دعوة إلى تجديد البنى الفكرية لمكونات الحركة الوطنية الفلسطينية 

البيرة / غزة - مركز مسارات

أكد متحدثون ضرورة تجديد البنى الفكرية لمجمل الحركة الوطنية الفلسطينية على أساس القواسم المشتركة التي يُجمع عليها الفلسطينيون. وشددوا على أهمية المراجعة الفكرية لدى مختلف فصائل العمل الوطني والإسلامي بما يخدم بناء منظومات واضحة من حيث الهوية والدور لكل من التيارات الوطنية الديمقراطية واليسارية والإسلامية، انطلاقًا من الالتزام بالوطنية الفلسطينية والنضال ضد العدو.

واتفق المتحدثون على أن المصدر الأساسي والأول للشرعية لا يزال مواجهة الاستعمار الاستيطاني، بما يتطلبه ذلك من توافق وطني على الإستراتيجية السياسية والنضالية للمرحلة المقبلة.

جاء ذلك خلال حلقة نقاش نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السّياسات والدّراسات الإستراتيجيّة (مســارات) في مقريه بالبيرة وغزة، لمناقشة الورقة التي طرحها ناصر القدوة، بعنوان “البنى الفكرية لفتح وللفصائل اليسارية والإسلامية”، وذلك بحضور أكثر من مائة شخصية من السياسيين والأكاديميين والنشطاء. وقد أدار الحوار في البيرة خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، في حين أداره في غزة، صلاح عبد العاطي، مدير مكتب مسارات في القطاع.

وتحدث في حلقة النقاش، على التوالي، كل من: ناصر القدوة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات، وغازي حمد، القيادي في حركة حماس، وهاني الثوابتة، عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية، وعباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وقيس عبد الكريم، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، وبسام الصالحي، الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، وأيمن دراغمة، عضو المجلس التشريعي، وخليل هندي، أستاذ علم الإدارة في الجامعة الأميركية في بيروت.

أوضح القدوة في ورقته أن على “فتح” أن تعود إلى أصولها الفكرية، الوطنية الفلسطينية والنضال ضد العدو، وإعطاء البنية الفكرية معاني واضحة ومحددة تعمق هذه الأصول، وتضيف لها بعدًا فكريًا جديدًا يستجيب لمسؤولياتها عن حياة الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة. كما أنها مجبرة على تبني بعد فكري جديد يتعامل مع تجربة الحكم واحتياجات الشعب. وبمثل هذه البنية الفكرية ستتمكن “فتح” من أداء دورها الطبيعي في التصدي لمهام مرحلة التحرر الوطني وإنجاز الاستقلال الوطني.

ورأى أن على فصائل اليسار إضافة بعد أيديولوجي يساري كامل على الرغم من صعوبة ذلك في ظل البنى الفكرية السائدة حاليًا في العالم، وأن تعيد تعريف اليسار الفلسطيني لنفسه مع تبني رؤى حاسمة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والتصدي للأفكار الليبرالية والرؤى الدينية والمطالبة بعلمانية الدولة. وهكذا سيصبح لدينا تيار وطني يساري مهم ومفيد للقضية الفلسطينية وللمجتمع الفلسطيني.

أما بالنسبة للفصائل الإسلامية، فاعتبر أن عليها أن تكمل التحول، وأن تبني بنية فكرية تعطي الأولوية للمصلحة الوطنية، وتقدم مصلحة الشعب على مصلحة التنظيم، وعليها القبول الحاسم بالديمقراطية والتعددية السياسية، وهذا يتطلب الفصل بين السياسي والديني، والقطع مع التنظيمات الإسلامية العابرة للحدود. وهذا سيعني تشكل تيار وطني إسلامي سيصبح جزءًا أساسيًا من الحركة الوطنية بمرجعية إسلامية.

وقال القدوة إن بداية علاج الأزمة يبدأ بالتوصل إلى البنية الفكرية المناسبة، فالمطلوب بنية فكرية مشتركة للحركة الوطنية أساسها الوطنية الفلسطينية والنضال ضد العدو، والتمايز الفكري للتيارات الثلاثة الوطنية واليسارية والإسلامية.

وأشار إلى ضرروة التمسك بالوحدة الوطنية؛ وحدة الأرض وسلامتها الإقليمية ووحدة الشعب، ومواجهة أي إجراءات تمييزية ضد أي جزء من شعبنا، داعيًا إلى “إنهاء الإجراءات التمييزية المتعلقة بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فالمسألة كبيرة وليست مسألة موظفين وحقوق فقط، بل متعلقة بصلب تفكيرنا ورؤيتنا وعملنا المشترك ووحدة الأرض والشعب”.

وشدد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي البيت الجامع للحركة الوطنية، وتم عقد المجلس الوطني وكان الغرض المعلن منه إنقاذ المنظمة وتجديد اللجنة التنفيذية، ورغم كل ما رافق عقد دورة المجلس الوطني الأخير، “قلنا إها دورة شرعية، ولكن يجب أن نعود الآن إلى عمل وحدودي حقيقي وحوار جدي وعقد مجلس وطني جديد يحقق آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، وليس الإمعان في ما يتردد عن خطوات وإجراءات سيتم اتخاذها في جلسة المجلس المركزي”.

بدوره، أشار حمد إلى عدم وجود فكر إستراتيجي واضح للحركات الوطنية الفلسطينية، وربما كلها بنيت بنوع من السرعة في تبني الأفكار، أو تحت ضغوط الواقع، أو الأفكار الأيديولوجية التي تأثرت بها بعض القوى السياسية، موضحًا أن البعد الإستراتيجي لم يكن قائمًا ولا مؤصلاً في فكر الحركة الوطنية، بمعنى أنه يبنى على مراحل ويتواصل ثم يصل إلى الأهداف المرجوة. كما نوه إلى أن الفكر الوطني لم يكن ناضجًا لدى التيار الإسلامي، وقد تطور في غمار التجربة الكفاحية والممارسة السياسية. ورغم أن حركة حماس قامت على أساس مقارعة الاحتلال، إلا أنه كانت لديها مشكلة في تسويق أفكارها، وكان جزءًا من ذلك يعود إلى نقص في مدى شيوع الثقافة الوطنية داخل الحركة.

وأضاف: “إن مسألة تجربة الحكم تحتاج إلى إعادة تفكير، لأن الدولة أصبحت جزءًا أساسيًا من التفكير، أي الدولة بدل الوطن، وهناك فرق بين الاثنين وبين البنى الفكرية لهما”.

بدوره، طرح الثوابتة تساؤلات حول إمكانية العودة إلى برنامج القواسم المشتركة في حدوده الدنيا، وحول مراجعة تجربة أوسلو وتداعياتها، في ظل ما تواجه القضية الفلسطينية من تحديات ومخاطر. وأشار إلى أن نقد مسيرة النضال الوطني بحاجة إلى تعمق أكثر. ودعا إلى التوافق على أدوات كفاحية فعالة وحصرها في خيارات محددة وفقًا لطبيعة المرحلة.

وأوضح أن الجبهة الشعبية حددت بنية فكرية تعتمد في فكرها ومواقفها على إسترايتجية واضحة، لذا هي في كثير من الأحيان تصطدم بالموقف الرسمي أو موقف السلطة، انطلاقًا من مواقفها المستندة إلى إستراتيجيتها وقراءتها للمواقف.

أما زكي، فأشار إلى أن التناقض الأساسي هو مع الاحتلال، فلا بد من التوحد لمواجهة مخططاته، ومواجهة صفقة القرن، داعيًا إلى إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ولتأخذ حقها لا أن تكون تابعة للسلطة ولا أن تكون بعيدة عن مرتكزات قوتها، إضافة إلى إصلاح كل فصيل ما عنده من مؤسسات وخطاب سياسي وإعلامي.

وأوضح أن المرحلية التي اتبعتها حركة فتح لم تتعارض مع الإستراتيجية، بل جاءت من أجل تحقيق مكانة للقضية الفلسطينية، فالخلل ليس في الفكرة الإستراتيجية، بل في تطبيقها وأدائها.

من جانبه، قال عبد الكريم إن هناك استنتاجات من الممكن الاتفاق عليها، وهي إمكانية أن تكون هناك تيارات فكرية متباينة ومتمايزة ومتناقضة، ولا مشكلة في كونها متناقضة إذا قلنا إن التناقض الرئيس مع الاحتلال، مع ضرورة تشخيص مشروعية هذه التناقضات لأنها جوهر التعددية، وإمكانية التعايش ما بين التيارات الفكرية المختلفة، وإمكانية الاتفاق على قواسم مشتركة بما يؤدي إلى نهوض الحركة الوطنية، وتوحيد الطاقات باتجاه تحقيق الأهداف المرحلية.

ودعا كل تيار إلى تعريف نفسه أمام جمهوره، وتوضيح المواقف الفكرية والسياسية والعملية والمواقف بالممارسة، مثل أساليب النضال والممارسة اليومية في صفوف المجتمع. كما اقترح أن يتم تنظيم حوار أوسع لمراجعة تجربة التيارات الفكرية الفلسطينية والقواسم المشتركة التي تجمعها.

أما الصالحي، فأشار إلى أن ما طرح هو معاودة استتنهاض الوضع العام من المدخل الفكري، وهذا شيء مهم ويشكل فاتحة لمعالجة القضايا الأخرى.

وبيّن أن المشكلة الأكبر أن الصراع بعد أوسلو والسلطة ظل إلى حد كبير على المستوى السياسي، لكن هذا التغير جعل الفرز الأساسي هو في المضمون الاجتماعي والديمقراطي الداخلي، فالقضايا الحقيقة التي أصبحت تواجه القوى هي القضايا التي تواجه المجتمع، وهي التي تميز الأحزاب.

ونوه إلى أن حزب الشعب سيولي في مؤتمره اهتمامًا بالقضايا الفكرية والأيديولوجية، مثل الحقوق الاجتماعية للمواطنين، والحقوق العمالية، والنظرة إلى السوق، وقضية الدين والتيارات الإسلامية، وقضية المرأة.

بدوره، أوضح دراغمة أن فصائل العمل الوطني الفلسطيني نشأت في ظروف غير مريحة، إذ لم تقم ببناء منظومة فكرية على أسس سليمة، لذا جرت مراجعات وتحولات في البرامج للوصول إلى ما هو أفضل. وبيّن أن الفصائل بحاجة إلى مراجعات حتى تحافظ على كينونتها وبرنامجها ووجودها ووطنيتها الفلسطينية، وخاصة المرحلة التي حكمت فيها حركتا فتح وحماس.

وأشار إلى أن حركة حماس غيرت من بنيتها الفكرية في الوثيقة السياسية التي طرحتها في العام 2017، فهناك تغير في موقف الحركة تجاه العلاقة مع منظمة التحرير، والعلاقة مع المجتمع الدولي، وحول مقاومة الاحتلال والتهدئة والمفاوضات، حتى أضحت هذه المسائل واضحة في الفكر السياسي لحماس.

وأخيرًا، شدد الهندي على أن المهمة الأساسية الحالية تتمثل في هدفين: الأول، استعادة الروح الكفاحية للشعب الفلسطيني، والثاني، التفكير الإستراتيجي الفلسطيني من منظور مقارعة الاحتلال، وليس من منظور الأهداف النهائية ولا الصراع الطبقي والاجتماعي، على أهميته، موضحًا أن ما نحتاج إليه هو استعادة الوحدة الكفاحية ووضع برنامج كفاحي، بما يعنيه من تعيين القوى الفعلية، ومرحلة الصراع بدقة، وتعيين القوى والعلاقات ما بينها، وتحديد مسار على المستويين القريب والمتوسط للنضال ضد العدو والاحتلال.

وأضاف: “بدلًا من رفع الشعارات، اقترح النضال من أجل تحويل السلطة إلى ما هي عليه في الواقع، أي سلطة تحت الأسر، فيجب أن نتصرف على هذا الأساس”.

وقدم العديد من الحضور مداخلات أكدوا فيها على أهمية موضوع حلقة النقاش التي ينظمها “مسارات” استنادًا إلى الورقة التي بادر القدوة إلى طرحها للنقاش. ودعوا إلى تنظيم المزيد من اللقاءات الحوارية لإجراء مراجعة نقدية لتجارب مجمل مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، وتطوير بناها الفكرية على أساس إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية الفلسطينية ووحدة الأرض والشعب.

وشددوا على أهمية الحوار الوطني الشامل بين مكونات مختلف التيارات الوطنية الديمقراطية واليسارية والإسلامية، بما يفضي إلى إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير وعلى أساس برنامج وطني يجسد القواسم المشتركة، وإيلاء الاهتمام إلى الحوارات والكتابات من خارج الفصائل السياسية التي تعيد تقييم ومراجعة التجربة الماضية، وتسعى إلى استشراف المستقبل، وكذلك الاستماع إلى صوت الشباب وعدم التقليل من شأن المبادرات الشبابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى