأت الصورة تتضح بالتدريج، فكل المؤشرات تشير إلى النمو خاصة في قسم “راينميال ديفينس للصناعات الدفاعية”، حيث بلغت المبيعات 3 مليارات يورو عام 2016، أي بزيادة نسبتها 14% عن العام 2015، وهناك طلب شراء جديد للأسلحة بقيمة 411 مليون يورو، لبلد يقع في منطقة من أكثر المناطق التي مزقتها الصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن راينمتال لن تفصح عن اسم هذا البلد، إنها السعودية!

فمنذ بدء عاصفة الحزم عام 2015، كان هناك شك بشأن تماشي تصدير الأسلحة مع القانون الإيطالي، فالدستور الإيطالي الذي يدين الحرب وكذلك قانون تصدير الأسلحة يمنعان هذا النوع من التصدير، فكيف مع ذلك يمكن لشركة راينميتال تصدير القنابل من سردينيا إلى السعودية؟

أجابت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي أن هذا لا يقع في دائرة اختصاصها، فتلك القنابل – في رأيها – ليست إيطالية، مضيفة أنها جزء من عقد وقعته شركة أمريكية ثم منحت العقد لشركة راينميتال الألمانية التي تمتلك مصانع في إيطاليا.

الألمان في المقابل يعدونها أسلحة إيطالية، فوزير الاقتصاد الألماني يقول عن القنابل التي تبيعها راينميتال: “المشكلة التي تتحدثون عنها تتعلق بتصدير أسلحة مصنعة في ألمانيا، والقانون الألماني يُطبق فقط على الأسلحة التي تُصدر من ألمانيا”، فمن إذًا المسؤول عن تصدير القنابل من أكبر شركات إنتاج الأسلحة في ألمانيا؟

تجارة الموت من الباطن

حين يجتمع مجلس الأمن الاتحادي المؤلف من المستشارة الألمانية وأهم وزرائها في لجنة تقرر سرًا بانتظام عمليات تصدير الأسلحة، فإنها تستند إلى المبادئ الأساسية للحكومة الألمانية التي تقول إنه لا يمكن توفير الأسلحة للبلاد التي تخوض صراعات مسلحة أو حيث يوجد خطر اندلاع تلك الصراعات.

لكنه مبدأ مرن كما تُظهر آخر الأرقام، ففي عام 2017 صادقت الحكومة الألمانية على صادرات أسلحة إلى بلدان لا تحقق الشروط المطلوبة، فقد باعت الشركات الألمانية أسلحة وذخيرة “مرخصة” بقيمة 428 مليون يورو إلى مصر، وبقيمة 249 مليون يورو إلى السعودية، و214 مليون يورو لدولة الإمارات.

كما يعد تصدير مصانع الأسلحة الكاملة جانبًا مهمًا من إستراتيجية “راينميتال دينيل”، ففي المحصلة تقول الشركة إنها صدرت 39 مصنعًا للأسلحة والذخيرة، ويشيد رئيس فرع الشركة بأن تلك المصانع تمنح العملاء فرصة لتصنيع أسلحتهم بأنفسهم، لكن من الصعب معرفة هؤلاء العملاء الذين تسلحهم الشركة عبر جنوب إفريقيا.

وبحسب وثائق سرية نشرها مجموعة من قراصنة الإنترنت السوريون، فإن الشركة الألمانية شاركت في إنشاء مصنع في الإمارات وآخر في السعودية، ما يعني أنها باعت عملية الإنتاج بأكملها، وفي هذه الحالة لا تملك الشركة الألمانية السيطرة على الإنتاج، فكيف يعرفون القوانين والأعراف المتبعة في عملية التصنيع؟

عبر سردينيا وجنوب إفريقيا سلحت راينميتال التحالف العسكري في حرب اليمن، وزودته بالقنابل من البحر الأبيض المتوسط والمصانع الجاهزة من جنوب إفريقيا، ومن بين عملائها الإمارات والسعودية، فالتحالف العسكري احتاج في اليمن إلى الكثير من القذائف، وبحلول عام 2017 كانت السعودية وحلفاؤها قد شنوا أكثر من 15 ألف غارة جوية، ووفقًا لخبراء دوليين استهدفت نحو ثلث تلك الغارات مناطق مدنية.

من بين أهم العملاء أيضًا مصر، فبعد تسلم عبد الفتاح السيسي مقاليد الرئاسة أصبح لألمانيا باع طويل في تمويل الجيش المصري، فدخل نظام السيسي إلى قائمة أكبر 5 مستوردين للأسلحة الألمانية، حيث بلغ حجم صادرات السلاح الألماني إلى مصر 428 مليون يورو عام 2017، بزيادة 7% عن السنة التي سبقتها، لتكون هذه الصفقة الأضخم من نوعها بين البلدين في التاريخ.

ولا يبدو أن للشركات الألمانية أي رادع يمنعها من التصدير للأطراف المتحاربة في أي صراع مسلح، فبينما تحصل السعودية وحلفاؤها في حرب اليمن على مصانع أسلحة، تبدو ألمانيا مهتمة أكثر بالحصول على الأموال عن طريق تسليح خصمهم اللدود إيران التي تساند الطرف الآخر في حرب اليمن.

ورغم وجود الدلائل على ذلك، تبقى الحاجة ملحة بشأن سبل تهرب أكبر مصنعي الأسلحة في البلاد من القانون الألماني، فالشركات لديها صلات وثيقة بالحكومة؛ لأن لديها دورًا رئيسًا في الدفاع الوطني الألماني وسياسة ألمانيا الخارجية، كما تؤثر على الاقتصاد، لكنه ليس تأثيرًا كبيرًا كما تظهره تلك الشركات في بياناتها الصحفية.

إنها حرب مربحة حتى بالنسبة لصغار المستثمرين الذين يملكون أسهمًا في أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في ألمانيا، شركة ألمانية استطاعت التحرر من القوانين الألمانية وصنع منتجاتها في دول تتمتع قوانينها بمرونة عالية، شركة تنجح في العثور على طرق لبيع ترسانة الدمار الخاصة بها في مناطق الأزمات دون مساءلة في بلد يفخر بمبادئه النبيلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى