ولا جنيه واحد فى جيب عبدالناصر

بقلم : عبد الرحمن فهمي

كل شعوب العالم لها رادار لا يخيب قط.. هذا الرادار منذ سنوات بل قرون يؤكد لك أن الرئيس أو الزعيم أو أى صاحب منصب نزيه لا يقبل المال الحرام، مهما كان صغيراً، تعشقه الشعوب.. الشعوب لا تغفر لمن يسرقها أو يستحل مالها وتغفر ما دون ذلك مهما كان.. وهذا ما حدث مع جمال عبدالناصر بالذات.. غفروا له «بلاوى»!.

عزيزتى الإعلامية الكبيرة فريدة الشوباشى.. نعم كانت له شعبية كبيرة لهذا السبب.. كان مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وغيرهما لا يقبلون المال الحرام سواء مال الشعب أو مال الناس.. وهذا هو الوجه الثانى لعبدالناصر كما رواه لنا المرحوم محمد أحمد السكرتير الخاص لعبدالناصر، بعد وفاة عبدالناصر تولى محمد أحمد رئاسة اتحاد الكرة وكان حريصاً على السفر معنا فى المباريات الخارجية لأن السفريات كان مقصورة على السكرتارية السياسية.. وكان محمد أحمد مرتبطاً بالأمور الخاصة لعبدالناصر والأسرة والمنزل.. كان محمد أحمد يقبض مرتب عبدالناصر كل شهر.. ولم يكن فى جيوب عبدالناصر يوماً جنيه واحد.. يقبض كل المرتب ولا شىء قط فوق المرتب الرسمى.. وكان محمد أحمد يتولى الإنفاق على كل شىء.

روى لنا محمد أحمد كيف كان يشترى بدل عبدالناصر من المحلة الكبرى ولا يعرف أحد فى كل الشركة أن هذه البدل سيرتديها عبدالناصر.. من حسن الحظ أن محمد أحمد نفس مقاس عبدالناصر.. كان محمد أحمد يرتدى البدل ليتأكد أنها لا تحتاج لأى تعديل!!، وكان يشترى فى الصيف عدة أمتار من قماش قديم اسمه «رمش العين»!!.. للقمصان ويعطى القماش لمحل اسمه خطاب لتفصيل البيجامات والقمصان فى شارع الجيش بالعباسية ويعطيه قميصا لعبدالناصر!!، ولا أحد يعلم أى شىء.

فى رحلاتنا الكروية خاصة فى أفريقيا لا توجه سهرة سوى متأخرة فى هذا الجناح، بالفندق الذى ينزل فيه محمد أحمد رئيس البعثة.. كنا نسهر إلى ساعة متأخرة فى هذا الجناح.. من لا يجد كرسياً كنا نجلس أرضاً على السجادة.. وإذا طالت السهرة ومعنا من مصر كراتين التونة والفول والسردين نأخذ من الفندق العيش والأطباق وغير ذلك لنسهر تقريباً حتى قرب الفجر.

■ ■ ■

كانت مصاريف الجامعة الأمريكية منذ أكثر من عشرين سنة 12 ألف جنيه.. كان أستاذى لويس جريس مدير العلاقات العامة بالجامعة طلب منى التوقيع على ورقة ما.. اتضح أنها «شهادة فقر» كفيلة بتخفيض ثلث المصاريف.. عندما تغيرت قسمات وجهى طلب الأخ لويس جريس من سكرتيره إحضار ورقة جمال عبدالناصر!!.. كانت مفاجأة.. جمال عبدالناصر وقع الطلب فوافقت!.

ونجحت الابنة الثانية.. ورفض عبدالناصر أن تلتحق بالجامعة الأمريكية مثل أختها أساساً.. علم بذلك مدير عام الجامعة الأمريكية وهو أمريكى الجنسية فعرض على العبدالناصر أن تلتحق الابنة بالجامعة بالمجان تماماً دون أى شهادة فقر أو غيرها.. وقال المندوب لمحمد أحمد أن لا أحد قط سيعلم بهذا الأمر.. ثار عبدالناصر على العرض لحكاية أنها سرية ولن يعرفها أحد.. كان غضب عبدالناصر على هذه الأمور الخفية.. منتهى الشفافية حقيقة.

■ ■ ■

أمانة القلم وصدق الكلمات هى سمه الإعلامى أو الإعلامية.. لهذا سأضيف إلى ما سبق.. صفه «الوفاء».. ثلاثة أحداث قريبة منى جداً..

■ زغلول عبدالرحمن صاحب مؤتمر شاتورا عقب الانفصال عن سوريا الذى شتم خلاله عبدالناصر أمام صحافة العالم.. صدر الحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص خمس مرات.. مزق عبدالناصر الحكم حينما أرسلوه له لتوقيعه.. وقال زغلول عبدالرحمن الذى قتل جنديين أمام وزارة الحربية ليلة القيام بالثورة ليدخل يوسف صديق ويعتقل رئيس الأركان لا يمكن أن يكون جزاؤه الإعدام مهما فعل.

■اذار 1954 تمت مصادرة جريدة «المصرى» وكان مقرراً فى اليوم التالى محاكمة أصحاب الجريدة أمام محكمة الثورة.. فى عز الليل أرسل عبدالناصر رئيس البوليس الحربى أنور أحمد إلى منزل أحمد أبوالفتح ومعه جواز سفر دبلوماسى مدى الحياة وتذكرة سفر فى نفس الليلة إلى بيروت، ليعطى رئيس لبنان خطاباً شخصياً من عبدالناصر لكى لا يقف أحمد أبوالفتح أمام محكمة الثورة وهو الذى حدد موعد الثورة وأنقذ رقاب كل أعضاء الثورة لأنه فى اليوم التالى كان حسين سرى عامر سيصبح وزيراً للحربية!!.

■ عام 1948 قام أول وآخر إضراب للشرطة.. كان والدى عبدالرحمن فهمى هو صاحب الإضراب بصفته سكرتير عام نادى الشرطة فى حديقة الأزبكية.. أحال زكريا محيى الدين والدى إلى الاستيداع عقب مصادرة «المصرى» عام 1954 لأنه زوج نعمت أبوالفتح أحد أصحاب الجريدة.. أعاد عبدالناصر والدى إلى العمل فوراً وقال لزكريا محيى الدين إن هذا الإضراب مهد لنا القيام بالثورة.

كل من هذه القصص تحتاج لصفحة كاملة وأكثر.. تاريخ مصر الحقيقى لم يكتب بعد.. وإلى لقاء آخر بإذن الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى