خيبة امل اسرائيلية من الضربة الثلاثية الفاشلة لسورية

كتب رون بن يشاي/ المحلل العسكري لصحيفة يديعوت احرنوت

بإمكان الرئيس السوري بشار الأسد تنفس الصعداء هذا الصباح، كما شركاؤه الروس والإيرانيين. فالضربة التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الليلة، لمنشآت السلاح الكيميائي في سوريا، كانت محدودة بأهدافها، بغية إلحاق ضرر ملموس بالنظام، وبالتأكيد لم يدفع الطاغية ثمنا، يجعله يفكر ثلاث مرات قبل أن يقرر مرة أخرى، استخدام الأسلحة الكيميائية.

اعتزم الحلفاء الغربيون ردع الأسد. وللتوضيح له أن استخدام الأسلحة الكيميائية، يكلّفه ثمنا باهظا، وأن المجتمع الدولي سيرد بقوة على مزيد من الانتهاكات، للاتفاقية التي تحظر إنتاج الأسلحة الكيميائية واستخدامها.

ولكن يمكن التأكد من الآن، أن ما نُفذ عمليا، لن يحقق هذا الهدف. من الممكن الآن التقدير، حتى قبل معرفة النتائج الكاملة للهجوم، أنه طالما أن الأسد يتمتع بالرعاية الروسية، فإنه لن يُردع عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد مواطنيه، وربما في المدى البعيد ضد إسرائيل.

كان مقصد ترامب وماي وماكرون رفع البطاقة الحمراء للأسد وبوتين، إلا أنهم بالكاد رفعوا لهم البطاقة الصفراء الباهتة.

في الواقع ، ليس هناك شك في أن كبار مسؤولي النظام، وعلى رأسهم الأسد، يدركون الآن، أن الدول الغربية، لن تتسامح مع هجوم كيماوي آخر على السوريين، حتى لو تم ذلك فقط بواسطة غاز الكلور، الذي يفترض أنه غير مميت. (الهجوم في دوما الأسبوع الماضي كان مميتا على ما يبدو، لأنه استخدم فيه جرعة زائدة من الكلور، ضد أشخاص كانوا في الملاجئ المغلقة تحت الأرض). لكن الثمن البخس الذي دفعه النظام السوري القاتل جراء الضربة، أكد أنه طالما أن الأسد يتمتع برعاية روسية، فإنه يمكن أن يستمر في استخدام الكيماوي.

إذا كان الحلفاء الغربيون، ينوون إرسال رسالة ردع إلى الأسد، من خلال عمل عسكري محدود، فيجب أن نتذكر أن ترامب قد فعل ذلك قبل عام، مع 55 صاروخ “توماهوك” صوب مطار. تجاهل الأسد ذلك. كمية مضاعفة من الصواريخ على منشآت الأسلحة الكيميائية، لن تغير موقفه. ستبقى الرسالة تصل إلى آذان صماء، طالما أن الروس يقفون خلفها.

“بطاقة صفراء باهتة”

الأسد لا يفهم إلا بلغة القوة، وكبار المسؤولين في نظامه يخشون من شيء واحد فقط، فقدان السلطة والسيطرة على سوريا. كل شيء لا يهدد بقاء النظام، لا يعتبر تعديدا بنظرهم. هؤلاء المسؤولين كانوا يستعدون لتلقي ضربة قوية لرموز الحكم، كاستهداف قصر الأسد، وتدمير المدرجات في المطارات الرئيسية، أو تدمير منظومة الدفاع الجوي، لكن لم يحدث أي من ذلك.

“الضربة للمرة الواحدة”، التي أعلنها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أضرّت فقط بمنظومة الأسلحة الكيميائية. وهذا أقل بكثير مما كان يمكن فعله، وما كان ينبغي القيام به. وبالتأكيد، لم تكن الأهداف المتضررة، كافية لتهديد بقاء النظام، وقدرته على مواصلة حملته الانتصارية ضد المتمردين.

من رُدع هم الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون، الذين بالغوا في حذرهم في اختيار أهداف الهجوم، خوفا من إثارة غضب بوتين. وزير الدفاع ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة دانفورد، قالوا إنهم حددوا أهداف الهجوم، خوفا من أن يلحقوا الضرر بالمدنيين، ويسببوا أضرارا عارضة، ولكن في الحقيقة، كان ذلك خشية من إيقاظ الدب الروسي من مربضه، هذا هو الاعتبار الرئيسي في اختيار الأهداف، وأساليب الهجوم.

الصواريخ التي استهدفت ريف دمشق وحمص كانت بالفعل “جميلة، جديدة ومتطورة” كما غرّد ترامب قبل أيام، ولكن تأثيرها الرادع لم يساوي شيئا.

“المراكز كانت خالية”

من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الانسان أن مراكز الأبحاث والمقرات العسكرية التي طالتها الضربات الغربية فجر السبت كانت خالية تماماً إلا من بضع عناصر حراسة، جراء تدابير احترازية اتخذها الجيش السوري مسبقاً.

وقال المرصد إن “كافة المراكز التي استهدفت بالقصف فجر السبت كانت فارغة تماماً بعدما تم سحب العناصر التي كانت موجودة فيها قبل أكثر من ثلاثة أيام”.

وكان المرصد أفاد يوم الأربعاء الماضي أن الجيش السوري أخلى مطارات وقواعد عسكرية عدة بينها قيادة الأركان ومبنى وزارة الدفاع في دمشق على خلفية تهديدات واشنطن بشن ضربة في البلاد.

وأعلنت قيادة الجيش السوري، اليوم السبت، أنه تم “إطلاق حوالي مئة وعشرة صواريخ باتجاه أهداف سورية في دمشق وخارجها” تصدت لها الدفاعات الجوية “وأسقطت معظمها”.

واستهدفت الضربات، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، مركز البحوث العلمية في حي برزة الدمشقي، ما أدى إلى تدمير مبنى يحتوي على مركز تعليم ومختبرات علمية، مشيرة إلى أن الأضرار اقتصرت على الماديات. في وسط البلاد، استهدفت صواريخ مستودعات للجيش غرب مدينة حمص. وأوردت سانا أنه “تم التصدي لها وحرفها عن مسارها ما تسبب بجرح ثلاثة مدنيين”.

وبعد..

هجوم الليلة كان ثقيلا من حيث كمية الصواريخ المتطورة، التي أرسلتها الولايات المتحدة وحلفائها إلى سوريا. كمية ووزن المتفجرات التي كانت في الصواريخ والقذائف، التي انفجرت في 4 منشآت بحث علمي، ومنشآت الإنتاج والتخزين، والسيطرة على السلاح الكيميائي في منطقة دمشق ومنطقة مدينة حمص، كانت مضاعفة من تلك التي أرسلتها الولايات المتحدة قبل عام. (في نيسان العام الماضي، نفذ الأسد هجوما كيميائيا في خان شيخون شمال سوريا، ورد ترامب بإطلاق 55 صاروخ بحري من طراز توماهوك على المطار السوري الذي خرجت منه الطائرات).

هذه أخبار غير سارة ليس فقط لمواطني سوريا، بل أيضا لإسرائيل. من يستخدم سلاحا كيمائيا لقتل مواطنيه، لن يتردد باستخدامه ضد إسرائيل، إذا خشي على بقاء نظامه. وعليه فإن الرد الغربي الذي تراخى عن أكثر من 50 مرة، استخدم فيها الأسد سلاحا كيميائيا ضد مواطنيه، بعيدة من الخطوة الرادعة، التي توقعتها تل أبيب وعواصم شرق أوسطية أخرى. لم يتبق لإسرائيل إلا الاعتماد على نفسها، وتحضير الوسائل الهجومية والدفاعية، للتأكد من أن سوريا لن تتخطى الخط الأحمر كيميائيا، حتى بتعاملها معنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى