لماذا استهداف التيار القومي

بقلم : عبد الهادي الراجح

منذ انهيار الدولة العثمانية وتقسيم ارثها  بين دول الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى  وهناك استهداف امبريالي واضح للفكر القومي العربي التحرري  لصالح القطرية الضيقة التي صنعوها لنا عبّر براميل سايكس بيكو،  والأحلام الاسلامويه بإحياء ما يسمى بدولة الخلافة المزعومة التي لم تكن إلا دولة المصلحة القومية لتركيا ، وهذا  الذي لا يريد أن يفهمه البعض لدرجة الحنين للعبودية العثمانية وعصر المختار والألقاب الفارغة التي لا  تزال موجودة  لغاية اليوم وهي ارث الدولة العثمانية البائدة ، الذي حافظ عليه ورثتها الامبرياليون بهدف إبقاء أمتنا مفككة وضعيفة .

وبالتأكيد ليس هناك خروج من هذا الوباء الخرافي والتقوقع القطري إلا  عبر الفكر القومي  العربي المستنير،  ولأجل ذلك تشتد الحرب  الباردة تارة  والساخنة تارات  وبكل الطرق والوسائل من الحرب النفسية وصولا للعدوان والاحتلال على هذا الفكر ودعاته، وإفشاله في بعض الأقطار العربية التي نجح بها  .

ولعل اوضح شاهد على ذلك ما حدث ويحدث في مصر الناصرية  التي هي بلا نقاش قلعة التحرر القومي والبيت الآمن  لكل دعاة الفكر القومي  التحرري، ليس في الوطن العربي فحسب ولكن في كل الدول الباحثة عن حريتها واستقلالها في القارات الثلاثة .

لقد كان هناك الحصار الاقتصادي والحرب بكل أشكالها، وصولا للعدوان العسكري كما أسلفت،  والملاحظ  أن تلك الحرب زادت حدتها على الزعيم جمال عبد الناصر أبرز دعاة التحرر القومي بعد رحيله ونجاح الثورة المضادة التي قادها خليفته بدعم امبريالي صهيوني إعرابي نفطي  ساندهم بذلك تيار الانتقام الاسلاموي الذي وصلت به السخافة والاستهتار بعقول الناس الادعاء بأن ضريح الزعيم جمال عبد الناصر قد فاضت عليه المرافق العامة، رغم وجوده في مسجد  يحمل اسمه  والمسجد هو بيت من بيوت الله ، ولكن هؤلاء الرعاء لا يهمهم إلا التشويه وتلك وظيفتهم  ودورهم .

وأذكر أنني دخلت في حوار مع شخص يحمل شهادة الدكتوراه متعاطف مع التيار الاسلاموي  وذكر لي تلك الحادثة ، وأجبته  وأنا أضحك ضحكا كالبكاء بأن هذه المعجزة المزعومة لم تحدث لضريح الزعيم كمال أتاتورك وهو من وقع شهادة الوفاة لما يسمى بالدولة العثمانية ودفنها  بيديه،  كما لم تحدث معجزتكم المزعومة حتى على أبو لهب الذي نزلت به آية قرآنية تبشره بالنار،  وكذلك لم تنزل ولم يراها أحد على كل ملاحدة العالم لأنها غير موجودة إلا في خيالكم  المستوحى من أمراضكم النفسية لأن من روج لها يعرف أنها في تركيا وغيرها  لن تمر ، وهناك شعب يحاسب ويوجد ديمقراطيات جيدة مقارنة لواقعنا .

ولكن في وطننا العربي تجد من أهل الكهف من يصدقها وحتى يرددها كالببغاء  الشديدة الغباء لأن ذلك هو جمهورهم  وتواجدهم حيث الجهل والتخلف والإيمان بالخرافات حتى  التي يرفضها العقل .

على ان استهداف الفكر القومي في كل الوطن العربي، وتحديداً في الدول التي وصل للسلطة بها لم يتوقف، فقد تسبب في خلاف الزعيمين أحمد بن بلا وهواري بومدين  وهما من الرموز القومية   واغتيل الأخير  مسموما بوجبة سريعة في الطائرة كما أكد طبيبه السوفيتي الدكتور (يفجيني تشازوف)، وصولا  لغزو العراق  وليبيا  واحتلالهما  وإعدام قيادتهم الشرعية،  وثم ضرب سوريا بالإرهاب ومحاولة تدميرها ويحسب للدولة السورية قيادة وشعباً وجيشا أنها لم تنجرف وراء التطرف الديني  والطائفي البغيض، وبقيت مجتمعا متماسكا وإعلامها الرسمي والخاص في إطار الدولة الوطنية والقومية  لكل أبنائها وأمتها رغم خناجر الأشقاء الغادرة بالظهر، وصمدت سوريا وهو ما يعول عليه اليوم كل أحرار وحرائر الأمة لإعادة هيكلتها على أسس صحيحة وإحياء روح العمل العربي المشترك .

وهنا يتساءل الجميع : لماذا استهداف التيار القومي العروبي  على وجه التحديد ولمصلحة من تصوير الفكر القومي  كأنه نقيض للدين كما يصوره بعض المتاجرين بالإسلام ، مع أن هؤلاء المتأسلمين لم يفعلوا واحد بالمائة مما فعله الزعيم جمال عبد الناصر لخدمة الإسلام من إيجاد إذاعة خاصة للقران الكريم تبث على مدار الساعة، ولإرساله الدعاة لإفريقيا بعد تحررها  الذي ساهم به جمال عبد الناصر، إلى بناء المساجد التي شهدت في عصره طفرة غير مسبوقة   حتى أن بعض دعاة التغريب في أمتنا قد ادعوا أن جمال عبد الناصر من أسس لدعم الإسلام السياسي، و هناك حملة تشكيك وتخريب وتدمير  واستئجار كل من يقبل على نفسه  البيع للتشكيك بالفكر القومي العروبي ومهاجمة رموزه  من جمال عبد الناصر لأحمد بن بلا وهواري بوميدن وشكري القوتلي  وصدام حسين  ومعمر ألقذافي وحافظ الأسد، وصولا  للرئيس بشار الأسد، ومحاولة تكبير  السلبيات التي وقعت بها تلك الأنظمة بهدف إجهاض كل استفادة منها.

نعرف ان الهجوم الشرس على التيار القومي يأتي بلا شك لأنه التيار الوحيد القادر على تجديد نفسه  كونه يمثل ثوابت الأمة ثقافيا وحضاريا  ، والذي جاء آخر الأديان بلغته، فهل يوجد تكريم أفضل من هذا التكريم لأمة العرب ؟

إن القومية موجودة قبل الأديان بل حاضنة لكل الأديان السماوية التي أكرمنا الله عز وجل أن تكون بلادنا العربية مصدر انطلاقها جميعا ، ولا يرمى بالطوب الا ما هو مثمر ومفيد ، وأمتنا العظيمة ستعيد صياغة مشروعها القومي التحرري مستفيدة من السلبيات التي وقعت بها ، والغد لن يكون إلا لأمتنا وشعبنا، أمة الشهداء وأكثر الأمم تضحيات رغم أنوف الحاقدين الجاهلين .

ولا عزاء للصامتين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى