الانتفاضة السورية هزمت نفسها بعدما تعسكرت وراهنت على القوى الخارجية

سبعٌ عجاف مرّت على سوريا؛ شهدت خلالها ما لم تشهده منذ دخول المغول والتتار منذ سبعمئة وستين عاماً، وبحسب مراقبين فإنّ السنوات السبع تلك، والتي حملت زوراً وبهتاناً اسم “الثورة” خلّفت وراءها من القتل والدمار ما لم تُخلّفه أعتى حروب الدنيا، ناهيك عن انتشار مظاهر لم يعهدها السوريون كـ “أكل الأكباد” أو ظهور دولة الخرافة التي عاثت في الأرض فساداً، ناهيك عن آلاف القتلى الذين ذهبوا من الطرفين، غير أنّ تلك “الثورة المزعومة” آثرت أن تنتهي إلّا بجّر قدم المستعمر الأجنبي لسوريا، حيث انتشرت القواعد العسكرية الغربية والمطارات شرق سوريا، ناهيك عن الاجتياح المباشر من قِبل الأتراك للشمال السوري وتصريحهم عن نيّتهم البقاء في مدينة عفرين السورية.

العسكرة.. الدّين.. والتدخل الخارجي..

إذا عدنا بالحديث إلى بداية الاحتجاجات في سوريا نجد أنّ أغلب من خرجوا إلى الشوارع كان هدفهم الإصلاح وتحقيق مطالب خدميّة باتت ضرورية للسوريين، وقال الرئيس الأسد حينها 30 آذار 2011، إنّه يقف إلى جانب المطالبين بالإصلاح، مُطلقاً عدداً من المشاريع حول الإصلاح السياسي والاجتماعي، فكان إلغاء العمل بقانون الطوارئ وإحداث قانون الأحزاب، بالإضافة لتجنيس آلاف الأكراد من المكتومين وقال الأسد حينها إن خطوات الإصلاح في سوريا تقوم على الإصلاح السياسي وإنهاء المظاهر المسلّحة.

تلك الإصلاحات رافقها على المقلب الآخر بدء تسليح “المتظاهرين السلميين” لتدخل القضيّة السورية ومنذ نهاية العام 2011 إلى عنق الزجاجة الذي بات يضيق يوماً بعد آخر على السوريين، حيث يؤكد مراقبون أنّ أسوأ ما قام به المتظاهرون هو حملهم للسلاح، لتتحوّل “مطالبهم المُحقة” إلى أعمال عنف وقتل وإرهاب بشهادتهم أنفسهم، كما باتت المناطق التي يُسيطرون عليها عبارة عن كنتونات خاصة بأمراء الحرب، أعاثوا فيها خراباً ودماراً.

حمل السلاح الذي لجأ إليه البعض لقي ترحيباً كبيراً من قبل عدد من الدول التي كانت تتربص بسوريا، لتبدأ تلك الدول بضخّ المال والسلاح إلى المجموعات المُسلّحة، الأمر الذي أدّى بطبيعة الحال إلى ضرب الدولة السورية ومنشآتها الحيوية وبُناها التحتية، فالدول المُموّلة للمجموعات المُسلحة تعلم علم اليقين أنّ السلاح بيد الجهلة سيُقوّض أسس الدولة السورية، فكان أن سيطر المُسلحون على مساحاتٍ واسعة وبدؤوا بفرض الأتاوات والضرائب على السوريين، وعلى هذا الأساس كان التدخل الخارجي أحد أبرز العوامل في إطالة أمد الأزمة السورية، خصوصاً أنّ المجموعات الموجودة على الأرض لم تعمل يوماً بأجندةٍ سورية، بل كانت تعمل لحساب الدول الخارجية المُموّلة لها.

وحيث إنّه لا يؤتى الحَذِر إلا من مأمنه؛ كان أن شجّع البعض ظهور بعض التيارات الإسلامية المتشددة كالنصرة التي غيّرت جلدها عدّة مرّات أملاً بقبولٍ دولي، وتنظيم  “داعش” الإرهابية لتتخذ الأزمة السورية ومن ظهور هذه التنظيمات منحىً آخر، فبعد عسكرة مايسمى ب”الثورة” بدأ الحديث يدور عن أدلجتها وإلباسها لبوساً طائفياً الأمر الذي دفع عدداً من دول العالم إلى تشكيل تحالف مشؤوم أطلق عليه “التحالف الدولي للحرب على الإرهاب” وكان أن جرّ هذا التحالف عدداً من الدول، ولاسيما أمريكا إلى إنشاء قواعد عسكرية على الأرض السورية.

اعتراف بالهزيمة…

منذ البداية أفردت الصحف والمواقع المؤيدة لما يسمى ب”الثورة” عدداً من صفحاتها للحديث عن فشل تلك الثورة، وانهزامها أمام الجيش والحكومة السورية، حيث كتبت قناة العربية في موقعها وبتاريخ الثاني من شهر تشرين الأول 2012، وتحت عنوان ” ماذا لو فشلت الثورة السورية؟” مقالاً تحدّث فيه كاتبها حول سقوط الثورة والثوار، وأنّ ثورتهم مصيرها الأفول.

أما قناة الجزيرة الداعم الأكبر للمسلحين فقد كتبت بتاريخ 13 كانون الأول 2017 مقالاً تحت عنوان “حلم يحتضر.. هل تلفظ ثورة سوريا أنفاسها الأخيرة؟” تحدث فيه الكاتب حول مجريات الأزمة السورية وصولاً إلى اليوم، مستنداً إلى مقالات وتنبؤات السفير الأمريكي السابق في سوريا “روبرت فورد” الذي تحدث عن هزيمة “الثورة” وانتصار الحكومة والجيش السوري على المسلحين.

صحيفة العربي الجديد الناطق الرسمي باسم الإخوان المسلمين تحدثت في مقالٍ نُشر بتاريخ 16 تموّز لها حمل عنوان “هل فشلت الثورة السورية؟”، خلص فيها الكاتب إلى أنّ العسكرة والعنف أحد أبرز أسباب فشل الثورة المزعومة.

“لماذا فشلت الثورة في سوريا؟”، هكذا عنونت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، تقريراً لها، مشيرة إلى مواقف الساسة الغربيين التي اتخذوها منذ اندلاع الأزمة، وقالت المجلة: “إذا كان السياسيون الغربيون يتساءلون لماذا لم يحققوا سوى القليل من أهدافهم في الحرب الأهلية السورية، فيجب عليهم أن يبدؤوا بدراسة قراراتهم”.

وأخيراً.. لا يمكن فصل “العسكرة عن الأدلجة عن التدخل الخارجي، فجميعها ساهمت وبعنف في خنق ما كان يُعرف بالـ “الثورة” وتحويلها من مطالب شعبيّة مُحقّة إلى أعمال عنف أحرقت الزرع والضرع، وعادت وبالاً على السوريين، حيث دمّرت تلك الثورة جميع البنى التحتيّة في المناطق التي وصلت لها، وأعادتها مئة عامٍ إلى الوراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى