الربيع
شعر : علي أحمد باكثير
يا من تفتَّح كالربيع لناظري | فلمحتُ فيه شقائقاً وبهارا |
والفُلَّ يشرقُ بالضياءِ وبالشَّذا | والنرجسَ النعسان والنُّوَّارا |
والوردَ مخموراً يتمتم : ويحكم | هيا اغنموا مُتع الحياةِ قصارا |
متباين الألوانِ ألَّفَ بينها | ذوق يبلبلُ سرُّه الأفكارا |
تلك المفاتنُ ينتهين لغايةٍ | ولقد يريبك أنها تتبارى |
أمثولةُ الحسنِ البديعِ مرامُها | تطوى لها المضمارَ فالمضمارا |
فكأنَّها أحزابُ شعبٍ راشدٍ | كلٌّ يجمِّع حوله الأنصارا |
يتنافسون، وإنَّما مرماهم | تحقيق آمال البلادِ كبارا |
ما للجمالِ وللسياسة؟ إنَّه | أهدى إلى قصد السبيلِ منارا |
هو عالم ننساب في أطيافه | ونعانق الأنداء والأنوارا |
من ضلَّ في ساحاته كمن اهتدى | وكمن صحا من لا يفيق خُمارا |
***** | ***** |
يا من تفتَّح كالرَّبيع لناظري | أضرمتَ ما بين الجوانح نارا |
أسكرتَ روحي بالسَّنا فذهلتُ عن | نفسي، وخلتُ العالمين سكارى |
وسهوتُ عن زمني فلستُ بمثبتٍ | أسكرتُ ليلاً أم سكرتُ نهارا |
رمتُ الكلامَ، فحار في شفتي كما | تاه الجمالُ بناظريك وحارا |
ماذا أقول وكلُّ لفظٍ شاردٌ | عيناك أعظم أن تطيق حوارا |
عيناك أقوى بالحياة وفيضِها | زخراً وأعمق في الحياةِ قرارا |
***** | ***** |
لبصرتُ بالتُّفّاح يلعن نفسَه | لما أبيتَ مساسه استكبارا |
كم ودَّ لو يلقى الشهادةَ في فمٍ | يهبُ الخلودَ وينهبُ الأعمارا |
ما كان ضرَّك لو مسحتَ جبينَهُ | فأحاله لهبُ الحياةِ نُضارا |
أو لو قبلتَ فداءَه فجعلتَهُ | معنى يحيطُ به الجمال إطارا |
أم غِرتَ منه؟ فيا لقلبك قاسياً | ماذا تركت لحسنه فتغارا؟ |
يكفيه في زيناتِه أن يكتسي | شفقاً له من وجنتيك مُعارا |
ما كان إلا خادماً لك طائعاً | يقفو خُطاك يُقبِّلُ الآثارا |
راجع فؤادك في أحقِّ مورَّدٍ | برضىً وأكرمِ مُشبهيك نِجارا |
تغفو وتصحو وهو في صلواته | لخدودك الآصالَ والأسحارا |
أما نثارُ الوردِ إذ بدَّدته | فلو استطاع من السرور لطارا |
ألأنَّه يحكي القلوب بشكله | عبثت يداك بشمله استهتارا؟ |
إهنأ بظُلمك، فالقلوب تودُّ لو | تُلقى لديك على البساط نثارا |
ويح القلوب غلوتَ في بغضائها | فمقتَّ من جرَّائِها الأشعارا |
أتلوم أرضاً -يا غمامُ- بخيرها | حفلت، وأنت فجرتها أنهارا |
أهبطتَ شاكسبير من عليائِه | وأزحت عن كرسيِّه مهيارا |
ووقفت في وجه الخلودِ، فهل تُرى | تطوي الخلودَ وقد طوى الأدهارا؟ |
لن تستطيع، فمن جمالك دونه | سدٌّ يقيه سطوك الجبَّارا |
***** | ***** |
رفقاً بحبَّاتِ القلوبِ تسومُها | سوءَ العذابِ وما جنت أوزارا |
ألأنَّها تهفو لحسنك كلَّما | لمحته أو هجست به تذكارا |
يا لائمَ الأوتار في إرنانها | مهلاً، بنانُك تضربُ الأوتارا |
يا طاوي الأقدار تحت جفونه | حتَّى لنخشاهُنَّ لا الأقدارا |
لمَّا أبيتَ على مشاعرنا الهوى | هلاَّ مسختَ قلوبَنا أحجارا |
مدونة الثقافة المغربية