ازمة صامتة بين ألمانيا والسعودية قد تنفجر بشدة على “الطريقة الكندية”

وصل لهيب الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين برلين والرياض إلى قطاع صناعة الأدوية الأوروبية والأمريكية الذي دق ناقوس الخطر بشأن تداعيات القيود التي تفرضها السعودية على القطاع، فهل تصل العلاقات بين البلدين إلى القطيعة؟

في رسالة وُصفت بأنها شديدة اللهجة وُجهت إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عبرت رابطات صناعة دواء أوروبية وأمريكية عن قلقها العميق بشأن شروط التوريد الصارمة التي باتت الرياض تفرضها على العقاقير الألمانية ردا على انتقادات سابقة لبرلين بشأن وضعية حقوق الإنسان في المملكة.

وكما كان عليه الأمر في الحالة الكندية، كان رد فعل السعودية متشددا وإن اتسم في الحالة الألمانية بنوع من الصمت ودون ضجيج إعلامي. فحينما انتقد زيغمار غابرييل، وزير خارجية ألمانيا السابق، ما وصفها بـ”روح المغامرة” في إشارة إلى سياسة السعودية في الشرق الأوسط، استدعت الرياض سفيرها في برلين وجمدت عمليا دينامية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

صرخة رابطات صناعات الأدوية الغربية جاءت مدوية لأنها استثنائية من حيث الشكل والمضمون، إذ جاء فيها أن “الإجراءات (السعودية) يمكن أن تكون لها تداعيات على تموين مستدام بأدوية حيوية ومبتكرة في علاج المرضى في المملكة العربية السعودية”. وهذا ما يطرح تحديات كبرى على ألمانيا من حيث معادلة الجمع بين الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والدفاع عن قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان في زمن الشعبوية.

جمر تحت الرماد..

بدأت تأثير سلاح الزجر الاقتصادي الذي تنتهجه الرياض ضد ألمانيا، يظهر أثره تدريجيا، فحتى قبل رسالة قطاع صناعة الأدوية، سبق لغرفة التجارة والصناعة الألمانية أن أعربت عن قلقها من  التراجع المطرد للصادرات نحو السعودية إذ وصلت النسبة إلى 5 بالمئة وانخفضت بذلك إلى نحو ثلاثة مليارات يورو خلال النصف الأول من العام الجاري (2018).

يذكر أن حجم الصادرات الألمانية إلى السعودية بلغ 6.6 مليار يورو عام 2017، وكان يبلغ 9.9 مليار يورو عام 2015. وأرجعت الغرفة التراجع بالدرجة الأولى إلى انخفاض أسعار النفط، ولكن أيضا للتوتر السياسي بين الرياض وبرلين. وقال أوليفر أومز من غرفة التجارة والصناعة الألمانية في الرياض “على مدى الأشهر الستة الأخيرة تجد شركات الرعاية الصحية الألمانية صعوبة في العمل في السعودية.. إنها ليست مقاطعة عامة لكن قطاع الرعاية الصحية يعاني بوضوح”.

الأزمة بين مونتريال والرياض

الأزمة بين السعودية وكندا هي أحدث الأزمات الدبلوماسية في عهد محمد بن سلمان والتي بدأت بسبب انتقادات وجهتها السفارة الكندية للمملكة بشأن حقوق الإنسان، وذلك على خلفية اعتقال نشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، ومن بينهم الناشطة سمر بدوي. الأمر الذي اعتبرته السعودية تدخلاً في شؤونها الداخلية واتخذت قرارات تصعيدية تجاه كندا مست الطلاب السعوديين الدراسين هناك والمرضى والرحلات الجوية.

ورغم أن المستشارة أنغيلا ميركل هاتفت الأمير محمد بن سلمان في محاولة لخفض حدة التوتر، لكن الخلاف استمر إذ واصلت السعودية استبعاد الشركات الألمانية مثل سيمنس هيلثينيرز وباير وبوهرنغر إنغلهايم من مناقصات الرعاية الصحية العامة في السعودية. وفي حوار مع DW أقر الإعلامي والخبير السعودي عبد العزيز الخميس ضمنيا بأن الأزمة مرتبطة بما أسماه التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده من قبل دول ككندا وألمانيا مؤكداً أن “على ألمانيا احترام السيادة السعودية”.

وحاول الخميس التقليل من شأن الأزمة الحالية بقوله “الذي أعرفه أن العلاقات السعودية الألمانية لم تصل لنقطة اللاعودة، فوزير الخارجية السابق (زيغمار غابرييل) ذهب إلى غير رجعة، وهو معروف بتشدده وميولاته اليسارية، تلك الأزمة انتهت وأعتقد أنها لم تصل إلى مستوى الأزمة مع كندا”.

قطاع الأدوية الأكثر تضررا

رسالة قطاع الأدوية هي نقطة تحول جديدة وهي تؤكد تقارير سابقة غير رسمية حول معاقبة الرياض لشركات ألمانية. لكن وجود الرسالة، المكتوبة بتاريخ 12 حزيران والموجهة إلى ولي العهد، لم ترد في أي تقارير من قبل.

وأكدت الرسالة أنه “قد يكون لهذا الإجراء تداعيات سلبية كبيرة على الإمداد المستدام لأدوية مبتكرة وضرورية للغاية لمعالجة المرضى في المملكة العربية السعودية.” وتضيف الرسالة أن من شأن هذه الخطوة “النيل بدرجة كبيرة من نظرة رجال الأعمال للسعودية كموقع للاستثمار في الأدوية المبتكرة في المستقبل”.

وقال متحدث باسم سيمنس “قرار الحكومة السعودية يؤثر بالفعل على نشاطنا المحلي”. ولم يذكر المتحدث أرقاما منفصلة لحجم نشاطها السعودي.

وأضاف “نعمل على التوصل إلى حل بالتعاون مع السلطات الأمريكية لتعبئة سلاسل توريداتنا العالمية من أجل التغلب على قيود وزارة الصحة السعودية”. ويذكر أن السعودية أكبر سوق أدوية في الشرق الأوسط وإفريقيا بمبيعات بلغت 7.6 مليار دولار العام الماضي. وبهذا الصدد اعتبر يوهان فادفول، النائب البرلماني البارز من حزب المستشارة ميركل الخلاف مع السعودية “ضار جدا”.

حقوق الانسان ومخاطر القطيعة

 تجد ألمانيا نفسها في وضع غير مريح بسبب تراجع الصوت الغربي في الدفاع عن القيم الديموقراطية، فدخول إدارة الرئيس دونالد ترامب في تحالف استراتيجي مع ولي العهد محمد بن سلمان جعل الصوت الأمريكي الوازن يخذل الغرب في قضايا حقوق الإنسان، وبات الزعماء العرب غير مكترثين للانتقادات بهذا الشأن.

غير أن عبد العزيز الخميس يرى أن “الذي تغير هم الآخرون، لم يحدث في الماضي أن انتقد وزير خارجية ألماني أو كندي السعودية بهذه الطريقة المباشرة. كانت هناك رسائل صامتة، ثم من الذي يدعو ألمانيا أو كندا للتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، وهل يمكن لنا التدخل في الشؤون الداخلية لألمانيا (..)على ألمانيا احترام القوانين السعودية”.

واستطرد الخميس أنه “لا يمكن فرض التقاليد والعادات الغربية على مجتمعات شرقية يمكن أن تُحدث أزمة لو هي فُرضت”. غير أنه وهو يقول ذلك يعلم تماما أن حقوق الإنسان كونية، وأن أي شخص في ألمانيا يمكن أن ينتقد سياسة الحكومة أو غيرها دون الخوف من أن يُزج به في غياهب السجون.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى