من صاحب المصلحة في اغتيال الجاسوس الروسي- البريطاني ؟

على نحو ما تداولته وسائل إعلام بريطانية وأخرى عديدة، وجد سيرغي  سكريبال الكولونيل السابق في الإستخبارات العسكرية الروسية؛ العميل المزدوج مع ابنته الثلاثينية في حالة تسمم بغاز الأعصاب على مقعد أمام محل للتسوق ..

وكان سكريبال قد القي القبض عليه في روسيا عام 2006 كجاسوس لبريطانيا ، وقد إعترف بتسلمه 100 الف دولار لقاء تسليمه قائمة بأسماء عملاء لروسيا في بريطانيا. وحكم عليه بالسجن 13 سنة كخائن،قضى منها 4 سنوات،حيث جرى تبادله في نطاق اتفاق لتبادل الجواسيس عقدته روسيا مع كل من بريطانيا وامريكا .

وخلال هذه الفترة عاش سكريبال فترة في أمريكا ثم إنتقل للعيش في بريطانيا ، حاول خلالها البقاء بعيدا عن الأضواء منذ وصوله إليها، وذكرت صحيفة “صن” البريطانية أنه عاش حياة بائسة منذ قدومة إلى البلاد، إذ توفيت زوجته في حادث سيارة ببريطانيا، كما توفي ابنه في حادث سيارة بروسيا.

السؤال من هو صاحب المصلحة في محاولة اغتيال سيرغي وابنته، طالما أن الرجل بعد مضي نحو 12 سنة على إنتهاء عمله الإستخباري في روسيا وتبادله في صفقة للجواسيس قبل 10 سنوات ولم يعد ذو قيمة استخبارية تذكر، ولم تعد لديه معلومات استخبارية روسية قديمة ذات منفعة لغير بلاده ، ليكون التخلص منه ضرورياً من وجهة روسية (لا بد أنه تم مراجعة المعلومات التي هو مطل عليها واستبدالها بمجرد القبض عليه)، وهو يعيش حياة بائسة بحسب صحيفة “صن” البريطانية ، لا تثير القلق لدى موسكو .

وقد شهدت علاقات بريطانيا وروسيا مؤخراً،تحسنا وتفاهما بين قيادتيهما للإرتقاء بها .. وتسلمت بريطانيا في 19 كانون اول 2017 (أي قبل 3 أشهر) أول شحنة للغاز الروسي المسال على متن باخرة محملة بـ 165 الف م3..قادمة من مشروع عملاق للغاز في شمالي القطب الشمالي بلغت كلفة تجهيزه للإنتاج 27 مليار دولار، ويستهدف المشروع كذلك بناء مصنع للغاز يسمح بإنتاج 16,5 مليون طن سنوياً اعتباراً من 2019 .. !؟ وهو ما يشكل منافساً كبيراً للغاز الأمريكي وغيره.

وكانت روسيا الإتحادية قد أمّنت مشاريعها الغازية الضخمة سواء على أراضيها أو الغاز المنتج من حقول في وسط آسيا او في قارات أخرى بسلسلة عقود مع الدول المصدرة له ، مسقطة بذلك الإتفاقية المبرمة في أنقرة الممهدة لإقامة مشروع خط أنابيب غاز ضخم لنقله من أذربيجان بوسط آسيا عبر تركيا باتجاه دول الاتحاد الأوروبي ليصب في مستودعات كبيرة للتخزين داخل النمسا، وهو ما يعد مشروعا منافسا لمشروع خط الأنابيب الروسي المعروف بـ ” السيل الجنوبي ” الذي كانت تنوي القيام به شركة غاز بروم الروسية.

وبذلك أمسكت روسيا بخناق الإتحاد الأوروبي باعتبارها أصبحت المورد الرئيس الآمن والمنافس للطاقة النظيفة ولعقود ، رغم محاولات الولايات المتحدة العودة لإحياء خط السيل الشمالي قبل أن تتمكن من السيطرة على موارد الغاز في وسط آسيا ؛ التي أصبحت تحت سيطرة موسكو ( فضلاً عن حقول أخرى في إفريقيا ) في قلب أمريكي مناكف عجيب للواقع ، حيث يفترض تأمين الغاز أولاً قبل مد حد خط الأنابيب .

ومن محاولات  واشتطن (كف يد) روسيا في السيطرة على موارد الغاز كأكثر موارد الطاقة اهمية، شن الحرب على سورية(ضمن أسباب أخرى لتأمين نقل الغاز القطري عبرالعراق وسورية إلى الغرب) وبغرض تقنين الوجود الروسي والصيني والإيراني في المنطقة.

بهذا المعنى فإن رأس روسيا مطلوب أمريكيا، لأنها بمساندتها لسورية ولدورها الكبير الى حد بعيد، أفشلت المخطط الأمريكي في إسقاط الدولة الوطنية السورية، ولأن روسيا الإتحادية استعادت مكانتها الدولية ودورها العالمي المنافس بقوة وجدارة، ولأنها باتت تمسك بخناق أوروبا وليس شرقها فحسب ، وباتت أوروبا تميل ( رغم كل شيء ورغم الرغائب الأمريكية في التفاهم معها على قاعدة المصالح المشتركة والأمر الواقع ) من هنا لا بد من خلق المزيد من المشكلات لها أمريكيا وصهيونيا، حيث تعلم تل ابيب أن يدها لم تعد مطلقة ضد دمشق.

ومن الأسباب أن روسيا باتت (مزعجة) من وجهة امريكية، بما تمتلك ليس فقط من أسلحة متقدمة أعلنت عنها صراحة مؤخراً،بل من تحالفات إقتصادية وسياسية كبرى ايضا ، وبتحذيرها واشنطن من الإعتداء على سورية أو على قواتها فيها ، وانها سترد.

أما لماذا باتت روسيا مستهدفة في هذا التوقيت بالذات .. فلأنها بعد أيام قلائل ستخوض إنتخابات رئاسية، أحد المرشحين فيها فلاديمير بوتين،الذي يعلم أعداؤه والأصدقاء دوره الثمين على صعيد استعادة روسيا لدورها الدولي وفي العديد من القضايا العالمية، وأنه على التزام ووفاء لأصدقاء بلاده،وليس كما واشنطن والغرب الأوروبي الإستعماري،وأن محاكمات

بوتين للقضايا الدولية واحدة وموضوعية ، ليست مزاجية ولا تسلطية أو استعمارية .

وقد يقصد من التوقيت جر النيتو لحرب قد تشنها أمريكا؛ بذريعة محاولة الإغتيال، ومن هنارأينا ناطقا باسم النيتو ودولاً أوروبية تتضامن مع بريطانيا؛التي تلعب دور المخدوع باتقان غبي،وتتورط أكثر في قضية لا تخدمها،لكنها تصر على الإنجراف فيها،رغم أنها لا تجزم بان موسكو بالضرورة وراء محاولة الإغتيال..ما يستدعي الظن، هل لندن باتت مخترقة أمريكيا و أصبحت كأي دولة في العالم الثالث لا تمتلك قرارها المستقل عن البيت الأبيض.

بكلمات ليس لروسيا مصلحة في محاولة اغتيال الجاسوس سيرغي سكريبال،فهو بلا وزن يستحق ارتكاب هذه الحماقة،ولا بد أن الولايات المتحدة الأمريكية تتوفر على قيادة حمقاء بتوصيف أصحاب مناصب ومواقع متقدمة فيها.. عينت مؤخرا مجرمة سادية في موقع مديرة المخابرات المركزية، وعينت مدير المخابرات السابق المتطرف وزيرا للخارجية، هي الدولة والطرف الوحيد صاحب المصلحة في محاولة الاغتيال، للتأثير سلبا على مركز بوتين في الإنتخابات الرئاسية ، ولإضعاف العلاقات الأوروبية الروسية، ولجر اوروبا والنيتو إلى حرب مع روسيا ، وبالحد الأدنى خلق أزمة سياسية وإقتصادية لأوروبا معها ، هي ليست في حاجة لها بل على النقيض من ذلك ، وستضطرها إن تورطت في التبعية المطلقة لأمريكا .

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى