امريكا تلوح علناً بقرب توجيه ضربة لسورية فيما ترسل بالخفاء وفداً امنياً رفيع المستوى لمحاورة المسؤولين السوريين

صرحت وزارة الدفاع الروسية، قبل يومين، بأن واشنطن وحلفاءها يعدون لضربة جديدة على سوريا بذريعة استخدام دمشق للسلاح الكيميائي.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف أن الإرهابيين من جماعة “هيئة تحرير الشام” يستعدون لعمل استفزازي من أجل اتهام دمشق باستخدام الكيميائي ضد المدنيين في محافظة إدلب”.

وأضاف أن مسلحي التنظيم قد نقلوا 8 حاويات مليئة بالكلور إلى مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب لتنظيم مسرحية “الهجوم الكيميائي” المزعوم.

كما شدد كوناشينكوف على أن تنفيذ هذه الخطة يجري بمشاركة المخابرات البريطانية.

وأوضح: “تنفيذ هذا الاستفزاز الذي تشارك فيه بنشاط المخابرات البريطانية، سيصبح حجة جديدة لقيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربة جوية وصاروخية ضد دوائر الدولة والمنشآت الاقتصادية السورية”.

كما وصلت إلى منطقة جسر الشغور، وفق معلومات الوزارة، مجموعة خاصة من المسلحين الذين مروا بفترة تدريب على استخدام المواد السامة تحت إشراف خبراء من شركة “أوليفا” العسكرية البريطانية الخاصة.

ومن المتوقع أن يقوم هؤلاء المسلحون مرتدين لباس “الخوذ البيضاء” بتقليد عملية إنقاذ المصابين في “الهجوم”.

وقال كوناشينكوف: لهذا الهدف وصلت إلى الخليج العربي منذ عدة أيام المدمرة الأمريكية “The Sullivans” وعلى متنها 56 صاروخا مجنحا، كما وصلت إلى قاعدة العديد الجوية في قطر المقاتلة الاستراتيجية الأمريكية “В-1В ” وعلى متنها 24 صاروخا مجنحا من طراز ” AGM-158 JASSM”.

وأشار إلى أن “التصريحات غير المبررة لعدد من المسؤولين الكبار في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي أدلوا بها الأربعاء الماضي، حول نيتهم “الرد بشدة” على “استخدام الكيميائي” من قبل الحكومة السورية، تمثل دليلا غير مباشر على تحضير الولايات المتحدة وحلفائها لعدوان جديد ضد سوريا”.

وكان مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، جون بولتون، قد هدد في وقت سابق بتوجيه ضربات جديدة “ماحقة” ضد الجيش السوري، إذا ما استخدمت دمشق أسلحة كيميائية، حسبما نقلت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية عن 4 مصادر.

وحسب هذه المصادر التي لم يتم الكشف عن هويتها، تم توجيه هذه التهديدات خلال اجتماع بولتون مع سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، في جنيف يوم الخميس الماضي.

ووفقا للمصادر المذكورة، فإن السلطات الأمريكية تزعم أن لديها معلومات عن احتمال استخدام الجيش السوري لأسلحة كيميائية خلال تحرير الأراضي التي ما زال المسلحون يتحكمون فيها، لذلك فإن الولايات المتحدة مستعدة “للرد بعمليات عسكرية أكثر قوة من قبل”، ضد سوريا.

وقال بولتون للصحفيين عشية محادثاته مع باتروشيف، إن الولايات المتحدة “تراقب خطط النظام السوري لاستئناف عملياته العسكرية الهجومية في محافظة إدلب”، وإن واشنطن سترد “بأقوى طريقة ممكنة إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية”.

وتسعى الإدارة الأمريكية بشتى السبل والوسائل لعرقلة الجيش السوري من شن هجوم لتحرير مدينة إدلب ومحافظتها، التي تستولي عليها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) سابقا والتي تعتبر فرعا سوريا لتنظيم القاعدة الإرهابي.

وقائع معاكسة

وفيما تقعقع الولايات المتحدة وحلفاؤها بالسلاح، وتهدد سورية بالويل والثبور، كشفت جريدة الاخبار اللبنانية المقربة من حزب الله وقائع معاكسة لهذه الغضبة الامريكية، حيث ذكرت “الاخبار” انه في إحدى ليالي الأسبوع الأخير من حزيران الفائت، فرضت القوى الأمنية السورية إجراءات مشدّدة داخل مطار دمشق الدولي وفي محيطه. قبيل منتصف الليل بقليل، حطّت على أحد مدرّجات المطار طائرة إماراتية خاصّة. نحو أربعين دقيقة مرّت، قبل أن يخرج موكب ضخم من السيارات السوداء الرباعية الدفع حاملاً ركّاب الطائرة إلى منطقة المزّة، وسط دمشق، حيث المكتب الجديد للواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري. هناك، دلف إلى المكتب ضابط أميركي رفيع المستوى على رأس وفد ضمّ ضبّاطاً من وكالات استخبارية وأمنية أميركية عدة.

كان مملوك في استقبال الوفد الأميركي الزائر وإلى جانبه رئيس الإدارة العامة للمخابرات العامة اللواء ديب زيتون ونائب رئيس هيئة الأركان العامة اللواء موفق أسعد. استمر اللقاء بين الجانبين أربع ساعات، فماذا دار فيه؟

بحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، استعرض الجانبان مختلف جوانب الأزمة السورية ومراحل تطورها وتداعياتها في الإقليم، قبل أن يصل الحديث إلى «الزبدة». عرض أميركي واضح ومحدّد: الولايات المتحدة مستعدّة لسحب جنودها بالكامل من الأراضي السورية بما فيها قاعدة التنف ومنطقة شرق الفرات وفق ترتيبات أمنية يشرف عليها الجيشان الروسي والسوري. في مقابل تلبية دمشق ثلاثة مطالب أميركية، هي:

أولاً، انسحاب إيران بشكل كامل من منطقة الجنوب السوري.

ثانياً، الحصول على ضمانات خطّية بحصول الشركات الأميركية على حصة من قطاع النفط في مناطق شرق سوريا.

ثالثاً، تزويد الجانب السوري الأميركيين بـ«داتا» كاملة عن المجموعات الإرهابية وأعضائها تتضمّن أعداد القتلى الأجانب من أفراد هذه المجموعات ومن بقي منهم على قيد الحياة، ومن تتوافر لديه من هؤلاء إمكانية العودة إلى الدول الغربية، باعتبار أن «الخطر الإرهابي عابر للقارات، وما يمكن أن نحصل عليه يصبّ في خدمة الأمن الدولي».

شروط مرفوضة

بعقل بارد، تعامل الجانب السوري مع الزوّار الأميركيين وعرضهم «المغري». كان جواب مملوك على النقاط الثلاث واضحاً هو الآخر:

أولاً، أنتم في سوريا قوة احتلال، دخلتم أراضينا عنوة من دون استئذان ويمكنكم أن تخرجوا بالطريقة نفسها. وحتى حدوث ذلك سنبقى نتعامل معكم كقوة احتلال.

ثانياً، سوريا ليست دولة مقطوعة من شجرة، بل هي جزء من محور واسع. وموقفنا من العلاقة مع إيران واضح، وقد كرّره الرئيس بشار الأسد في أكثر من مناسبة وخطاب، ومفاده أن علاقتنا التحالفية مع طهران وحزب الله والقوات الحليفة التي قاتلت الإرهابيين إلى جانب الجيش السوري «علاقة متينة، ولا يغيّر هذا العرض من تحالفاتنا الثابتة».

ثالثاً، «أولويتنا بعد الحرب التعاون مع الدول الحليفة والصديقة التي لم تتآمر على الشعب السوري، وليس وارداً لدينا إعطاء تسهيلات لشركات تابعة لدول حاربتنا ولا تزال». ولكن، أضاف مملوك، «يمكن ترك هذا الأمر إلى مرحلة لاحقة عندما تحدّد الحكومة السورية سياسة إعادة الإعمار. وعندها يمكن لشركات أميركية أن تدخل إلى قطاع الطاقة السوري عبر شركات غربية أو روسية. ونحن نعتبر هذا بادرة حسن نية رداً على زيارتكم هذه».

رابعاً، في ما يتعلق بـ«داتا» المعلومات حول الجماعات الإرهابية، لفت مملوك زوّاره إلى أنه «سبق أن زارني قبل نحو عام، هنا في دمشق، نائب رئيس الاستخبارات الأسترالية. يومها أكّد أن زيارته تجري بعلمكم، وأنه إلى حدّ ما يمثّلكم، وطلب معلومات عن الإسلاميين الأستراليين من أصول عربية ممن يقاتلون في صفوف الجماعات الإرهابية. وسأكرر لكم الآن ما أجبته به يومها: لدينا اليوم بنية معلوماتية ضخمة عن المجموعات الإرهابية، وقد تطورت بشكل كبير خلال سنوات الأزمة. ونحن ندرك تماماً الأخطار التي يشكلها هؤلاء علينا وعليكم، كما ندرك مدى حاجتكم إلى هذه المعلومات، ونعرف أن من صلب مهام أجهزة الأمن البقاء على تواصل حتى خلال الأزمات. وسبق أن قدّمنا معلومات إلى الأردنيين وإلى دول أخرى كثيرة من بينها الإمارات العربية المتحدة. لكن موقفنا من هذا الأمر اليوم مرتبط بتطور موقفكم السياسي من سوريا ونظامها وجيشها. وبالتالي، فإن سوريا لن تقدم على أي تعاون أو تنسيق أمني معكم في هذا الشأن قبل الوصول إلى استقرار في العلاقات السياسية بين البلدين».

إلى هنا انتهى اللقاء، مع الاتفاق على إبقاء التواصل قائماً عبر القناة الروسية ــــ الإماراتية، قبل أن يقفل موكب السيارات السوداء عائداً إلى مطار دمشق الدولي، ليغادر بالطريقة نفسها التي حضر فيها.

قصة اخرى

كما اوردت “الاخبار” قصة اخرى بشأن التقارب العربي مع دمشق فقالت : في مطلع تموز الماضي، بالتزامن مع استعادة الجيش السوري سيطرته على معبر نصيب، نشر الجيش الأردني تعزيزات على الحدود مع سوريا لمنع أي موجة جديدة من النازحين من دخول الأراضي الأردنية، حيث لعبت عمّان دوراً أساسياً في إقناع الجماعات المسلحة التي كانت تسيطر على المعبر منذ عام 2015 بالموافقة على شروط الاستسلام.

وفي المعلومات أن اتصالات سورية ــــ أردنية رفيعة المستوى قد جرت آنذاك للتنسيق، من بينها اتصال بين رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني الفريق محمود فريحات، ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، طلب فيه الأول من الثاني «نقل تحيات أخوكم جلالة الملك عبدالله إلى أخيه سيادة الرئيس بشار الأسد».

كما ذكرت “الاخبار” ان دولة الامارات العربية المتحدة قد ارسلت أخيراً «فريق صيانة» للكشف على سفارتها في العاصمة السورية في مؤشر إلى إمكان استئناف «نشاط ما» في السفارة.

هذا القرار أعقب استئناف تسيير الخط الجوي بين محافظة اللاذقية السورية وإمارة الشارقة في أيار الماضي بعد توقف دام سنوات.

يذكر أن السفارة السورية في أبو ظبي لم تغلق، واستمر القسم القنصلي فيها في تقديم خدمات للجالية السورية في الإمارات. وحافظ البلدان، على رغم إعلان الإمارات قطع العلاقات بداية الأزمة استجابة للضغط السعودي، على مستوى معين من الدفء، عبر حاكمي دبي محمد بن راشد آل مكتوم والفجيرة الشيخ حمد بن محمد الشرقي.

وفي بداية الأزمة السورية، التزمت الإمارات بموقف حذر من «الثورة» السورية، قبل أن تنجرف ضمن الأجندة السعودية. وفي آذار 2016، دعا وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى وضع حد نهائي للأزمة السورية من خلال حل سياسي شامل. ويُعزى هذا «التمايز» الإماراتي إلى موقف أبو ظبي المعادي لجماعة «الإخوان المسلمين»، وإلى التطور في العلاقات الروسية ــــ الإماراتية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى