مساعدة بوتين لسوريا  لمحاربة الإرهاب وبناء نظام دولي جديد

روسيا لا تريد أن تنتقل عدوى التطرف الديني السُني من سورية إلى منطقة شمال القوقاز أو إلى آسيا الوسطى، هذا ما يلخص الموقف الروسي من التدخل في سوريا من أجل مكافحة الإرهاب.ففي مقابلة مع الصحفي الروسي فلاديمير سولوفيوف ضمن فيلم «النظام العالمي للعام 2018» قال بوتين: كان في سوريا ألفا إرهابي من المنحدرين من روسيا الاتحادية وأربعة آلاف وخمسمئة إرهابي من منطقة آسيا الوسطى وبلدان ليس لروسيا معها اتفاقيات حول سمات الدخول.‏

سنة 2016،أشار الرئيس بوتين إلى وجود 4 آلاف إرهابي من روسيا وحدها في صفوف الإرهابيين بسوريا، وما بين 4 و 5 آلاف إرهابي من الجوار السوفيتي، خاصة دول آسيا الوسطى، وأكد أن ذلك يمثل تهديداً حقيقياً لروسيا، حيث إنهم يحاولون العودة إلى روسيا، وبعضهم قد عاد بالفعل.وفي هذا الإطار،استمرت  الضربات الروسية على مواقع الإرهابيين في سورية. ووفق بيان لنائب وزير الدفاع الروسي، أناتولي أنطونوف، في 7 أكتوبر/تشرين اول 2016. تمت تصفية نحو 35 ألف إرهابي في سوريا، بينهم أكثر من 2700 إرهابي أتوا من روسيا ورابطة الدول المستقلة. ولكن على الرغم من النجاحات التي حققتها الضربات الروسية في سوريا، فإن نحو 400 إرهابي تمكنوا من العودة إلى روسيا، وبدأوا يحضرون للقيام بأعمال إرهابية.

واعتبر الرئيس الروسي أن زوال الاتحاد السوفييتي من المشهد السياسي أدى إلى تغييرات خطيرة في ميزان القوى العالمية وكان بمثابة السبب غير المباشر للأزمة في البلقان وغزو العراق.‏ وقال بوتين: إن النظام العالمي القديم أنشىء بعد الحرب العالمية الثانية على أساس توازن القوى الواقعي والآن يجب العودة إلى تسجيل كل شيء من الصفر حيث تبدأ العدمية كلها تجاه القانون الدولي ودور الأمم المتحدة.‏

تعتبر الأزمة السورية بالنسبة إلى الرئيس بوتين ، والنخبة الروسية «ورقة مهمة» في الصراع الدولي ومولد النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب أو متعدد المراكز العالمية للنفوذ والتأثير. وينعكس هذا في مواقف بعض رموز النخبة السياسية في روسيا. فزعيم حركة «أوراسيا الروسية»، الكسندر دوغين، يعتبر أن الولايات المتحدة تحاول التأسيس لشرق أوسط جديد انطلاقا من مصالحها عبر نشر «الفوضى الخلاقة» . ويقول دوغين «إن مصالح روسيا تكمن في السعي إلى بناء عالم متعدد الاقطاب بغض النظر عن مصالح واشنطن». ويرى أن تخلي روسيا عن الرئيس الأسد سيعني أنها تكتب بنفسها شهادة وفاتها ووفاة العالم المتعدد الاقطاب».

ويعتقد المحلل السياسي المعروف، إيفان سافرانتشوك، أن الأزمة السورية وضعت الدول التي تدعم الأسد وتلك التي تطالب برحيله في موقف لا تـحسـد عليه. ويقول «إن ـ ».

الحضور العسكري الروسي في سورية ليس جديداً، وتعزيزه ليس غريباً. و لهذا السبب بالذات دخلت روسيا جديا في الحرب في سورية،وهو ما يشكل انقلاب حقيقي في موازين القوى بوجودها العسكري المعلن والمتزايد على الساحل السوري، بعدما جعلت التوازنات الإقليمية السائدة في الشهور الأخيرة هباءً منثوراً. ففي زمن الحرب الباردة كانت العلاقات السورية – الروسية متطورة جدًّا، إذ إن كلاً من البلدين سورية والاتحاد السوفييتي كان بحاجة إلى الآخر. كانت تلك إحدى حقائق السياسات الجيوبوليتيكية في منطقة الشرق الأوسط، التي أسست لها معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة في عام 1980 بين الزعيمين الراحلين حافظ الأسد وليونيد بريجنيف. وكانت كل صفقة صواريخ تبرمها سوريا مع الاتحاد السوفييتي تثير أزمة إقليمية ودولية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام ،1982 واستعادة الأسد الأب  زمام الأمور في لبنان من خلال إسقاط اتفاقية 17 أيار/ مايو ،1983 والصراع السوري – الأمريكي الذي انتهي برحيل قوات المارينز الأميركية والقوات المتعددة من لبنان عام ،1984 وسطوع نجم سوريا في فضاء السياسة الإقليمية والدولية كلاعب أساسي في معادلات الشرق الأوسط.

وفي أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول ،1991 تحولت السياسة الخارجية الروسية، وعلى مدى عقد التسعينات من القرن الماضي تقريبا، توافقا واستجابة مع المواقف الأميركية، وانسحبت روسيا من بعض المواقع التي كان وجودها فيها يمثل نوعا من التحدي الموجه للولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل على حد سواء، و لاسيما في منطقة الشرق الأوسط.

ومن جهة ثانية هناك رغبة روسيا المستاءة من استراتيجية التطويق والحصار المفروضة عليها من جانب أميركا عبر دخول معظم بلدان أوروبا الشرقية في منظمة الحلف الأطلسي، وهو ما دفعها أخيرًا إلى خوض  الحرب في القوقازلاستعادة مجالها الحيوي في جورجيا، وعبرإعادة تفعيل الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، واستعادة موقعها على الصعيد الدولي ،حيث تشكل سورية في هذا الإطار بوابة مهمة إلى المنطقة بالنسبة لموسكو لما لها من دور وتأثير إقليمي يقرّبه الجميع .

من هنا يشكل اللقاء السوري – الروسي فرصة تاريخية لنهج بوتين الاستراتيجي، الذي يجسد نهجًا قوميًا روسيًا، فالرئيس الأسد يشاطر الموقف الروسي من أزمة القوقاز.وما يعزز التماهي السوري – الروسي بشأن الحرب في القوقاز، أن الجيش الجورجي كان مسلحا من قبل إسرائيل التي هي عدو سورية، وأنّ ضُبَاطًا وجنرالات إسرائيليين قاموا بتدريب القوات الجورجية وتزويدها بالسلاح لمواجهة روسيا عسكريا..‏و من هنا، فإنّ الحرب في القوقاز شكلت  البداية الفعلية ل«استعادة الروح» عند روسيا مع ولاية الرئيس فلاديمير بوتين الأولى المزدوجة (2000- 2008). و كان بوتين وجد أمامه إرثاً ثقيلاً بعد عصر اللاوزن مع غورباتشوف ويلتسين. وبدأ الرجل يستعيد شيئاً فشيئاً مكانة بلاده المهدورة عندما اتخذ قراراً جريئاً بالتعامل مع أزمة جورجيا- أوسيتيا الجنوبية سنة 2008، حين تحدّى إرادة «القطب الأوحد».

وكانت سوريا شريكة لروسيا في التحول التاريخي لاستعادة التوازن المفقود في العلاقات الدولية. فأثناء «عملية أوسيتيا»سنة 2008 اتجه الرئيس الأسد فوراً إلى سوتشي للإعراب عن تضامنه مع الرئيس ميدفيديف أثناء الحمى الأمريكية حول جورجيا وأوسيتيا ،وأعلن الرئيس السوري بشارالأسد ،استعداد دمشق للقبول بنشر منظومة صواريخ روسية على الأراضي السورية،ردّاً على نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا،معتبراً أن الحرب الأخيرة في القوقاز كشفت الدور الإسرائيلي والأميركي ،ليفتح بذلك باب التعاون العسكري بين دمشق  و موسكو على مصراعيه و من دون أي عراقيل.

وفي هذا السياق، قامت روسيا بإعادة رسم استراتيجيتها في المنطقة، مدفوعة في ذلك بمجموعة من العوامل الاستراتيجية، والأمنية، والاقتصادية. وتسارعت التطورات في السياسة الروسية لتشكل خريطة جديدة من التحالفات في المنطقة، وليولد «شرق أوسط جديد» بحضور روسي، سياسي وعسكري، قوي ومتصاعد بعيد التوازن والاستقرار، بعد الفوضى «غير الخلاقة» والمدمرة التي اجتاحت دول الشرق الأوسط،، ولا تزال تداعياتها تعتصرالدول الوطنية العربية المناهضة للسياسة الأميركية.

وكانت دول بريكس وعلى رأسها الصين وروسيا تعلم أن حروب الإمبريالية الأميركية تستهدف المحافظة على النظام الدولي الجديد أحادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية ،والتضييق على اقتصادات الدول الصاعدة انطلاقاً من المنطقة التي كاد ينفرط عقدها وتصبح منطقة نفوذ أميركية خالصة ، فيما لو تم إقصاء روسيا والصين عن خطوط نقل الغاز وخطوط التجارة العالمية.

ومن حق كل الدول الكبرى التي تجد نفسها مستهدفة من الهيمنة الأميركية أن تتحالف مع دول المنطقة، مثل تحالف روسيا وإيران مع سوريا لصد الخطط الأميركية الإمبريالية والقضاء على الإرهاب الذي تموله واشنطن بالسلاح والمال وحتى بالأسلحة المحرمة دولياً، طبعاً كل الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تكن «معجبة» أو راضية عن السياسات السورية التي ترفض الإذعان لمتطلبات الغرب الجشع الذي يركب الموجة الإنسانية للتدخل في شؤون الدول، إذ يفتعل الأزمات ثم يتحدث عن الإنسانية، ويشرد الناس من أرضهم ويتحدث عن لاجئين، ويشعل حرباً بالوكالة أو بالأصالة ويتحدث عن انتهاكات ضد الإنسانية ويتخطى كل الحدود الحمر من دون أن تقف بوجهه أي منظمة دولية بل على العكس نجد المنظمات الدول تسير في ركبه وكأنها حديقة خاصة به.‏

لقد عززت موسكو من وجودها وقواتها في المنطقة. وإلى جانب قاعدة حميميم الجوية، تم في 18 يناير 2017 توقعي اتفاقية بين موسكو ودمشق تقضي بتحويل طرطوس من محطة لتموين السفن الروسية إلى قاعدة عسكرية بحرية متكاملة يمكنها استقبال 11 سفينة حربية، بما في ذلك سفن نووية، وذلك لمدة نحو 49 سنة قادمة قابلة للتمديد تلقائياً. ويسمح الاتفاق لروسيا بنشر نقاط تمركز متنقلة خارج الأراضي التابعة للقاعدة البحرية، بهدف حراسة ميناء طرطوس، ونشر منظومات صاروخية جديدة حولها، إضافة إلى نشر منظومات صاروخية في البحر من طراز «بال» أو «باستيون»، علماً بأن موسكو نشرت في وقت سابق صواريخ «إس 300»في محيط قاعدة طرطوس، و «إس 400» في محيط قاعدة حميميم الجوية.

إنّ الوجود الروسي في سورية شرعي بوجود اتفاقيات ثنائية بين دمشق وموسكو وهو حق يرعاه القانون الدولي وقد صدق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على بروتوكول اتفاقية نشر المجموعة الجوية الروسية في سورية والموقعة بين البلدين ، بينما أكد جيمس غاتراس مستشار السياسة الخارجية السابق لزعماء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي أن الوجود الأميركي على الأراضي السورية واستهدافه للقوات الحكومية السورية يفتقد لأي أساس قانوني دولي وأن هذا الوجود لا يمكن أن يستمد الشرعية دون موافقة الحكومة السورية.

ولا شك إن ما نقلته مجلة نيوزويك الأميركية عن رئيس القوات الخاصة ريموند توماس ، أثناء حضوره في مؤتمر «أسبين» الأمني بولاية كولورادو الأميركية، عن أن روسيا حصلت على موطئ قدم لها في سوريا بشكل شرعي وأكثر مصداقية من الولايات المتحدة، يوصف الحالة بين الوجود الأميركي الغازي الذي يتستر وراء محاربة الإرهاب وبين الوجود الروسي الذي يحارب الإرهاب فعلاً ويمنع تمدده نحو دول أخرى منها روسيا.‏

وسوريا صاحبة حق في طرد أي وجود أميركي أو فرنسي على أراضيها، وإن لم ينفع القانون الدولي في ذلك فمن حق سورية أن تقاوم الوجود الأميركي على أراضيها، لان كل الدمار والقتل في سورية سببه أميركا أولاً، وأكذوبة محاربة الإرهاب الأميركية لن تنفع واشنطن من اجل تمرير مشاريعها وعلى واشنطن أن تقول للعالم لماذا تحارب داعش دجلاً أو حقيقة ولماذا لا تترك للجيش العربي السوري مهمة القضاء على هذا التنظيم الإرهابي ؟، وقد اعترف توماس، «أنه في الوقت الذي تشكل فيه مكافحة الإرهاب أولوية بالنسبة لبلاده، إلا أن القانون الدولي والمواثيق الدولية يمكن أن تمنع الولايات المتحدة من البقاء لأن تدخلها غير شرعي، ولم يجر بموافقة من الحكومة السورية التي تتمتع بالسيادة، في الوقت الذي تشارك فيه روسيا أيضا في الحرب ضد «داعش» لكنها تدخلت بناء على طلب الحكومة السورية، وهو أمر من شأنه أن يوفر لموسكو غطاء قانونيا دوليا وقدرة على تقديم قضية قوية ضد الولايات المتحدة ومطالبتها بالمغادرة»، وتابع :« إذا لعب الروس بهذه الورقة فلن تكون لدينا القدرة على البقاء هناك».

وهكذا،باتت موسكو ترى أن بوابة العبور إلى المياه الدافئة وعالم البحار المفتوحة وصولا إلى أوروبا وآسيا واحتلال موقع مهم في خريطة الشرق الأوسط، تمر عبر سورية وصولا إلى المنطقة العربية والخليج العربي وتركيا وإيران. ويعني ذلك أن تتحدى روسيا النظام الدولي أحادي القطبية، عبر خلق موانع جيو ـ سياسية في مناطق جغرافية مختلفة لموازنة الضغوط الأميركية عليها في جوارها الجغرافي المباشر. ومن شأن التحصن والتمكن من اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري أن يؤمن لروسيا إطلالة ممتازة على شرق البحر الأبيض المتوسط، وموقعاً لا يبارى في التأثير على موازين القوى بالمشرق العربي والمنطقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى