بعدما اصبح العلم سلعة ..جامعات وهمية تصدر شهادات مزورة

تزايدت صناعة السلع المقلدة بنسبة 10% خلال العقدين الماضيين، ومن ضمنها شاعت ظاهرة الشهادات العلمية المزيفة التي تبلغ قيمتها التجارية ملايين الدولارات وتسبب مشاكل حقيقية لشركات وأصحاب العمل، فضلًا عن العواقب التي يتعرض لها هؤلاء المشترون من ابتزاز وعقوبات ناتجة عن اشتراكهم بهذه العملية.

وفي الوقت الذي اشتدت فيه المنافسة في سوق العمل، أصبحت الشهادة الجامعية أداة قوية لتعزيز السيرة الذاتية، وهذا ما يلجأ إليه الكثير من الناس في مختلف دول العالم، فبحسب الإحصاءات، تباع أكثر من 100 ألف شهادة مزيفة سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وثلثها شهادات دراسات عليا، أما المملكة المتحدة، فأشهر الشركات التي تعمل في هذا المجال هي “Axact” التي باعت أكثر من 3 آلاف شهادة مزورة بين عامي 2013 و2014، وفي العام الذي يليه باعت أكثر من 215 ألف شهادة باسم 350 مدرسة ثانوية وجامعة وهمية، كما أنها جنت من الأرباح ما يصل إلى 37.5 مليون جنيه إسترليني.

وبصفة عامة وجد في المملكة المتحدة، أكثر من 190 جامعة مزيفة تقدم شهادات درجة مزورة في عام 2015، وهو الأمر الذي حذرت منه جهات رسمية خاصة أن آليات التزوير تصبح أكثر تطورًا وتعقيدًا؛ ما دفع بعض الهيئات الوطنية إلى تكوين قاعدة بيانات تحتوي على معلومات وبيانات الخريجين من جميع المستويات العلمية لضمان حقهم في التوظيف وحماية حرمة التعليم من التزوير والاحتيال.

عادةً ما تنشئ هذه المنظمات موقعًا إلكترونيًا وهميًا يبدو كأنه ينتمي إلى جامعة حقيقية تتوفر فيها التخصصات الأكاديمية بمختلف أنواعها وتعطي الشهادة للمشتري على أساس تجربته في الحياة، أو تطلب منه الانضمام إلى دورة تعليمية لمدة أسبوع حتى يطلع على المعلومات والمحتويات التي تتعلق بالحقل الأكاديمي الذي سيتخرج منه “افتراضيًا”، أي أنه من خلال التسجيل في دورة لمدة أسبوع يمكنه الحصول على ماجستير، والغرض من ذلك مساعدة المشترين على إقناع أنفسهم وغيرهم بأنهم حصلوا على ما يؤهلهم للانخراط في سوق العمل وبالتالي يمكنهم تحسين فرصهم بشكل تلقائي.

تقدم هذه المنظمات درجات أكاديمية من البكالوريس إلى الدكتوراه وتختلف الأسعار بحسب الرتبة العلمية والتخصص المختار، وغالبًا لا تتعدى الكلفة سوى بضعة آلاف من الدولارات إلا أن تحقيقًا استقصائيًا قامت به الإذاعة البريطانية “بي بي سي” مع واحدة من أكبر شركات بيع الشهادات الأكاديمية في الباكستان – باعت أكثر من 200 ألف درجة علمية مزيفة – كشف عمليات ابتزاز يتعرض لها المشترون، إذ أُجبِر أحدهم على دفع أكثر من 500 ألف دولار.

في حال كشف هؤلاء البائعين والمشتريين، يتم سجنهم في بعض البلدان، خاصة أولئك الذين يمارسون الطب أو يعملون في قطاعات أكثر حساسية، وقد يتعرض البعض الآخر للطرد وسحب هذه المؤهلات من سيرته الذاتية، وتختلف ظروف العقاب في دولة الإمارات، فلقد حذر مسؤولون محليون من أن الأشخاص الذين يحملون شهادات مزورة قد يواجهون عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات و5 سنوات للمسؤولين عن تزوير هذه الوثائق الرسمية.

وبحسب دائرة القضاء في أبو ظبي، فإن تزوير الشهادات التعليمية شكل نحو 40% من جميع قضايا الاحتيال خلال النصف الأول من عام 2014، وتم إحالة 100 قضية تتعلق بتزوير الوثائق، وتمثل الدرجات والشهادات الأكاديمية نصف هذه القضايا.

بالنسبة إلى سلطنة عمان، فهذه القضية تحدث للحصول على وظيفة وإذن الإقامة، وهي حالات روتينية تُكشف من خلال إدارة معادلة المؤهلات والاعتراف التي خصصتها السلطات للتحقق من الأوراق الجامعية، فلقد كشفت وزارة التربية والتعليم العالي، بالتعاون مع وزارة الخارجية، نحو ألف و250 شهادة مزيفة، منها ألف و117 شهادة صادرة بطوابع مزيفة، و133 شهادة تحمل مؤهلات مزيفة، دون تعليق الوزارة على العواقب بالنسبة لأولئك الذين قدموا أوراق مزورة.

المثير للدهشة أن هذا العالم المزيف مليء بالشخصيات السياسية التي لجأت لهذا النوع من الاحتيال الاجتماعي لترقية نفسها مهنيًا واجتماعيًا أو للحصول على مقعد في البرلمان – تلزم بعض البلدان المرشحين بضرورة امتلاك شهادات جامعية – وهذا ما حدث فعلًا في كينيا مع جرانتون سامبوجا السياسي، وجوزيف أويوغي نائب الرئيس السابق، وميثيكا لينتوري عضو مجلس الشيوخ.

في ألمانيا، استقال وزير الدفاع وأكثر رجال السياسة شهرةً في البلاد كارل ثيودور زو غوتنبرغ، عام 2011 بعد أن عثرت جامعته بايرث جوتنبرج، على عيوب في رسالة الدكتواره واعترف بنسخ أجزاء كبيرة منها

بالجانب إلى اثنين من العاملين في الساحة السياسة في إسبانيا الذين ادعوا حصولهم على درجة الماجستير من جامعة الملك خوان كارلوس في مدريد، وهم كريستينا سيفوينتيس رئيسة الحزب الشعبي وبابلو كاسادو عضو البرلمان، وعلى الرغم من المطالبة بإقالة سيفوينتيس، فإن رئيس الوزراء ماريونا راخوي وقف ضد هذا القرار.

وآخرها في ألمانيا، حين استقال وزير الدفاع وأكثر رجال السياسة شهرةً في البلاد كارل ثيودور زو غوتنبرغ، عام 2011 بعد أن عثرت جامعته بايرث جوتنبرج، على عيوب في رسالة الدكتواره واعترف بنسخ أجزاء كبيرة منها بسبب ازدحام جدول أعماله.

التزييف الأكاديمي في روسيا

تنتشر هذه الظاهرة بشكل واسع في دول الاتحاد السوفيتي السابق، فهي أشبه بسر مكشوف يلاحق نخب البلد وبالأخص السياسيين ورجال الأعمال الذين غالبًا ما يستعينون بدبلومات مزيفة أو مدفوعة الثمن، وذلك تعزيزًا لمكانتهم الاجتماعية أو استجابةً لبعض قوانين الدول التي تطالب المرشحين السياسيين بامتلاك درجة أكاديمية ليتم قبولهم كأعضاء في البرلمان أو غيرها من المناصب السياسية.

وفي محاولة لكشف مدى تأزم هذه الظاهرة في منظومة التعليم في روسيا، ومن خلال مراجعات عشوائية لأطروحات في جامعة موسكو الحكومية قال الباحثون إن 50% على الأقل من الأطروحات مسروقة، مع نسخ 90% منها تقريبًا من مصادر مختلفة؛ ما جعل الانطباع العام يتصور مدى تعمق هذه الظاهرة في البلاد.

كما يوجد هؤلاء المشترون في قطاعات حساسة، مثل المهندس الذي تم تشغيله في مطار سيبيريا لفحص محركات الطائرات لمدة عام كامل ليكشف فيما بعد أنه حامل شهادة مزورة أو المعلمة التي تم مكافئتها بجائزة “أفضل معلم في روسيا” عام 2007، ليتم الكشف لاحقًا بأنها اشترت شهادتها.

والأكثر سوءًا مشاركة رجال الدولة فيها، فلقد طرح رئيس الوزراء بوتين ميدفيديف هذه القضية لأول مرة على مدونته ونصح الطلاب بعدم نسخ واجباتهم الدراسية من الإنترنت، ليتحداه القراء بتسمية رجال سياسيين قاموا بهذه الحيلة، وبالفعل سماهم ميدفيديف بالتسلسل الهرمي لمنصبهم في الدولة بداية من سيرجي شويغو وزير الدفاع ورمضان قاديروف زعيم الشيشان وفلاديمير مدينسكي وزير الثقافة، وانتهاءً بالرئيس بوتين.

وهذا ما اتهم به أيضًا وزير العدل الأوكراني السابق رومان زفاريش الذي زور شهادة الماجستير الخاصة به من جامعة كولومبيا، وعندما كشف أمره لم يعتذر وقال إنه حصل على عدد كافٍ من الدورات حتى استحق هذه الدرجة الأكاديمية وظل في وظيفته رغم موجات الغضب التي نادت بإسقاطه.

هذه الادعاءات لم تلق اهتمام المتهمين ولم تنجح في الحصول منهم على تعليق واحد أو لم تدفعهم إلى المحاسبة، لذلك دعا المجتمع العلمي الروسي إلى اتخاذ إجراءات صارمة بهذا الشأن، بعد إدراك السمعة السيئة التي لاحقت الجامعات الروسية بالأخص ما أدى إلى انخفاض تقييمها في التصنيف العالمي.

وقد يكون الأمر شديد السوء في أرمينيا التي يطلب المعلمون فيها رشاوى بشكل روتيني لمساعدة طالب على النجاح أو زيادة علاماته أو رفعها، والأسوأ من ذلك إنكار وزير التعليم الأرمني سبارتاك سيرانيان لهذا الوضع، عندما أعرب بشكل سطحي عن قلقه من هذه المزاعم، قائلًا: “لم يتم إثبات هذه الإشاعات بعد”، وهو ما اعتبره البعض رد فعل متوقع لأن الاعتراف بوجود الفساد في نظام التعليم يعني أنه موجود في الأنظمة المحورية والأعلى في الدولة.

علاقة النظام الاقتصادي بهذا الميول

يعتقد الخبراء أن الجامعات وأنظمتها العامة تشعر العديد من الناس بالإحباط وغالبًا ما تحول طموحهم من التعلم واكتساب الخبرات إلى التخرج والخروج من فصولها، ومن ناحية أخرى يرى البعض الآخر أن الارتباط الاقتصادي بالدرجة العلمية ساهم في انتشار هذه الظاهرة، فعدم حصولك على شهادة جامعية يعرقل عثورك على وظيفة ذات دخل مادي معقول، فكلما قل تحصيلك العلمي أصبحت عرضة للبطالة ضعف أولئك الذين يحملون شهادة بكالوريوس على الأقل.

ووجدت دراسة حديثة أجراها مركز جامعة جورجتاون للتعليم والقوى العاملة أنه بحلول عام 2020، ستتطلب 65% من جميع الوظائف الحصول على درجة البكالوريوس أو الدكتوراه أو أي تعليم آخر خارج المدرسة الثانوية، خاصة في أسرع المهن نموًا (العلوم والتكنولوجيا والهندسة)، أي أن الشخص مطالب دومًا بزيادة مستواه الأكاديمي باستمرار حتى يكون جزءًا من المنظومة الاقتصادية ومن دونها تصبح خياراته محدودة وأكثر صعوبة لأن الاستثمار في رأس المال البشري أهم من الاستثمار في رأس المال المادي مثل الآلات والمعدات بالنسبة إلى النمو الاقتصادي.

كما وجد محللون أن كل سنة إضافية من التعليم ترفع الأرباح بنسبة 8% تقريبًا لذلك ركز الاقتصاد العالمي انتباهه بشكل كبير على مساهمة الأفراد في قطاع التعليم وما يمتلكونه من معرفة ومهارات وسمات أخرى قد تفيد النشاط الاقتصادي ونتيجة لذلك افترض أن زيادة إمكانية الوصول إلى مراتب علمية عليا يمكن أن تساعد في تعزيز النمو الاقتصادي، وبذلك استخدمت تقييمات التحصيل العلمي كتعريف بديل “للمهارات” وللتمييز بين مستويات المعرفة لدى الأفراد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى