76 عاماً على وفاة الكاتب والمفكر والسياسي محمد بطاح المحيسن

العظماء لا ينال منهم الموت انما يخفي اجسادهم الفانية اما ارواحهم الطاهرة تبقى خالدة نابضة بحب الارض والانسان – ومحمد بطاح المحيسن واحد من هولاء الرواد الاوائل في العطاء والتضحية قضى حياتة تشردا وسجنا ونفيا وسفرا خارج الاوطان لم يهادن اويساوم ولم يتنازل عن حق من حقوق شعبة في الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعيه – في الوقت الذي داهن الكثيرون واستغنوا مالا وجاها على حساب قوت الشعب ومقدراته وانتهى بهم المطاف الى غياهب النسيان – اما محمد فقد بقي اسمه خالدا يتداول سيرته العطرة جيلاً بعد جيل مفاخر غز وكبرياء .

 

يقول المؤرخ الاردني محمود سعيد عبيدات عن صاحب الذكرى “محمد المحيسن الطالب الذي رفع حالة النهوض القومي الى ارفع مستويات النضال فعزز في ذاكرة ابناء جيله شرف الانتماءللامة والوطن فهو واياهم من يستحقون لقب الرعيل الاول لانهم اول من رفع الصوت عاليا يهتفون للعروبة والاسلام في عهد الاتحاديين الذين رفعوا شعار التتريك .

 

ويضيف المورخ العبيدات القول “محمد المحيسن الشاب العربي الاردني المهاجر من ارض الوطن يحمل في حقائب سفره منشور الرفض العربي لهيمنة الغرباء على تاريخ وجغرافية الوطن ويلوح بيديه بالبيان التحريضي الذي يقول للامة : ياعرب ثوروا ادفعوا خطرا …ياعرب نحن ابناء امة لو لم تظهر حضارتنا لتاخرت حضارة الامم عدة قرون “.

 

ولد محمد بطاح المحيسن عام 1888في مدينة الطفيلةواتم دراسته في المدرسة الرشدية وظهرت عليه معالم الذكاء فكان مبرزا بين طلابها غادر الى دمشق لاكمال تعليمه في مدرسة عنبر بعد ان منح بعثة دراسية وهو اول طفيلي ينال منحة سلطانية للدراسة في دمشق.

قام وبعض الطلاب بمقاومة سياسة التتريك التي بدا نشرها في مجالات الحياة ومنها التعليم في البلاد العربية وتمردوا على هيئات التدريس وجلهم من الاتراك تارة بالاعتصام وتارة اخرى بالتظاهر والمسيرات ، وبدات اجهزة الامن العثمانية بمراقبتة وتعد العدة للقبض عليه باعتباره المحرك الرئيس للعصيان فغادر دمشق سرا الى بيروت هربا من ملاحقته ومن هناك سافر الى فرنسا ومن ثم الى اميركا الشماليه وبقي هناك مدة خمسة عشر عاما واتم تعليمه الجامعي هناك واسس جريدة الدبور بالتعاون مع الاقتصادي عبد الحميد شومان ، بعد ذلك اشترى مطبعة واصدر صحيفته الخاصه – الصراط -وكانت لسان حال الجالية العربية في المهجر ولما توقفت عن الصدور لاسباب تمويليه اصدر صحيفة الدفاع العربي بالاشتراك مع محمد حسن خروب.

 

انضم الى جمعية سوريا الحرة – السرية وكان مسؤولاً لاحدى مكاتبها الرئيسيه في امريكا ورافق مجموعه من الكتاب والادباء في المهجر منهم على سبيل المثال جبران خليل جبران وايليا ابو ماضي ومخائيل نعيمه واخرون ، كان من اخلص الدعاه الى الوحدة السوريه ( وحدة بلاد الشام ) وعبر عن ذلك من خلال مقالاته في صحيفة مرأة الغرب والبيان اضافه الى المنشورات والمطبوعات في مدينة ديترويت.

عاد الى الاردن عام 1923وعمل مفتشا للمعارف وحاكم لجبل عجلون ومادبا والعقبة ولم يستقر في تلك الوظائف بسبب تطرفه ومجاهرته بارائه التي لم ترق للمسؤولين في ذلك الوقت فكان يعزل ثم ينفى الى الطفيلة وقد حدث ذلك عدة مرات.

عين في عام 1933 رئيسا للديوان الاردني العالي (الديوان الملكي حاليا)ثم عزل منها وابعد الى الطفيله وفرضت عليه الاقامة الجبريه.

صدر له عددمن الروايات منها :–الاسير 1933 تحدث فيها عن جهاد اللاشقاء في المغرب العربي وثورة عبد الكريم الخطابي وقام باهداء الرواية الى الزعيم الشيخ سلطان باشا الاطرش مفجر وزعيم عشائر بني معروف في جبل العرب في سوريا -ورواية الذئب الاغبر يتحدث فيها عن حركة مصطفى اتاتورك – ورواية الفريسه يتحدث فيها عن المجتمع العربي- وكان اضافة الى ذلك يكتب في الصحف والمجلات العربية –بردى –القبس –فلسطين –الكفاح وسواها -له كتابات متفرقة ورسالات لم تنشر فقد عفى عليها الزمن ولم يقيض لها ان تنبش .

كان يقود الحركة الوطنيه مع نفر من ابناء البلاد المخلصين والمطالبين انذاك بالغاء المعاهدة البريطانيه التي تكبل البلاد –والغاء الامتيازات الاجنبيه كمشروع روتمبرغ والبوتاس –واجراء انتخابات لمجلس تشريعي لا تتدخل الحكومات في اختيار اعضائه ونبه الى خطورة الحركة الصهيونية والهجرة الى فلسطين ،وفي سبيل ذلك شارك في تاسيس العديد من الاحزاب الوطنيه وكان من رفقائه في النضال –حسين باشا الطراونه –والدكتور صبحي ابوغنيمه –متري الزريقات – خلف التل –ومصطفى وهبي التل- سامح حجازي –ناجي العزام –ماجدالعدوان – مثقال الفايز -عبدالله باشا النمر الحمود –محمد العجلوني – راشد الخزاعي – تركي العبيدات –وقاسم الهنداوي –سليمان السودي –سالم الهنداوي ومصطفى المحيسن –حديثه الخريشه – هاشم خير – محمد الحسين – زعل المجالي -عبدالله الكليب – عودة ابو تايه – وغيرهم كثيرون من زعماء الاردن الذين هم بالحقيقة على مستوى وطني رفيع يمثلون طموحات الامارة انذاك –

يقول الاستاذ الصحفي هزاع البراري “توفى المحيسن وهو في ذروة عطائه فلم تمهله الحياة كثيرا فقد اشتد عليه المرض ووهن جسده حتى فارق الحياه في الخامس عشر من شهر اذار من سنة 1942 وكانت لحظة وداعه الى مثواه الاخير مهيبة ومؤلمه ، فلقد رحل بصمت عميق كما عاش دائما بعمق وعمل دائم ، لكن الذاكرة الوطنيه الحيه ستبقى تذكره كأحد رجالات الوطن الرواد الافذاذ فالامم تحيا ليس بحاضرها فقط بل بهذا الارث الكبير والباقي الى الابد “.

لقد عاش محمد بطاح المحيسن مكافحا عن مبادىءالحرية والاستقلال ومات وهو يردد- ان من يستورد المرتزقه لبناء مستوطنه لايخرج الابالدم .

لقد دافع عن وطنه وامته العربيه بالكلمة الجريئه وامن بضرورة وحدتها – صحيح انه ورفاقه بنوا احلاما ولم يحققوا ماكانوا يصبون اليه ولكن من المؤكد انهم لم يلقوا السلاح والكلمة حتى وافاهم الاجل ،  فاصبحت ارواحهم من بعدهم قناديل هدى ومنارات عز تشع بالخير والبشرى لوطن ينعم اهله بالخير والعزة والكبرياء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى