الثقة بالنفس صفة حميدة ولكن اذا زادت عن حدها انقلبت الى ضدها

أن يكون الإنسان واثقًا في نفسه وقدراته، هذه سمة شخصيّة إيجابية، ولكن الثقة الزائدة والمفرطة في النفس، صفة سلبية يجب أن نتنبه إليها جيدًا؛ لما تسبّبه من آثار سلبية في الأفكار والسلوكيات وحتى في حياتنا العملية.

1- لا إشارات تحذيرية

تتمثل إحدى أبرز المشاكل الناتجة عن الثقة الزائدة في النفس، في الوصول لدرجة من الثقة في قراراتك وتفكيرك، تُنزّهها بشكل كبير عن إمكانية الوقوع في خطأ، وهي بداية ما يمكن وصفه بـ«الغفلة» التي قد يقع فيها الذين يبالغون بالثقة في أنفسهم.

فإن الثقة الزائدة ينتج عنها إهمال للإشارات التحذيرية التي يمكنها إخبارك مبكرًا أنّك على خطأ، فأنت لا تُبالي بتلك الإشارات لدرجة تصل بك إلى الاعتقاد بأنها غير موجودة بالنسبة لك، برفضك وضع احتمالية أنّك على خطأ، وهذه درجة من الثقة الزائدة في النفس يجب تجنّبها.

2- «التغوّل» على مجالات أخرى

تُنتج الثقة الزائدة في النّفس سمة سلبيّة أخرى، تتمثل في خروج الشخص المُبالغ في الثقة بنفسه، من مجال تخصّصه، والذهاب بآرائه إلى مجالات جديدة مختلفة عن تخصّصه، وقد يُساعده على ذلك اعتقاد بعض الناس أنّ الخبير في مجال معيّن هو بالضرورة مميّز وخبير في مجالات أخرى متقاربة أو حتى مختلفة.

فقد تجد أستاذًا جامعيًّا مميزًا يظن نفسه أنه أفضل في إدارة الجامعة من الإداريين الحاليين، وقد يظن مدير تنفيذي أنه خبير في التكنولوجيا، وقد يستخدم لاعب رياضي مميز نفوذه ليجبر المسئولين على ضمّ لاعبين جدد للفريق يراهم هم الأفضل من وجهة نظره.

وعلى العكس، هذه المتلازمة ليست بالضرورة صحيحة، فقد تجد لاعبي كرة قدم مميّزين جدًا في مشوارهم الرياضي، ولكنهم فشلوا فشلًا ذريعًا عندما عملوا مديرين فنيين في أندية رياضية، بعدما اعتزلوا كرة القدم. لذلك فاحترام أهل التخصص ضرورة، والتحليق بعيدًا بآراء مختلفة عن تخصصك، والظن بأنها صائبة 100%، هي إحدى النتائج السلبية للثقة الزائدة بالنفس.

3- بذل الحد الأدنى من الجهد

تؤدّي الثقة الزائدة في النفس، إلى بذل الحد الأدنى من المجهود لإنهاء مهمّة معينة؛ لاعتقاد راسخ في الذهن بأن المهمة سهلة ولا تحتاج الكثير من الوقت ويمكن إنهاؤها بسرعة، ومن الأمثلة الشائعة في هذا الجانب، هو: تأخّرك عن موعد مُعيّن لتقليص تقديرك لوقت السفر بشكل مناسب، أو لثقتك المفرطة في قدراتك على قيادة السيّارة.

كذلك ثقتك المفرطة في إنهاء مشروع بشكل سريع، وتأخّرك في البدء فيه، قبل أن تتفاجأ بأن الوقت قد قارب على الانتهاء، وأصبح لا يكفي لإنهاء المشروع الذي بدأت فيه متأخرًا، وهذه الممارسات قد يكون لها عواقب عكسية وخيمة؛ قد تؤثر سلبًا على سمُعتك في مجال الدراسة أو العمل، وقد تصل لانهيار للثقة في النفس!

4- تعزيز النرجسية

واحدة من أسوأ المخاطر السلبية للثقة المفرطة، هي تعزيز الشخصية النرجسية لديك، التي تؤدي إلى أنانية مُفرطة، تُضخّم نظرة الشخص لمواهبه وقدراته، والشغف بإظهار الغير إعجابهم بك، وتشجّع النرجسيّة الحسد، والتناحرات العدائية، وتؤدّي إلى زيادة الشعور بالهيمنة والغطرسة، بأن تستغلّ مجهودات الآخرين لتقف فوقهم، وتنسب الفضل لنفسك.

وهذا بالطبع يؤدّي إلى نتائج اجتماعية سلبية، تعزّز كراهية الآخرين، والتربص لأخطائك، أو زيادة التوقعات بشأن أدائك، والخذلان الناتج عن عدم تلبية تلك التوقعات، وهو يزيد في النهاية الضغوط والأعباء النفسية الواقعة عليك.

5- «أنا على الصواب دائمًا»

يوجد نوع من الثقة الزائدة يتمثل في الثقة المفرطة في الآراء والتحيز الشديد لها، وهي ظاهرة يقول عنها علماء نفس أنّها تحدث «عندما يولّد الشخص الأدلّة ويقيّمها، ويختبر الافتراضات، بطريقة متحيّزة لآرائهم، ومواقفهم المسبقة» بحسب ما أفادت دراسة نفسية تحمل اسم «التحيّز الشخصي، والتفكير العقلاني والذكاء» وتعود لعام 2013.

ويؤدي ذلك التحيز الشخصي، إلى اعتقاد الشخص بأنّ طريقه هو الأفضل والأنسب والأصح؛ مما يؤدّي إلى فقدان القدرة على رؤية العوائق المحتملة لآرائه ومعتقداته الشخصية؛ ويولّد قرارات ضعيفة؛ لأننا نبحث فقط عن الأدلة التي تؤكد معتقداتنا المسبقة؛ ونبتعد عن الأدلة الأخرى المخالفة لتلك المعتقدات؛ مما يعيق مهاراتنا التحليلية وقدرتنا على حل المشكلات بطريقة صحيحة.

وقد يفسّر التحيّز الشديد لآرائنا أكثر، نظريّة نفسية معرفيّة تحمل اسم «التنافر المعرفي» وهي تلك الحالة من القلق والتوتر والشعور بعدم الراحة التي تنشأ لدى الإنسان عندما يتعرّض لأفكار متنافرة ومختلفة مع معتقداته المسبقة، ويؤكد ليون فيستنجر مؤسس النظرية، أنه دائمًا ما يدفع ذلك التوتر الإنسان لإحداث تغيير ما في المعتقد أو السلوك للحد من هذا التنافر، ويمكن تلخيص ذلك التعريف على أنه هو الموقف الذي يحدث فيه تصارع واختلاف في الأفكار أو الاتجاهات أو السلوكيات، يدفع الإنسان للحد منه.

وتتوقف درجة التنافر المعرفي على عدة عوامل منها: مدى ارتفاع قيمة الاعتقاد الذي نؤمن به، فكلّما زادت قيمة ذلك الاعتقاد، زادت نسبة التوتر الدافعة للتخلص من التنافر الناتج عن تعرضنا لأفكار مخالفة له، وهذا ما قد يُفسر أيضًا سعي البعض لتأكيد أفكاره المسبقة؛ وتجاهل الأدلة التي المخالفة لتلك الآراء، والتمسّك الشديد بالآراء الشخصية والتعامل معها دائمًأ على أنها تمثل الحقيقة والصواب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى