النظام التركي بين أمريكا والغرب وبين تحالف دولي واسع جديد

كان ( وما يزال ) النظام التركي الأردوغاني الإخوني؛ أحد الأطراف الرئيسة التي أشعلت المؤامرة الدولية على سورية والعراق وليبيا وأسهمت في تدميرها وتهجير مواطنيها وتخريب اقتصادها بكل أشكال العدوان المنظم من إعلام تحريضي مضلل إلى فتح المخيمات قبل أن تبدأ الحرب على سورية.. إلى استجلاب النظام التركي وتمرير وتدريب وتسليح إرهابيين من بقاع الأرض الأربع ومحضهم الحماية والرعاية والخدمات اللوجستية وشراء ما نهبوا من نفط ومصانع سورية .
لكن سورية صمدت وعزز صمودها دعم روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية، وفي الفترة الأخيرة؛ الحشد الشعبي العراقي، بمواجهة التحالف الدولي الأمريكي الرجعي العربي (الإسرائيلي) ، الذي مني بهزيمة منكرة ، والبقية الباقية تأتي .
كانت تركيا تطمح بعثمنة المنطقة بالتنسيق مع مكتب الإرشاد العالمي الإخوني المتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية فشاركت في إشغال المنطقة بصراعات إقليمية محلية إثنية وطائفية ومذهبية، تؤول في ظنها إلى إقامة دولة خلافة إسلامية عثمانية ، بالقفز من فوق طموحات الوهابية الموازية وبالتعارض معها في مرحلة مقبلة ، في حال نجح المشروع التركي العثماني الإخوني الأمريكي .
فقد عقد مكتب الإرشاد العالمي الإخوني ، مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وبالتنسيق مع تركيا اتفاقا لحرف الصراع عن إسرائيل باتجاه صراع فارسي عربي وسني شيعي في مقابل استلام الإخونيين العرب والترك حكم المنطقة من تونس حتى العراق واليمن .
وكان في برنامج الأمريكان إدخال المنطقة بكليتها في جملة صراعات اثنية وطائفية ومذهبية ، تأكل أخضرها ويابسها؛ بديلاً عن الصراع العربي الصهيوني وطموحات التحرير والقضية الفلسطينية ، فترتاح ( إسرائيل ) لعقود مقبلة، وتدفع المنطقة الثمن غاليا من دماء وأموال شعوبها في حروب تفتتها وتمزقها وتزرع الفتن بين مختلف مكوناتها بديلاً عن الأمن و الوحدة والبناء والاستقرار القائم أو المأمول .
لكن لم يدر في خلد تركيا الأردوغانية ولا مكتب الإرشاد العالمي ولا الوهابية السلفية الجهادية ولا رجعييي المنطقة كافة ولا من يقف خلفهم ويبرمج لهم من أمريكان وغرب وصهاينة ، أن مخططهم ماضِ إلى فشل ذريع رغم ما جندوا من مئات آلاف المرتزقة وما أنفقوا من تريليونات الدولارات ولا ما ضخّوا من إعلام متقدم ؛ مضلِّل ومضلَّل .
وبنيجة الفشل باتت أطراف المؤامرة الدولية الآن مختلفون ، ليس على قسمة الكعكة ولكن على مغبة نتائجها البائسة ، فأوروبا وأمريكا على اختلاف في ملفيْ الهجرة والنووي الإيراني ، وقطر والإخوان من جهة مختلفون مع االسعودية والوهابية ، وتركيا مختلفة مع أمريكا ومع بعض الأوروبيين في أكثر من ملف ، وهي مختلفة (أي أنقرة) مع مصر حليفة السعودية والإمارات، والباكستان لن تلتزم بالحصار الأمريكي على إيران، وحروب البيت الأبيض الدينكوشوتية تنجز سخرية و فشلا واحداً بعد آخر .
وأضحت تركيا التي صدرت الإرهاب إلى سورية تعاني من نتائجه ، وباتت ذريعة تأمين حدودها من ( الخطر الكردي ) مكشوفة وعبئاً سياسيا وعسكريا واستراتيجيا عليها في حال ركبت رأسها بشأن هذه الذريعة، فسورية والعراق وإيران معنيات بموضوع الأكراد وليس من مصلحة أي منها إخلاله بأمن أي منها ، وتبين للسوريين الأكراد الذين راهنوا على أمريكا ، أن الأمريكان ليسوا حلفاء يعتدّ بهم ، وأنهم عند الضرورة مجرد ورقة خريف صفراء ليس لدى الأمريكان من مانعٍ بدعسها ، فبدأوا بالعودة عن مشاريع انفصالية زينها الأمريكان لهم ، واستخدموهم فترة لمصالحهم العدوانية في المنطقة ، وما قد يبدو أحياناً غير ذلك ذراً للرماد في العيون ، إلا أنهم مجرد وقود لمطامع الأمريكان الإقليمية.
تركيا العثمانية الأردوغانية الإخونية ، تقبع الآن في زاوية طموحاتها ومشاريع مؤامراتها الكئيبة التي فاقت قدراتها الحقيقية ، وقد ظنت أن تقدمها الاقتصادي خلال سنوات خلت كان بنتيجة عقيدتها الإخونية وعبقرية قيادتها ، ولم تدر أن وراء ذلك أسباب من بينها ( قبل الحرب ) انفتاح سورية عليها ، حيث أتاحت لها دمشق ما لم يكن متاحا لتركيا على مدى عقود ، ظنا من دمشق أنها تقرّب أنقرة باتجاه العرب ـ فإذا هي تستغل هذه الثقة والعلاقات لصالح إخوان سورية ، وباتجاه توريط دمشق في المصالحة مع الكيان الصهيوني (بالتعاون مع قطر)ـ وأتاح الانفتاح السوري الرسمي للمصانع التركية ؛ غزو حلب على حساب الصناعات السورية ، وانتشرت الصادرات التركية في سورية ولبنان والأردن وشبه الجزيرة العربية .
العامل الثاني إن تركيا أتاحت لأوروبا الاستثمار دون قيود ودون مراعاة المصالح البعيدة لاقتصادها ، فاستثمر الغرب في مجالات الخدمات والبنوك وما أشبه ولم يستثمر في مجالات الصناعة والإنتاج .
أما بعد بدء الخريف الأمريكي فقد حقق ضلوع تركيا لها في المؤامرة على سورية والعراق وليبيا ، دعماً غربيا وأمريكيا أكبر ودوراً إقليمياً، كما لعب اتجارها بالنفط السوري والعراقي المهرب وسرقة المصانع السورية ( أثناء الحرب على سورية ) دوراً في دعم اقتصادها ما عوض بعض خسائرها الناجمة عن إغلاق الحدود، لكن الهزائم التي ألحقت بالإرهاب أوقفت سيل النفط المهرب إليها، في حين بقيت الحدود غير آمنة لانسياب التجارة العادية .
وتبدت منذ عامين مؤشرات تراجع في الاقتصاد التركي بالقياس للسابق ، بالتزامن مع ما سبق، ومع الانقلاب الفاشل أو المدبر، ورفض أمريكا تسليم من تزعم تركيا أنه زعيم الانقلاب المقيم كلاجئ سياسي في الولايات المتحدة ( صاحب الاستثمارات الكبيرة في تركيا ) ، ورفضها تسليم القس الأمريكي المتهم بالتجسس ورفضها كذلك الالتزام بالحظر الأمريكي على واردات النفط الإيراني وتقاربها مع روسيا وإيران معاً كمخرج يزيده التعنت الأمريكي ضرورة .
إن نوعية الاستثمارات الغربية في تركيا ومجمل تبعات المشكلات المحلية التركية والإقليمية وهزيمة المشروع العثماني في المنطقة والمشاريع الحليفة له ، جعل الإجراءات الأمريكية ذات فعالية كبيرة وسريعة بمواجهة الاقتصاد التركي و سعر صرف الليرة التركية .
لكن لا بد من ملاحظة أن الإجراءات التي اتخذتها تركيا بمواجهة القرارات العقابية الأمريكية كانت سريعة وذكية وشجاعة ، فقد أعادت لسعر صرف الليرة التركية بعض قيمتها ، لكن ترامب سيواصل غالبا تعنته وسيتخذ إجراءات عقابية أخرى وربما أشمل وأعمق.
( ويلاحظ الدارس لأرقام الإقتصاد التركي في الأعوام الأخيرة ، تعاظم العجز في الميزان التجاري سنة بعد أخرى وتعاظم المديونية والنضخم النقدي .. ومن هنا ، كان تأثير العقوبات الأمريكية على تركيا سريعا وضخما ،قبل أن تبدأ تركيا باتخاذ خطوات مقابلة )
ولا بد لكسب جولة التحدي وكسر( تابو) وتأثير اتخاذ عقوبات أمريكية سواء تجاه تركيا أو غيرها..لا بد من إيجاد تحالفات اقتصادية كبرى تحول دون استهدافها واستهداف قرارها السياسي المستقل، فكلما اتسعت(رقعة المحاصرين ” بفتح الصاد” ضاقت رقعة المحاصرين ـ ” بكسرها ( وهو ما كتبته قبل نحو ربع قرن) .
أما تركيا التي لعبت على الحبال كثيراً، فلن تكون في مأمن حقيقي في حال استمرت على هذا المنوال من التذاكي وخذلان الأصدقاء والجوار والتآمر عليهم وتسليم (قيادها) لـ مكتبٍ قياداتُ أعضائه في مكتب الإرشاد العالمي ( أقدامهم في القبور .. بحكوا حداويت) كما قال عضو في الجماعة في لحظة صدق بحضوري وحضور صديق زميل.
لا بد أن النظام التركي أمام امتحان صعب واستراتيجي ، بين أن يغلب مصالح الدولة والشعب والمستقبل ، وبين أن يغلب حداويت جماعة ماضوية لا علاقة لها بالزمن الراهن قيادتها متخلفة عميلة للغرب ، لم تقف إلا بمواجهة المشاريع التقدمية في العالمين العربي والإسلامي ولم تحارب الا بالنيابة دفاعا عن الغرب وأمريكا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى