الاتجاه شرقاً

نحن العرب في الشرق ومن الشرق، وكل المحاولات التي أراد من خلالها بعض الساسة وبعض المفكرين إلحاقنا بالغرب كان مصيرها الفشل الذريع، فقد رفض الغرب الأوروبي والأمريكي قبولنا في فلكه المتحضر الجديد ، وأرادنا تابعين لا غير. وبذل جهداً متعدد الوسائل والغايات لإبعادنا عّما يحقق لأقطارنا بعض ما تسعى إليه من تغيير في بناها الاقتصادية والثقافية. ومضت الأعوام ونحن نرزح تحت الأوهام من مغالطة النفس وإقناع من لا يقنع بأننا جزء من البحر الأبيض المتوسط ثقافة وانتماء. لذلك فقد أعطينا ظهورنا للشرق الذي نحن منه وفيه. وكان لا بد للنائم أن يصحو وللغافل أن يستعيد وعيه ويدرك أبعاد الخطأ الذي ارتكبه ساستنا ومفكرونا.

قد جاءت متأخرة، فمازال هناك من لا يزال يتشبث بأوهام الانتماء إلى الغرب الذي مازال يضعنا في خانة الأعداء .

لقد كانت أول خطوة جزئية اتخذها الشرق، ممثلاً باليابان والصين ثم بالهند، الاعتراف بأن الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا إلاَّ على درب التبعية والخضوع للقوة الاستعمارية القائمة على النهب والسلب، والسماح بنشر مظاهر التحديث الكاذب. وفي عدد قليل من السنوات تمكن هؤلاء الشرقيون المخلصون لمشرقيتهم من إثبات وجودهم المختلف والهادف إلى إقامة حضارة شرقية تذكرّ بسابقاتها التاريخية وتكون جزءاً من الحضارة المعاصرة بكل دلالاتها العلمية والصناعية والثقافية، وبذلك تكونت في هذا الجزء من الشرق تجربة رائدة كان لابد أن تشد إليها انتباه أبناء الشرق عامة والشرق العربي خاصة، ولو حدث ذلك في وقت مبكر، ما بقينا نتعثر ونخرج من نفق مظلم إلى نفق أظلم. وفي الدول الشرقية الصغيرة ، كما هو حال ماليزيا – على سبيل المثال- قدوة حسنة لبعض أقطارنا التي افتقدت منذ قرن البوصلة الصحيحة للتغيير .

إن تحويل الوجهة من الغرب إلى الشرق لا يحتاج إلى قدرات استثنائية، وإنما إلى رغبة صادقة وإرادة في التحول والاقتداء، وإلى دراسة التجربة دراسة عملية تطبيقية. وربما تكون التجربة الهندية أَولى من غيرها بالدرس نظراً للتحول الذي ترك أثراً كبيراً في حياة الملايين من الفقراء والعاطلين، وهو ما تشكو منه أمتنا العربية التي لا مجال لقياس تعداد أبنائها بتعداد أبناء الهند. والمهم من كل ما سبق أن نعترف بأننا جغرافياً وتاريخياً جزء من هذا الشرق الناهض والخارج من قبضة الاحتلالات الأجنبية، وما تركته من تدمير وبددته من زمن.

وإذا كان التخلف فضيحة وعاراً على الشعوب، فإن استمراره والصمت على نتائجه ومخرجاته هو الفضيحة الأشنع والعار الأعظم، وقد آن لأمتنا أن تعود إلى شرقيتها وتبدأ مرحلة التجاوز والشروق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى