الكاريزما موهبة آسرة تمنح المتمتعين بها قوة تأثير هائلة في الاخرين
تعود أصول مصطلح “كاريزما” إلى رسائل رودولف سوم؛ المؤرخ والقاضي التابع لكنيسة ستراسبورغ عام 50 قبل الميلاد. فكاريزما، تعني حرفيًا في اللغة اليونانية”موهبة” أو “نعمة إلهية”، لكنّ استخدامها بقيَ مقتصرًا على الجانب الكنسيّ الدينيّ للإشارة إلى قدرات الروح القدس، قبل أنْ توضع الكلمة في سباتٍ لقرونٍ عديدة ليتمّ إحياؤها لاحقًا على يد عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني “ماكس فيبر”.
استعمل فيبر الكلمة ليميّز القادة الذين نصّبوا أنفسهم لهذا الدور، وهو أن يتبعهم الآخرون الذين هم في محنة أو بحاجة لاتباع قائد، لإيمانهم بأن القائد قادرٌ على مهمة القيادة بشكل غير طبيعي اختُصّ به، وليس من خلال صفة قد اكتسبها في حياته. وبذلك، يكون “فيبر” أول من أعطى مصطلح “كاريزما” بُعدًا سياسيًّا عندما استخدمه للإشارة إلى قدرة الفرد على التأثير في الآخرين إلى الحدّ الذي يجعله في مركز قوّةٍ بالنسبة لهم ما يمنحه حقوقًا سلطوية نظرًا لقدرته على التأثير.
وهكذا، يؤكّد فيبر على دور ظهور الشخصيات الكاريزمانية في المجتمع كعامل أساسي للتغيير الاجتماعي. ووفقًا له، فدعاة الأديان المختلفة والأنبياء والأبطال السياسيين هم نماذج أساسية للقائد الكاريزمي، كما أنّ المعجزات والاكتشافات والمآثر البطولية والنجاحات منقطعة النظير هي سمات أو مؤشرات للشخصية الكاريزمية.
فبالنسبة إلى فيبر، هناك ثلاثة أنواع من السلطة، السلطة القانونية التي تستمدّ شرعيّتها من القانون والسلطة التقليدية التي تستمدّ شرعيتها من التقاليد والأعراف المستقرة والمتوارثة من الماضي والسلطة الكاريزمية التي تعتمد على شخص “غير عادي” يمتلك صفاتٍ كارزمية ويستمدّ شرعيته من إيمان الآخرين به وبقدراته. وقد اعتبر فيبر أنّ هناك شيئًا بطوليًا حول الزعيم الجذاب الذي يستطيع التأثير بأتباعه من خلال مآثره العظيمة أو جاذبيته البليغة التي عادةٍ ما يتمّ استشفافها في خطاباته المهمّة.
وفقًا لماكس فيبر فالكاريزما هي قدرة الفرد على التأثير في الآخرين إلى الحدّ الذي يجعله في مركز قوّةٍ بالنسبة لهم ما يمنحه حقوقًا سلطوية نظرًا لقدرته على التأثير.
وبشكلٍ عام، نستطيع القول أنّ فيبر نظر إلى الكاريزما على أنها مجموعة من الصفات أو السمات المميزة، مثل البصيرة والمثالية والحيوية وغير التقليدية. ويتناقض هذا الرأي بشدة مع الدراسات الحديثة التي تنظر إلى الكاريزما على أنها مجموعة من السلوكيات، مثل إظهار مستويات عالية من المثابرة والتعاطف والثقة بالنفس والتصميم والتفاؤل وما إلى ذلك.
كما يركّز العديد من علماء نفس الشخصية الحديثين على الجانب المظلم للشخصية الكاريزماتية، فيرى بعضهم أنّ الشخص الكاريزماتي قد يكون نرجسيًّا وحازمًا في معظم الأوقات. أما في عام 1995، فقد اقترح عالم النفس الاجتماعيّ فرناندو موليرو، تصنيفًا جديدًا للكاريزما استنادًا إلى نظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد، مُعتبرًا فيه أنّ الكاريزما هي جانبٌ من غرور الأنا المدفوع برغبة بالسيطرة والتحكّم.
للوهلة الأولى، قد تبدو جميع هذه التعريفات غير متصلة أو متناقضة، لكنّنا نستطيع أن نستشفّ من خلالها بعض العناصر المشتركة التي يمكن أن تساعد في تحديد الشخصية الكاريزماتية عند أي فرد. وباختصار، يمكن تلخيص الكاريزما وتعريفها بأنها “قوة تأسر قلوب وعقول الآخرين”. لذلك، فيُستخدم مصطلح “الكاريزما” اليوم لوصف مجموعة من الأفراد المختلفين: السياسيين ومديري المؤسسات والمشاهير والأدباء ورجال الأعمال والدين وغيرهم الكثيرين. ولو سألت أيّ شخصٍ عن تعريفه أو فهمه لهذه الكلمة لربما أجابك أنه يجدها سمةً فطرية تميّز بعض الأفراد وتجذب الآخرين إليهم. أيْ أنّ “الحضور الجذّاب” يعدّ عاملًا قويًّا وأساسيًّا في تشكّل هذه الشخصية.
ووفقًا لعلم النفس التنظيمي والمؤسساتي، فالشخصية الكاريزماتية هي مجموعة من المهارات الاجتماعية والعاطفية المعقدة والمتطورة التي تسمح للأفراد بالتأثير على الآخرين على مستوى عاطفي عميق، والتواصل معهم بفعالية، وإقامة صلات قوية بينهم. كما يمتلك هؤلاء الأفراد مهارة عالية في قراءة المواقف الاجتماعية وكذلك عقول الآخرين.
وبما أنّ الشخصية الكاريزماتية تمتلك قوة تستطيع حشد الناس في الأوقات الصعبة، فمما لا شكّ فيه أنها يمكن أن تؤدي أيضًا إلى إضعاف الأشخاص وتقودهم إلى قبول إجراءات وسياسات أو شروط غير حكيمة، فالقادة الذين يتمتعون بشخصية كاريزماتية يمتلكون القدرة على التلاعب بأتباعهم من خلال أساليب عديدة خاصة خلال الفترات الحرجة مثل الأزمات الاقتصادية أو فترات عدم الاستقرار الاجتماعيّ أو السياسيّ، خذ هتلر وتشرشل على سبيل المثال.
ووفقًا لماكس فيبر مجدّدًا، فإنّ أتباع الشخصية الكاريزماتية تنظر إليها على أنها تمتلك قوىً وقدرات خارقة للطبيعة أو فوق قدرة البشر أو على الأقل تمتلك صلاحيات أو صفات استثنائية لا يمتلكها غيرها من الأفراد أو الشخصيات. وقد يصل الأمر بأتباعها إلى الاعتقاد أنّ تلك الشخصية قادرة على صنع المعجزات وتغيير مجرى الحياة. فما الذي يدفع الناس العقلاء إلى الاستسلام لتبني وجهات نظر غير واقعية بشكل خطير مثل هذه؟ هنا، يرى سيجموند فرويد أنّ القائد الكاريزماتيّ يصبحُ مع الوقت ضمير أتباعه، ويصبح صوته صوت ضمائرهم، فأيًا كان ما يريده القائد، بغض النظر عنه، فهو صحيح وخارق، وبالتالي ينظر إليه أتباعه على أنه إنسان مثالي بطولي يخلو من كل عيب خطير.
ولهذا السبب بالذات، ما زال الباحثون ينظرون للكاريزما بوصفها صفةً غامضة تمتلك وجهين قد يكونان مختلفين تمامًا. فهناك الوجه الجيد وهنا الوجه المُظلم الذي يسعى للسيطرة وتحقيق الأهداف الشخصية والدوافع الفردية بغض النظر عن مصلحة الشعب والأفراد التابعين، سواء كان ذلك على مستوى مجموعة صغيرة أو مؤسسة عملية أو على مستوى الدول والأمم والقوميات.