لقاء الأسد – بوتين : من الحرب إلى الدّستور  

بقلم : د . بهجت سليمان

1 – سوف يُعلن “العالم” ، قريباً ، نهاية مرحلة من مراحل الحرب على ( سورية ) ، لندخل في “فصل” جديد من “الصّراع” .

2 – لطالما كانت “عولمة” العالم ما بعد الحداثيّة تتطلّب ، لإنجازها ، “مناطق” في العالم “كثيفة” التّركيب ، و هي المناطق الأقوى المصدّرة للنّزاعات و الحروب و الصّراعات العالميّة ؛ و “مناطق” عالميّة أقلّ كثافة و قائمة على “خلخلة” رسوبيّة تاريخيّة مزمنة ، تسمح فيها بنفاذ قوّة التّفاوت التّاريخيّ و السّياسيّ ، أو بنفاذ عنف العالم الّلامتكافئ ، و هي المناطق الأضعف و الأسهل التي تسمح بانفجارات دائمة و تداعيات ملازمة و استقطابات لمفاعيل “القوّة” المصنوعة في العالم ، بترتيبٍ “هادئ” و “فوضى” صريحة ، تهدف إلى إعادة التّنظيم الدّوليّ الذي يسمح للأفكار “المتقدّمة” ، أن تصنع من أحلام “القوّة” عنفاً على الأرض و مصالح في “الظّاهراتيّة” غير المُعَنْوَنَة ، التي تخوّل العقل السّياسيّ بتحوّله إلى “ثقافات” غرضيّة مباحة للجميع .

3 – تأتي جميعُ ” الأحداث ” الأخيرة في سياق “السّياسة” المعجّلة بالتّحوّلات الواقعيّة و العمليّة ، و لو أنّ “الكثيرين” قد قرأوها من منظور التّصعيد العسكريّ في “المنطقة” ، و هي بعيدة عن هذا ، بُعْداً يكفي العقل “الاستراتيجيّ” مغبّة انخراطه في “إعلام” الهواة .

4 – • ” العدوان الثّلاثيّ” على ( سورية) ؛ و التّحرّش أو الضّغط “الإسرائيليّ” السّياسيّ المنفّذ بالسّلاح الصّاروخيّ و قوى و وسائط الهجوم الجويّ على مناطق و أراضي سوريّة متفرّقة ، تزامناً مع انسحاب إدارة ( ترامب ) الأميركيّة من “الاتّفاق النّوويّ” مع ( إيران ) ؛

  • و إشراك ( إيران ) بالهجوم “العقائديّ” .. “الإسرائيليّ” عليها في الحملة الإعلاميّة المتكرّرة بين صفحة و أخرى من يوميّات هذه الحرب ؛

مع انهيارات شاسعة في قوى الإرهاب عسكريّاً و سياسيّاً على الأرض السّوريّة ؛

  • مع تأكيد “العمليّة الأمميّة” وحدةَ الأراضي السّوريّة على لسان السّويديّ – الإيطاليّ و “الموظّف الأميركيّ” في “الأمم المتّحدة” ، (دي ميستورا) ؛
  • مع تخلّي أطراف عربيّة و دوليّة متوالية عن النّفخ في رئات المعارضات السّوريّة العميلة و المأجورة و المزيّفة ؛
  • و في إطار إدراك ( أردوغان ) محدوديّة دوره الإقليميّ ؛
  • و زوال “الوهم الكرديّ” في إحياء “العِظام السّياسيّة” ؛
  • و معرفة “الإدارة الأميركيّة” ، اليقينيّة ، بمأقوتيّة “مهمّة” و “وظيفة” تواجد قوّاتها العسكريّة في “شرق الفرات” السّوريّ ؛
  • و أخيراً في زيارة الرّئيس الأسد ، أسد بلاد الشّام ، إلى (روسيا) و لقائه الرّئيس (بوتين) في (سوتشي) ، بعد انتهاء أعمال مؤتمر (أستانة) الأخير ، و التّوافق بين نتائج هذا المؤتمر مع نتائج قمّة (سوتشي) بين (الأسد) و (بوتين) ؛
  • و أخيراً أخيراً ، ما تقرّر في “القمّة” من التّحضير لأعمال الّلجنة الدّستوريّة الأمميّة ، و عزم (سورية) على تسمية أعضائها الخاصّين للمشاركة في أعمال تلك “الّلجنة” في مناقشة “مضمون الدّستور” السّوريّ الجديد .. ؛
  • ذلك كلّه مشهدٌ للكادر الخلفيّ المشوّش و المتداخل لوضع الّلمسات الأولى السّوريّة – الرّوسيّة للعمليّة السّياسيّة السّوريّة – السّوريّة ، و البدء بتفكيك بقايا آلة الصّراع المسلّح الذي يدور في (سورية) منذ ثماني سنوات ، انطلاقاً من “القانون الأسمى” في “الدّولة” (“الدّستور”) و التّواضع الوطنيّ عليه في إطار الأضواء الإقليميّة و العربيّة و الدّوليّة المسلّطة بشدّة في وجه السّوريين .

5 – و في ضوء هذا “الواقع” فإنّه من الضّروريّ أن نرسمَ حالة سياسيّة للمحيط الإقليميّ بخاصّة ، سعياً وراء النّقد الضّروريّ للرّحلة الدّستوريّة السّوريّة الجديدة و التي سوف تستغرق زمناً طويلاً قياساً بالنّسبة إلى الكثيرين من السّياسيين المتسرّعين ..

6 – ما من طرف من أطراف الصّراع السّياسيّ و الحضاريّ التّاريخيّ في المنطقة و الإقليم ، يريد إشعال بركان الصّراع المسلّح الدّوليّ و الشّامل في “المحيط” المجاور أو القريب ؛

ذلك لأنّ الجميع يُدرك خطورة الاحتمالات العسكريّة الشّاردة و التي قد تخرج من الأذهان المرشّحة للاشتعال ، لتأخذ بالعالم إلى مواجهات حدّيّة مكلفة للحضارة برمّتها في كلّ مكان من هذا العالم .

بلى ، هنالك في هذه المنطقة من العالم تناقضات و تناحرات صميميّة في الأفكار و الأيديولوجيّات و المصالح و الحقائق و الأوهام ..غير أنّ طرفاً واحداً في المنطقة و في العالم ، لا ينظر إلى ديمومته و انتصاراته و تحقيق مصالحه في “الانتحار” .

7 – من “الحكمة” أن ننظر إلى تاريخ “العالم” ، طُرّاً ، على أنّه إنجاز من إنجازات الصّراع الدّمويّ بين البشر ، مع اختلاف الأدوات و الأسلحة و الوسائل ، وفقاً للمكان و الزّمان و حِدَّةِ الوعي الإنسانيّ و مسؤوليّته ، في إضافاته إلى هذه الإنجازات الموضوعيّة ، التي تتقرّر تبعاً إلى حالة الضّرورة الوجوديّة ببعديها “الواقعيّ” و “الأونطولوجيّ” ؛

و هذا الأمر لا يُنْظَر إليه بالرّغبة الإنسانيّة ، و حسب ، بقدر ما تشترطه عواملُ مشارِكةٌ أخرى أقلّها هو جهلنا ، الجهل الإنسانيّ ، بأبعاد “القيمة” التي تنتج ، في تحقّقاتها ، غايات الإنسان في الوجود ، هذه الغايات التي لا يؤلّفها الإنسان تأليفاً خالصاً ، بقدر ما هو يُدفع إليها دفعاً بين استيقاظة و نوم ، و بين حين و حين .

8 – نادرة هي “العقول” التي توقّعت نهايات ، أو بالأحرى بدايات لنهايات ، للحرب السّوريّة على ما هي تنتهي إليه . .

إنّ ” أدمغة” معتبرة في “السّوق” الثّقافيّة و الفكريّة الوطنيّة السّوريّة ، ترجع لمفكّرين و “فلاسفة”(!) “حسَمت” عجزها منذ أوّل بدايات هذه “الحرب” ، لتعلن ، و بخطاب “مُعَمَّقٍ” و رسميّ ، و بصريح العبارة ، عجزها عن تكهّن مقاربات لنهايات للصّراع ؛

هذا في الوقت الذي لم يعدم فيه “الواقع” ، و هو ليس له أن يعدمَ ، تصوّراتٍ دقيقةً و شبيهةً أو مقارِبةً للواقع الذي تنتهي إليه هذه الحرب ؛

و لهذا ، نحن ، غالباً ما نُكرّر أنّ ثمّة من الأفكار ما يُشارك في خلق العالم ، فيما تعجز عن ذلك أشياء أخرى شبيهة بالأفكار !

9 – كنّا ، في ما سبق ، و على مدار أوقات متعدّدة و مناسبات أو بدون مناسبات مباشرة ، قد توجّهنا ، هنا ، بخطاب فكريّ – سياسيّ مؤطّرٍ في “الدّستور” و في “العمليّة الدّستوريّة” ، حتّى أنّنا ذهبنا إلى أبعد من ذلك في تفاصيل الإدارة و التّنظيم الدّستوريين ، و في عمليّة الانتخاب ، و في قانون الانتخاب ، و في فلسفة “المادّة الدّستوريّة” الوضعيّة ، و ضرورات “النّظام” الدّستوريّ “الرّئاسيّ” و بدائله الشّرطيّة و المشروطة بإكمالات اجتماعيّة و سياسيّة (قانون انتخاب خاصّ وجديد) ، و ما إلى ذلك من تفاصيل ؛

و كنّا قد انتهينا إلى أنّ الكثير من التّصوّرات الدّستوريّة ، و ذلك مهما كانت مقاربتها إلى الحقائق أكثرَ واقعيّة ، لا يمكن لها أن ترى النّور بمعزل عن الاستفتاء الجماهيريّ ، هذا المبدأ العمليّ في القرار السّياسيّ السّياديّ الذي ، وحده ، فقط ، يشرح مضمون أنّ “نظام الحكم” في “الجمهوريّة العربيّة السّوريّة” ، هو ، في إحدى صفاته ، “نظام جمهوريّ” .

و حيث سنعيد نشر بعض تلك “الدّراسات الدّستوريّة” التي قمنا بها ، سابقاً ، حيث تكبر مناسبتها اليوم ، فإنّنا لن نكرّر ما قد استقرّت عليه “المصلحة العامّة” ، في نظرنا ، من قواعد وطنيّة في تلك “الدّراسات” ؛

إذ ثمّة ما نضيفه اليوم ، أيضاً ، تأسيسيّاً ، ممّا يُمكن أن يشكّل مادّة “إعلاميّة” منتجة لعمليّة الحوار و التي لن تكون ، في كلّ حال ، قابعة في كواليس السّياسة و الإعلام .

10 – تبدو لنا هذه المرحلة من مراحل الحلول السّياسيّة المقبلة أدقّ و أصعب المراحل جميعها من تلك التي ستعلن بداية سياسيّة وطنيّة “جديدة” تحمل في ثناياها طابع الحداثة و الاختلاف .

و من أجل ذلك ، بالضّبط ، سنؤكّد بعض الأفكار التي ينبغي على “الحوار” ألّا يتجاهلها تحت أيّة ذريعة من الذّرائع ، اجتماعيّة أو سياسيّة ، أو حُجّة من الحُجج .

  • أوّلاً – قدسيّة التّربية :
  • من أهمّ ما يجب أن يكون ثابتاً في الموادّ الصّلبة للدّستور ، هو العناية بالمستقبل الإنسانيّ و الاجتماعيّ ، عن طريق التّعبئة الوطنيّة المنظَّمة ، التي على “الدّولة الوطنيّة” أن توليها اهتماماً حاسماً و جذريّاً ، بواسطة تثبيت القيم الوطنيّة و النّضاليّة الإنسانيّة في وجه أعداء المجتمع و الوطن و الإنسان ، من بقايا فلول الإرهاب أو من صنائعه الجديدة التي ستظهر لنا ، بالتّأكيد ، حتّى في محاولات بعض “المؤسّسات” النّظاميّة في قلب “الدّولة” نفسها ، حيث لا يُعتبر ، و لا يمكن أن يكون ، القرار السّياسيّ مانعاً من مركّبات الواقع و غنى الحياة الاجتماعيّة ، غير القابلة للتّأطير الكامل المسبق و التّعقيم الوطنيّ تحت عنوان الضّرورات و الموانع و المباحات .
  • و من الطّبيعيّ أن تشمل هذه “التّعبئة” طيفاً واسعاً و مختلفاً من القواعد و القوانين و المبادئ يبدأ بالتّلقين التّربويّ المباشر و لا ينتهي بممارسات الطّقوس الرّمزيّة الإعداديّة و التّكوينيّة المعبّرة التي تجد مجالها في مبدئيّات سلوكيّة تأتي خارج “الدّستور” ، على أن يكون التّمهيد قد جرى لها في أعمق أساسيّات و “أسرار” الدّستور الكامنة في الصّياغة الحرفانيّة الدّقيقة و المرسلة في “الخطاب” الفقهيّ الفاشي ( المنتشر انتشاراً غير عكوس ) في آفاق قواعد و مجازات (جسور) بناء “الدّستور” .
  • يحتّم هذا الأمر عدم الاكتفاء بما يُسمَّون “خبراء القانون الدّستوريّ” بفعل شهادات ” أكاديميّة ” ، في عضويّة “لجنة نقاش ( أو دراسة أو حوار ) الدّستور” ؛

بل التّوسّع في “عضويّة” هذه “الّلجنة” ، بحيث تشمل مفكّرين و فلاسفة سياسيين و فيلّلولوجيين دلائليّين مشهودٍ لهم بالوطنيّة السّياسيّة في المحافل المختلفة في الحرب و السّلام ؛

أو من الممكن أن يحصل ما هو مختلف عن ذلك ، بإخضاع نتائج “الدّراسة” الدّستوريّة الأمميّة إلى التّحكيم العميق من قبل أشخاص هم أوسع من مجرّد متخصّصين في كتابة “الدّستور” .

ثانياً- الدّفاع عن المجتمع :

11 – يحقّ للسّوريين ، بوصفهم شعباً عريقاً ، أن يضمّهم مجتمع آمِنٌ من التقلّبات و المزاجات السّياسيّة و الإداريّة و التّنظيميّة ، و عسف البنى القبَليّة المتأصّلة في “أرواح” بعض السّاسة و السّياسيين و أصحاب النّفوذ الاجتماعيّ و السّياسيّ و الاقتصاديّ ، بحيث يشمل أمنُ المجتمع جميعَ عناصر الأمن الإنسانيّ ، الوجوديّ ( بما في ذلك جميع مظاهر الإرهاب المسلّح و الإرهاب المقنّع بالنّوايا و الممارسات الإقصائيّة و التّهميشيّة ) و الغذائيّ و السّكنيّ و الوظيفيّ و الثّقافيّ و الإعلاميّ ( التّحريضيّ و التّجييشيّ ) .. ، إلخ ؛

  • بحيث لا يمكن أن تقوم “دولة وطنيّة” إلّا على أساس أهمّ عناصرها و مقوّماتها ، و هو واقع “المجتمع” المحصّن من أهواء “الأفراد” و “الجماعات” و “القوى” و “الاستراتيجيّات” التّاريخيّة التي تعمل بعكس رياح “استراتيجيّات” الدّولة الوطنيّة المعاصرة ، التي لم تعرفها (سورية) في “النّظام الاجتماعيّ” و “النّظام السّياسيّ” ، حتّى اليوم .
  • و عندما يكون من واجب “الدّستور” أن يضمن ذلك “المجتمع” ليحميه من أعدائه الحالّين و المحتملين ..

فإنّ “المهمّة” تتعدّى في القرار ، السّطحَ الأكاديميّ “الحرفيّ” في تقرير موادّ “الدّستور” ، إلى “حرفانيّة” فكريّة سياسيّة و وطنيّة تتوسّل المستقبل في بناء الحاضر و لا تكتفي بأمنيّات البناء المستقبليّ في فراغ ..

ثالثاً- المحرّمات و “التّابوات” :

12 – يختلف ” المحرّم ” ( illegal ) عن ” التّابو”( Tabu ) أو ( Taboo ) في شمول الأوّل ما حرمّه “الشّرع” و “الدّيانة” ، و عدم مساس الثّاني لذلك و اقتصاره على ما هو كذلك بنظر “المجتمع” و بنظر الأعراف و التّقاليد ، و هذا على الرّغم من أنّ المشتغلين بالأنثروبولوجيا الوضعيّة يضمّون “التّحريم الدّينيّ” ، خطأً و توسّعاً .. ، إلى إطار “التّابو” !

و من خطورة “الّلغة” أنّها لا تقف عند حدودها الّلفظيّة أو الكتابيّة لتمتدّ ، بالاسترسال ، إلى ما هو أبعد من ذلك من حدود غير ظرفيّة لها ؛

بحيث تنتهي دلالتها ، في ظروف محدّدة ، عند حدود و مواضع ، بالقصد و الشّمول ، ممّا لا تتعدّاه إلى ما بعد هذه الحدود و المواضع ؛

فيما تتجاوز الّلفظ أو الكتابة ، في ظروف أخرى ، في حدودها الوضعيّة ، بامتدادها و شمولها ، إلى ما لم تكن قد وصلته في ظروف مختلفة أو مغايرة ، سواءٌ بالاستدلال المباشر أو بالاستنتاج و التّأويل .

13 – فالجريمة الجنائيّة هي فعل محرّم في حدود ما نصّ عليه “القانون الوضعيّ” ، فحسب ؛ على خلاف الجريمة الأخلاقيّة ، مثلاً ، و التي يمتدّ تحريمها ( أو هكذا من المفترض ) إلى ما يتجاوز لفظها أو كتابتها أو النّصّ عليها في “القانون” .

و في ظروف معيّنة يمتدّ أثر الفعل المحرّم إلى ما يتعدّاه ، بشرط أن يكون من طبيعته و جنسه ، بفعل الصّمت عنه لموانع تصريحيّة أدبيّة أو سياسيّة أو أخلاقيّة ؛

فيما لا يصل الأمر في ظروف مغايرة إلى هذا الاشتمال بفعل الصمت عن الفعل بعينه ، كما هو الأمر في الجريمة الجنائيّة الواقعة على أمن المجتمع و الأفراد .

في الحالة الأخيرة نكون أمام “المحرّم” بالتّحديد ( بالنّصّ ) ، فيما نكون في الحالة ما قبل الأخيرة أمام ما يُسمّى “التّابو” على الحصر .

14 – و من الواضح ، و على عكس ما هو شائع أو ما هو معمول به فقهيّاً ( في الفقه السّياسيّ ) ، أنّ شموليّة “التّابو” في “التّحريم” هي أبعد مدى و أوسع طيفاً من دائرة شموليّة الفعل “المحرّم” بالتّخصيص ، و هذا على رغم أنّ ما يتناوله “المحرّم” بالنّصّ هو أشمل و أوسع ممّا يتناوله “التّابو” بالإثبات .

من هنا تبدو حساسيّة الوضعيّة الدّستوريّة و أهمّيّة الدّقّة غير المنتهية في اختيار ألفاظ القواعد العامّة التي يهدف “الدّستور” إلى تقعيدها بالنّصّ الصّريح فيه مباشرة أو بما يُحيل إليه من القوانين الوضعيّة ذات الاختصاص ؛ و هذا من جهة ؛

15 – و أمّا من جهة أخرى ، فهو ما يختار “الدّستور” الصّمت عنه ، لعلّة اشتماله في القاعدة الصّريحة و الذي يدخل في عداد “التّابو” ؛ في الوقت الذي الذي يُفضّل فيه ، أو يرى ضرورته ، ما يُتيحه التّقنين الّلفظيّ – الكتابيّ الوضعيّ ، و قدرة المشتغل في عينيّة هذا الأمر على التّفريق بين نمط “المحرّم” و نمط “التّابو” ، و المغامرة المحفوفة بمخاطر “الإباحة” غير المسوّغة مع التّحديد الوضعيّ للمحرّم ، أو بمخاطر “الكفّ” و “التّقييد” و “المنع” مع احتمالات شمول “التّابو” لما لا يدخل في إطار “الكبت” التّاريخيّ ، أو لما يمكن أن يدخل في هذا الإطار في إطار احتماليّات عدم القدرة على تجريمه في الوقت المناسب ..

16 – و من الواضح أنّ للدّساتير العالميّة الصّلبة أو “الجامدة” معاييرَ من “التّعقيد” في “التّقعيد” هي أكثرممّا قد يخطر في بال الموظّفين الأكاديميين ذوي المهنة في التّخصّص في “القانون الدّستوريّ” في دراسة “القانون” ؛

إذ من البَدَهيّ أن نفهم و ندرك أنّ وضع “الدّستور” ليس ، بالأساس – كما يُظَنّ – من اختصاص “القانونيين الدّستوريين” الذين بالكاد يمكن أن يُناط بهم مهمّات تطبيق و ممارسة و رقابة الدّستور ..

و إنّما هو من اختصاص علماء الفكر القانونيّ السّياسيّ بما يشتمل على أسس فقهيّة و فلسفيّة و خبرة ممارسات في إدارة المؤسّسات و التّنظير السّياسيّ السّياديّ ؛

17 – و واضح ، جرّاء ذلك ، أنّ مهمّة المسؤوليّة التي تنتظر مستقبل السّياسة في ( سورية ) ، هي ليست مسؤوليّة من مسؤوليّات الرّاغبين أو المتأمّلين .. بقدر ما هي مهمّة عليا تقترن مباشرة بإدارة الدّولة و الشّأن العام في أوسع معاني هذه الكلمات .

إنّ ما ينطبق على ما تقدّم جميعاً من دقّة و مسؤوليّة و أناة في التّفكير و القرار ، هو ، بالأَولى ، ما يُعوِزُ مسيرةَ البحث في “دستور” البلاد من ضرورة في التّعمّق و الأناة في التّقرير ، بحيث أنّ “الاستفتاء” الجماهيريّ على مشاريع تاريخيّة من مثل مشروع وثيقة “الدّستور” ، قد لا يُغني عن جميع ما تقدّمنا به منذ مقدّمة هذا الحديث إلى نهايته .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى