دفاعا عن الحق وليس عن الصحافة
بقلم : د. زيد احمد المحيسن

لهذا تعتبر الصحافه الرئه الحقيقيه التى يتنفس منها المواطن في اغلب الاحيان والوسيله الناجحه التى يلجأ اليها لبًثٍ همومه وشكواه تجاه مايتعرض له من منغصات وتحديات في مسيرة عمله اليومي ، ويؤكد لنا تاريخ تطور الصحافه في الاردن ان وجود صحافه حزبيه حره ونشطه يمثل الخطوه الاولى في ضمان وجود اعلام مستقل ومتنوع بعيد عن هيمنة الاداره التنفيذيه.
غير ان الواقع المحلي يشهد باننا لم نشهد صحافه تمثل المعارضه تُذكر الا في الفتره التي سبقت الحصول على الاستقلال عندما استخدمت الحركه الوطنيه العربيه الاردنيه النشرات والبيانات والصحف في ترويج الافكار الوطنيه والقوميه التى تهدف الى التخلص من الاستعمار ومخلفاته .وبعد اكتمال نشؤء الكيان العربي السياسي الاردني ولتوطيد دعائم هذا الوليد الجديد وبث الاستقرار في ربوعه وتوحيد اجزائه, سيطرت الادارات التنفيذيه والسياسيه المتعاقبة على مضمون المواد الاعلاميه ، بل تجسد اكثر من ذلك في مساهمة الدوله في تمويل استصدار الصحف, فاصبحت الصحف تدور في فلك الادارات التنفيذيه المتعاقبه تمويلا ورقابة قبل النشر واحتواءا ناعما في اغلب الاحيان، ومع ذلك قُيض لبعض المحاولات الصحفيه الفرديه بالظهور الا انها بأت بالفشل الذريع ولم تعمر طويلا ولم يكتب لها اي تاثير يذكر في وجدان المواطن العربي الاردني نظرا للمضايقات والتحديات الماليه التى كانت تعترض سبيلها في اغلب الاحيان – فأُغلقت ابوابها بغير رجعه .
لقد عانت الصحافه من مشاكل كثيره وكانت مشكلة التمويل والتوزيع من المشاكل الهامه التي اعترضت سبيل انشاء صحف مستقله, بعيده عن هيمنة الادارة التنفيذيه ،وزيادة على ذلك استطاعت هذه الادارات باساليبها الترضويه تاره والاحتواء الناعم تارة اخرى تخريج مجموعه من الصحفيين يومنون بان الولاء الصحفي يقاس بقدر العطاء والعطايا الماديه.
من هنا تدنى المستوى الصحفي الى المستوى المفعول به وليس الفاعل والمؤثر وما عدنا نجد فرسانا للكلمة المطبوعه –الا من رحم ربي –تنطبق عليه صفات الصحفي الملتزم بالجرأه والموضوعيه والحياديه والاستقلاليه –واذا وجدوا تعرضوا الى سياسات التجويع والفصل التعسفي تارة وسياسات الاسترضاء المادي والاحتواء الناعم تارة اخرى، وانعكس هذا الوضع على انتاجيتهم وكتاباتهم الصحفيه وخلق حاله اقل ما يمكن ان يقال عنها انها حاله غير صحيه.
لهذا اصبح الصحفي يتقمص وجهين وجه ينافق فيه للادارة التنفيذيه ووجهه اخر يمارس فيه قناعاته وافكاره التى يؤمن بها .
من هنا ونحن نتحدث بصوت مرتفع عن الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي فان اول خطوات تصويب المسار والعلاقه بين الادارة التنفذيه والصحافه ليس بالمواثيق والضوابط السلوكيه وحدها بل تبدا برفع الاداره التنفيذيه مساهماتها التمويليه في هذه الصحف فتكون هذه اول خطوه تصويبيه تجاه الاصلاح تصب ,في الاتجاه الصحيح، وتاتي الخطوة الثانيه في ضخ دماء جديده من الصحفيين واعادة تدريب وتأهيل للاخرين للجسم الصحفي للتتواكب مع التوجهات الوطنيه والقوميه والعالميه، اما الخطوة الثالثه فهي اعادة النظر في رواتب وضمانات العمل الصحفي فلا يعقل ان نطلب من الصحفي المثاليه في تصرفاته ونحرمه من ابسط حقوقه في توفير دخل مادي معقول يقيه اغراءات الوقوف على ابواب المسؤولين والنفاق لهم طمعا في مغنم مادي او خدمي ، اما الخطوة الرابعه في هذا السياق الاصلاحي للجسم الصحفي فهي تخفيف حدة قلم الرقيب الصحفي فهو في بعض الاحيان اشد قسوة من بعض الادارات التنفيذيه، بعد ذلك ياتي دور الالتزام بالعهود والمواثيق الصحفيه الوطنيه والقوميه والدوليه.
بهذه الخطوات يمكن لنا بناء جسم صحفي خالٍ من الامراض يتسلح بالقيم الاخلاقيه النبيله لرسالة العمل الصحفي وبالمهنيه العلميه العاليه ، فبعيدا عن فوبيا الخوف من الجوع او الفصل التعسفي سوف يساهم الصحفي بمداد قلمه النظيف في بناء قادة للراي العام يكون لهم تاثير في العمل الوطني واستنهاض قواه الحيه والاسهام في ايجاد الحلول الايجابيه لقضايانا الوطنيه والقوميه وبما يضمن تعزيز بناء دولتنا المدنيه المؤمنه بقيم الديمقراطيه من حريه وعداله اجتماعيه وحياة فضلى للجميع.