ازمة الانروا المالية تزيد من شدة الاعباء الاقتصادية على الاردن
لندن - العرب
يشكل العجز المالي غير المسبوق الذي تشهده وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” نتيجة خفض الولايات المتحدة مساهمتها عبئا جديدا ينضاف إلى كاهل السلطة الفلسطينية والأردن أيضا، وسط مخاوف مبررة من توجه لإنهاء عمل الوكالة التي تقدم خدمات صحية وتعليمية وغذائية لـ 5.9 مليون لاجئ فلسطيني بينهم أكثر من مليونين يعيشون في الأردن.
ومع اقتراب موعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر ايلول، تكثف الدبلوماسية الأردنية جهودها لحشد الدعم المالي والسياسي لوكالة الأونروا لتتمكن من الاستمرار في أداء عملها، تُرجم ذلك في الزيارة التي قام بها هذا الأسبوع وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى الولايات المتحدة حيث التقى نظيره الأميركي مايك بومبيو قبل أن يحط الرحال في السويد.
وفيما بدا اجتماع الوزير الأردني مع نظيرته السويدية مارغو فالستروم إيجابيا، لم تكن هناك أي مؤشرات تشي بأن زيارته للولايات المتحدة كانت كذلك بناء على التصريحات التي صدرت إثر لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين والتي شملت إلى جانب بومبيو المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، حيث لم تتضمن أي إشارة إلى إمكانية عدول الإدارة الأميركية عن موقفها من الأونروا.
ويرى مراقبون أن هذا متوقع في ظل تصلب الإدارة الأميركية الحالية حيال الفلسطينيين وانحيازها المطلق لإسرائيل والذي قد يقود إلى تنازل ثان مدو وهو وقف الدعم كليا عن الأونروا بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها.
واتفق الأردن والسويد على تكثيف جهودهما المشتركة لحشد الدعم للوكالة الأممية، لتمكينها من الاستمرار في تقديم خدماتها الحيوية للاجئين وفق تكليفها الأممي.
كما اتفقا على عقد اجتماع يدعوان إليه عددا من الدول المانحة والمعنية بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والأونروا، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث سبل دعم الوكالة.
وسيستهدف الاجتماع وضع خطة عمل لإيجاد تمويل يسد العجز المالي الحاد الذي تواجهه الأونروا، وبحث كيفية ضمان تمويل مستدام لها يمكّنها من الاستمرار في تقديم خدماتها لأكثر من خمسة ملايين لاجئ بفاعلية.
وسبق أن نظم الأردن والسويد العام الماضي جلسة لدعم الأونروا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما نظما بالتعاون مع مصر في شهر مارس مؤتمرا دوليا في روما لدعم الوكالة شاركت فيه حوالي 73 دولة، وأثمر المؤتمر دعما ماليا للوكالة تجاوز 100 مليون دولار.
وحذر الصفدي وفالستروم من “الانعكاسات الخطرة لاستمرار عجز الوكالة المالي عن توفير التعليم لأكثر من 500 ألف طفل لاجئ وتقديم الخدمات الصحية والإغاثية لملايين غيرهم في مناطق عمل الوكالة الخمس”.
وأكد الصفدي ونظيرته السويدية على أن “الحفاظ على الأونروا وعلى قدرتها في تنفيذ التزامها الأممي إزاء اللاجئين يمثل التزاماً بالإجماع الدولي الذي تجسده قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بأن قضية اللاجئين هي من قضايا الوضع النهائي تحسم في سياق مفاوضات الحل النهائي وعلى أساس قرارات الأمم المتحدة”.
وتعاني الأونروا من عجز مالي يصل إلى 217 مليون دولار وتواجه تحدي جمع التمويل اللازم إذا قررت واشنطن عدم تقديم دعم إضافي للوكالة، بعد قرارها في وقت سابق تجميد 300 مليون دولار من أصل مساعدتها البالغة 365 مليون دولار.
وحذر المتحدث الرسمي باسم الأونروا سامي مشعشع قبل أيام من أن الوكالة قد تعجز عن تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، مطلع شهر سبتمبر القادم، في الأقاليم كافة (الضفة الغربية وغزة والأردن ولبنان وسوريا)، إذا لم يتم تدارك الأزمة المالية التي تعاني منها.
ويخشى أن يكون قرار الولايات المتحدة خفض مساهمتها للأونروا مقدمة لخطة تستهدف إنهاء عمل الوكالة التي تتعرض لحملة انتقادات أميركية وإسرائيلية.
ويحذر الفلسطينيون من أن مسألة استهداف الأونروا ليست مجرد رد فعل أميركي على موقف السلطة الفلسطينية من القرار الأميركي بشأن القدس، أو رفضها المسبق لمناقشة خطة السلام التي تعدها إدارة ترامب، وتعتزم طرحها قريبا، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى محاولة إسقاط مطلب حق العودة للاجئين، أسوة بإخراج القدس من دائرة التفاوض.
وذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، مطلع الشهر الجاري، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، وبدعم من صهره ومستشاره جاريد كوشنر، وأعضاء في الكونغرس، يعملون على إنهاء صفة “اللاجئ” لملايين الفلسطينيين من أجل وقف عمل الأونروا.
وأوضحت المجلة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وفلسطينيين (لم تكشف هوياتهم)، أن تلك المساعي تهدف إلى “إزاحة هذه القضية عن الطاولة في أي مفاوضات محتملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
ويقول محللون إن إنهاء عمل الوكالة لن يتضرر منه فقط الفلسطينيون بل أيضا الدول المستضيفة لهم وعلى رأسها الأردن الذي يحتضن أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط خارج الأراضي الفلسطينية.
ويشير هؤلاء إلى أن ضرب الوكالة والعمل على إنهاء وجودها ستترتب عليهما تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة على الأردن الذي يواجه أزمة اقتصادية معقدة.
وشهد الأردن في مايو/ايار الماضي احتجاجات غير مسبوقة نتيجة هذه الأزمة ما اضطر الملك عبدالله الثاني إلى إقالة حكومة هاني الملقي، وتكليف وزير التربية والتعليم السابق عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة.
ويرى مراقبون أن تأليف حكومة جديدة، وإن كان أسهم في نزع فتيل التوتر في الشارع الأردني، لم يدرأ خطر عودة الحراك الذي يبقى واردا وبقوة في ظل غياب استراتيجية واضحة لإنعاش الاقتصاد تكون بعيدة عن جيب المواطن.
ويلفت هؤلاء إلى أن الظرفية الدقيقة التي تمر بها المملكة تحشرها في وضع لا يحتمل هزة كتوقف خدمات الأونروا، لأنها ستكون مضطرة حينها إلى تحمل عبء اللاجئين بمفردها.
وقد حاول بيير كرينبول المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التخفيف من وطأة أزمة الأونروا قائلا إن خفض ميزانية الوكالة لا يعني إسدال الستار على قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وأضاف كرينبول في مقابلة مع وكالة “أسوشيتد برس” “لا يمكن تبديد أحلام خمسة ملايين إنسان بهذه البساطة”، في إشارة إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون خدمات من الوكالة.
وأوضح أن قرار الولايات المتحدة -الصادر في وقت سابق من العام الجاري- خفض ميزانية الأونروا “جاء لمعاقبة الفلسطينيين بسبب انتقادهم لاعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل”.
وأردف قائلا “أستطيع القول وبدرجة كبيرة من الثقة إن قرار ‘خفض التمويل’ لم يتعلق بأداء الأونروا، لأنني كنت أتلقى إشادات بأداء المنظمة حتى نوفمبر”.
وأضاف “بعد أسابيع قليلة ازداد التوتر حول قضية القدس، وأعتقد أن تمويل الأونروا كان أحد ضحايا الاستقطاب الذي خلفته هذه القضية”.