الانتخابات العامّة في زيمبابوي والتحوّل الديموقراطي في إفريقيا
بقلم : د. كاظم ناصر / كاتب فلسطيني
سيتوجّه الناخبون في زيمبابوي إلى صناديق الاقتراع في 30 يوليو /تموز المقبل لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وأعضاء الجمعيّة الوطنيّة وأعضاء المجالس البلديّة في أول انتخابات عامّة حرّة من نوعها تجرى في هذا البلد الإفريقي منذ سقوط الرئيس روبرت موجابي الذي حكمه لمدة 37 عاما كان خلالها زعيما تسلطيّا مثيرا للجدل، وأقصي عن الحكم في الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في 15 نوفمبر/تشرين ثاني 2017.
سيتنافس على الرئاسة في هذه الانتخابات عن حزب ” الجبهة الوطنية ” السياسي المخضرم والرئيس الحالي إيمرسون منانجاجوا ، 75 عاما ، الذي عيّن رئيسا للبلاد بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بموجابي، ونيلسون تشاميسا، 40 عاما، المحامي البارز الذي انتخب لقيادة حزب ” حركة التغيير الديموقراطي ” في مطلع العام الجاري بعد وفاة زعيمه مورجان تسفانجيراي الذي كان يتمتّع بشعبية واسعة، ويعتبر شوكة في جنب الزعيم المخلوع موجابي.
منانجاجوا تعهّد بإجراء عمليّة اقتراع نزيهة وشفّافة وبلا عنف وقال” إنني أودّ طمأنة المجتمع الدولي بأن الانتخابات المقرّر إجراؤها خلال شهر يوليو القادم ستكون انتخابات حرّة ونزيهة، ولذلك فإنّه ستتم دعوة مراقبين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة لمراقبتها.”
وأعلن كل من المرشحين، منانجاجوا وتشاميسا، أنه إذا فاز بمنصب الرئيس فإنه سيتخلّص من إرث موجابي، ويحارب الفساد، ويحمي الحريات والديموقراطية الناشئة، ويعزّز علاقات بلاده السياسية والاقتصادية والثقافية مع العالم الغربي، ويحاول إعادة المستثمرين الذين غادروا البلاد نتيجة لسياسات النظام السابق.
هذه الانتخابات على درجة كبيرة من الأهمية، وينظر إليها المراقبون كصراع بين الحرس القديم الذي سيطر على البلاد منذ استقلالها في السبعينيات من القرن الماضي وبين الجيل الجديد، وإن نتائجها قد تنقل ذلك البلد الإفريقي الفقير من دوله تسلّط وفساد وعنف، إلى دولة قانون ديموقراطية من الممكن أن تنجح في إحداث تغييرات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة هامّة تساهم في استقرار البلد وتطويره وانفتاحه على العالم.
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في زيمبابوي، وإرغام رئيس جمهورية جنوب إفريقيا جاكوب زوما على الاستقالة من منصبه في مطلع هذا العام واعتقال مقربين منه واتّهامهم بالفساد، وانهاء الأزمة المتعلّقة بالانتخابات الكينيّة بطرق سلميّة، واستقالة رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي مريام ديسالين من منصبه لفشله في إخماد الاضطرابات في البلاد، تشير إلى أن القارة الإفريقية التي حدث فيها 100 انقلاب عسكري ما بين عام 1966 حتى عام 1977 تبتعد عن العنف، وتمر بمرحلة من التحول الديموقراطي والتبادل السلمي للسلطة، وتتّجه إلى حلّ مشاكلها عن طريق القانون والحوار.
هذه التحولات الديموقراطية التي تحدث بطرق سلميّة في زيمبابوي والدول الأفريقية الأخرى جديرة بالاهتمام ليس فقط لما تمثّله من تحوّلات فارقة لدول القارة الإفريقية وشعوبها، ولكن لما تقدّمه من دروس مهمّة في التخلّص من الأنظمة الاستبداديّة الشموليّة والوراثيّة.