الذكرى الحادية والخمسون لنكسة حزيران الأليمة

 بقلم : عبد الهادي الراجح

واحد وخمسون عاما مرت على ذكرى نكسة حزيران الأليمة  علام 1967م ، ورغم تعاقب السنين لا زال جرح تلك النكسة نازفا، فقد كانت الأمة العربية قبل ذلك يحدوها الأمل بالوحدة العربية  رغم إخفاق  أول تجربة وحدوية في التاريخ الحديث بين مصر وسوريا ، ولكن سقوط الانفصاليين في سوريا وإعادة الأمل بإحياء المشروع الوحدوي بين شطري الوحدة مصر وسوريا يضاف إليهما العراق بعد تحرره من الملكية الرجعية  وغيرها من المحاولات  لم تتوقف إلا بتلك النكسة المؤلمة للمشروع الوحدوي .

وكان الأمل كبيرا بمصر الناصرية صاحبة المشروع الوحدوي ورائدة وقائدة حركات التحرر في العالم النامي في مقاومة الاستعمار حتى رحل ،ولكنه للأسف أوجد وكلاء من قومنا أسوأ من الاستعمار ذاته ،  فالوكيل دائما أسوأ من سيده الأصيل ، كما هو معروف .

لذلك استمر الصراع الذي صاحب الحرب الباردة بين الدول المستقلة التي انحازت بالطبيعة لمشروع دول عدم الانحياز  وكانت مصر إحدى قادته ، وبين الدول العربية الأخرى التي قبعت في الخندق الامبريالي  الذي تقوده أمريكا ، وهو من يحمي صنيعتها ما يسمى بدولة إسرائيل المزعومة ، وتعرف هذه الدول اليوم بالمعتدلة حسب المسمى الصهيو أمريكي لها  ، وكانت كل المؤشرات تشير الى أن الوحدة العربية قادمة، وأنها الممكن الوحيد لتحرير فلسطين    ، ولم  يكن ذلك مستحيلا وان كان ذلك صعبا بحكم أن العالم الشرق والغرب أجمع  رغم تناقضاته ، على الاعتراف  بشرعية ذلك الكيان اللقيط على أرض فلسطين العربية .

وفي ظل النضال والكفاح الناصري المستمر وبغفلة من الزمن جاءت نكسة  الخامس من حزيران يونيو التي كشفت الوثائق الأمريكية والصهيونية قبل غيرها عن تورط مجمع الملوك العرب بتلك النكسة، وعن وأن  تنسيق سري بين مجمع الملوك العرب والكيان الصهيوني  حيث أجمعوا على ضرورة التخلص من المد القومي الذي تقوده مصر الناصرية والقضاء عليه أو تحجيمه ،كما سبق ان حدث لمشروع محمد علي باشا في مصر قبل قرنين من الزمن ، والظروف التي فرضت عليه.

من الطبيعي ان تشكل النكسة ضربة موجعة  للمشروع القومي الناصري لكنها أبدا لم تكن نهاية التاريخ، ولكن أراد لها الوكلاء نيابة عن الاصلاء أن تصور أنها نهاية التاريخ خاصة بعد رحيل الزعيم والقائد المعلم جمال عبد الناصر وما عقب ذلك من إفراغ نصر أكتوبر الذي تحول بنهايته لهزيمة سياسية بسبب خيانة السادات  وزمرته ، لتكرس ثقافة الهزيمة تحت عنوان واحد وهو نكسة حزيران ، وكأن التاريخ العربي قبل ذلك كله انتصارات باستثناء ما  حدث صباح ذلك اليوم المشؤوم الاثنين الخامس من حزيران .

ورغم كل ما جرى بعد ذلك في نهر الحياة المتدفق بالجديد ، إلا أن هناك جيشاً من انصاف المثقفين والكثير من الأقلام المأجورة والفن الهابط المدعومين من كل شياطين الأرض ولا سيما دويلات الذهب الأسود قد بذلوا كل جهودهم لهجاء الخامس من حزيران، ولتكريس ثقافة الهزيمة، ولمهاجمة عبد الناصر والناصرية، وذلك ليتمكنوا فيما بعد من فرض الحل الذي يريدونه ، والذي عبر عنه كل قادة العدو الصهيوني من ديفيد بن غوريون إلى الكذاب بينيامين نتياهو وما بينهما، حيث يتلخص في جملة لاءات صهيونية، اولها لا لدولة فلسطينية ثم لا لعودة اللاجئين والنازحين والقدس عاصمة الكيان الصهيوني الوحدة ، وذلك بدلاً من لاءات العزة والكرامة في قمة الخرطوم عقب النكسة مباشرة (لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات).

لذلك جرى ويجري تكريس ثقافة الهزيمة والانبطاح وضرب كل قوه عربيه ممكن إن تعترض على تصفيه  قضية الأمة العربية فلسطين ، وهكذا تحت هذا العنوان دمر العراق  وليبيا، وضربت سوريا من خلال دعم الإرهاب ليفعل ما عجز عن فعله العدو وأسياده  .

اليوم لا نستذكر الخامس من حزيران يونيو  للبكاء والوقوف على الإطلال، ولكن نتذكره كدرس من دروس التاريخ القاسية جدا رغم أن العدو الصهيوني لم يحقق أي انتصار منذ ذلك العدوان الغاشم الغادر الذي ما كان له أن يتم لولا بيروقراطية الداخل بمصر وتآمر مجمع الملوك ، ولعل رسالة الملك فيصل آل سعود  لسيده الرئيس الأمريكي ليدن جونسون ان تشكل مثالا صارخا على ما نقول ، وما ذكرى النكسة إلا  تذكير لإعادة قراءة التاريخ والاستفادة من دروسه والفرز ومقاومة ثقافة الهزيمة  التي يكرسها الوكلاء قبل الاصلاء  .

وما تلك النكسة في الحقيقة إلا خسارة معركة في صراع سوف يبقى مستمرا سواء قبل البعض أو رفض ، لأن فلسطين رقم  واحد لا يقبل القسمة على اثنين  ، نحن نؤمن بهذا المبدأ والعدو يقول ذلك ، ولكن نحن أصحاب الحق وطلابه الذي لن يصبح باطلا .

وتبقى الدروس والعبر مما حدث ولا عزاء للصامتين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى