هل تشكل اقالة تيلرسون انتصاراً للسعودية وحلفائها على حساب قطر وايران ؟

اعترف الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، القريب من السلطات في أبوظبي، والذي يسود الاعتقاد بأنه أحد مساعدي ولي عهد الإمارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بأن الإمارات تقف وراء الإطاحة بوزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون، الذي أعفي من منصبه يوم امس الثلاثاء.

ويأتي اعتراف عبد الله ليؤكد بذلك التسريبات التي كانت جريدة “نيويورك تايمز” وشبكة “بي بي سي”  نشرتاها مؤخرا حول حملة تديرها وتمولها الإمارات داخل الولايات المتحدة؛ من أجل الإطاحة بتيلرسون؛ عقابا له على موقفه الرافض لحصار قطر من قبل كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين.

وكتب الدكتور عبد الخالق عبد الله، في التغريدة التي نشرها على “تويتر” مساء امس الثلاثاء: “سيذكر التاريخ أن دولة خليجية كان لها دور في طرد وزير خارجية دولة عظمى، وهذا قليل من كثير”، مرفقا مع هذه التغريدة صورة لوزير الخارجية الأمريكي المقال.

وبهذا الاعتراف الإماراتي، تتأكد صحة التسريبات التي نشرتها “بي بي سي” و”نيويورك تايمز” والعديد من وسائل الإعلام الغربية، التي كشفت أن رجل الأعمال الأمريكي، إليوت برويدي، أكبر المتبرعين لحملة دونالد ترامب، والذي تربطه علاقات وطيدة مع الإمارات، كان التقى مع ترامب في تشرين الأول الماضي، وحثه على إقالة تيلرسون.

الجدير بالذكر ان قرار الرئيس ترامب بإقالة وزير خارجيته المثير للجدل تيلرسون مفاجئا في ضوء الانتقادات التي واجهتها الدبلوماسية الأميركية تحت قيادته إلى حدّ وصفها بكونها استمرارا لاستراتيجية الرئيس السابق باراك أوباما المهادنة لروسيا وإيران وكوريا الشمالية، والتي تتهم أوساطا أميركية نافذة بأنها فتحت الطريق لتراجع دور واشنطن في القضايا الكبرى وتحويلها إلى فاعل ثانوي.

وترى أوساط دبلوماسية عربية في واشنطن أن تغيير تيلرسون بمدير السي آي إيه مايك بامبيو الموسوم بالحازم من شأنه أن يعيد الدبلوماسية الأميركية إلى الواجهة كقوة دولية أولى.

ولفتت إلى أن أكبر الخاسرين من هذا التغيير ستكون قطر وإيران اللتان استفادتا، كل واحدة من ناحيتها، من استثمار حسابات تيلرسون و”لوبي أوباما” في وزارة الخارجية لتحدي ترامب وكسر التعهدات التي رفعها خلال حملته الانتخابية وفي الأشهر الأولى له في البيت الأبيض.

وأعلن ترامب،  امس الثلاثاء، في تغريدة صباحية إقالة تيلرسون وتعيين المدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي إيه مايك بومبيو مكانه. كما عين ترامب جينا هاسبل على رأس وكالة الاستخبارات المركزية لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب.

وتشير الأوساط السابقة إلى أن تغيير تيلرسون يحمل إشارة إيجابية واضحة من الرئيس الأميركي إلى دول الخليج وخاصة السعودية ساعات بعد تحديد موعد الزيارة التي سيؤديها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن في العشرين من مارس الحالي، في رسالة واضحة على الرغبة في تبديد الخلاف الصامت مع الرياض بشأن الملف القطري.

ويمثل خروج تيلرسون أكبر تغيير في إدارة ترامب حتى الآن وينهي خلافات مستمرة منذ أشهر بين الرئيس الجمهوري والرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل البالغ من العمر 65 عاما.

وأفادت تقارير بأن تيلرسون وصف ترامب في أحاديث خاصة بأنه “أحمق” في يوليو، بعد أن اقترح الرئيس زيادة الترسانة النووية الأميركية بواقع عشرة أمثالها. ورفض تيلرسون الحديث بشكل مباشر عما إذا كان أدلى بالتصريح لكن متحدثة باسم الخارجية أصدرت نفيا في وقت لاحق.

وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن ترامب طلب من تيلرسون التنحي، الجمعة، لكنه لم يرد إعلان الأمر بينما كان وزير الخارجية في جولة بأفريقيا.

وذكر المسؤول أن ترامب يعمل بانسجام مع بومبيو، وهو عضو سابق في الكونغرس من كانساس، ينظر له على أنه موال داخل الإدارة، وأراده في المنصب قبل محادثات الرئيس المرتقبة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون والمفاوضات التجارية.

ويقول متابعون للشأن الخليجي إن إقالة تيلرسون ستفقد قطر أحد أكبر داعميها في إدارة ترامب، ما سيدفعها إلى التخلي عن سياسة الهروب إلى الأمام والتفكير بجدية في أن الحل الخارجي للأزمة لم يعد ممكنا وأن عليها تنفيذ التزاماتها في اتفاق الرياض (2014/2013) وتهيئة مناخ من حسن النية للعودة إلى الحوار مع الرباعي المقاطع لها.

وتتهم أوساط خليجية وزير الخارجية الأميركي المقال بأنه يتحمل مسؤولية المكابرة القطرية عبر التصريحات التي سبق أن أطلقها عن “جهود قطر لوقف الدعم المالي للجماعات المتطرفة”، وأن “هناك تقدما ملموسا في تقاسم قوائم الإرهابيين وتمويل الإرهاب عموما” معها، ما اعتبره القطريون ضوءا أخضر للاستمرار في المظلومية والتباكي، والبحث عن شراء المواقف الخارجية لأزمة لا ينفع معها سوى الحل الداخلي المشروط بتنفيذ بنود اتفاق الرياض.

ورغم أن ترامب بادر إلى اتهام قطر برعاية الإرهاب والضغط عليها لوقف علاقاتها مع الجماعات المتشددة، وذلك مباشرة بعد الخامس من يونيو، تاريخ الاجتماع الرباعي الذي أقر المقاطعة، إلا أن دبلوماسية تيلرسون انقلبت تماما على التوجه الرئاسي، وأرست علاقة غير متوازنة مع طرفي الأزمة منحازة إلى الدوحة بدل الضغط عليها.

ولم يكن موضوع قطر وحده مثار خلاف بين ترامب وتيلرسون، فقد كان هناك خلاف أكبر بشأن النووي الإيراني، ما عطل استراتيجية ترامب في عزلها.

وأوضح ترامب امس الثلاثاء “كنا متفقين بشكل جيد لكننا اختلفنا حول بعض الأمور”، مضيفا “بالنسبة إلى الاتفاق (النووي) الإيراني أعتقد أنه رهيب بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولا وأردت إما إلغاءه وإما القيام بأمر ما، بينما كان موقفه مختلفا بعض الشيء، ولذلك لم نتفق في مواقفنا”.

وقال ترامب على تويتر “مايك بومبيو مدير المخابرات المركزية سيصبح وزير خارجيتنا الجديد. سيقوم بعمل رائع! شكرا لريكس تيلرسون على خدماته!”.

ويقول مراقبون إن تعيين بومبيو سيمثل اختبارا جديا لاستراتيجية ترامب في محاصرة إيران خاصة أن مدير السي آي إيه السابق ورئيس الدبلوماسية الجديد يؤمن بمنع التواصل الآمن بين إيران والعراق وسوريا وصولا إلى لبنان الذي يحتضن حزب الله.

 

وسبق للوزير الجديد أن حث الطيران الأميركي على استهداف القوافل التي يشتبه في أنها تنقل أسلحة وعتادا باتجاه سوريا لتقوية الجيش السوري، أو حزب الله اللبناني. ويؤمن بومبيو بممارسة ضغط أكبر على الرئيس الأسد، ولو بالقوة، وليس السماح له باستعادة السيطرة على المدن التي فقدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى