السنيورة يدفع ثمن اخطائه ويمتنع عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة
عاد سعد الحريري إلى بيروت قادماً من الرياض بعد زيارة خاطفة استمرت خمسة أيام قابل فيها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان. عودة انتظرها جميع حلفائه اللبنانيين لما تشكّله من أهمية انتخابية حيث كانت تحمل معها صورة التموضع الانتخابي الجديدة لتيار المستقبل في الانتخابات القادمة في 6 أيار 2018. وفور وصول سعد الحريري إلى بيروت انتقل سريعاً إلى دارة الرئيس السابق فؤاد السنيورة في شارع بلس.
وقالت مصادر إعلامية إن الحريري حاول إقناع السنيورة بالترشح للانتخابات إلا أن مصادر أخرى رأت أن الحريري كان يحمل رسالة من السعودية إلى السنيورة بعدم الترشح لأسباب ما زالت مجهولة حتى الساعة.
وأعلن فؤاد السنيورة يوم أمس الاول الاثنين خلال مؤتمر صحافي بمقر مجلس النواب في العاصمة بيروت عن عدم ترشحه للانتخابات النيابية. وقال خلال المؤتمر، إن “قراري لا يعني انفصالاً عن تيار المستقبل الذي أنتمي إليه، وأنا مستمر في الإسهام في تعزيز كل جهد يمكن أن يبذل لأجل الإصلاح والنهوض واستعادة الدولة اعتبارها وهيبتها”.
وردّ السنيورة قرار عزوفه عن الترشح إلى قانون الانتخابات الجديد الذي لا يتفق مع قناعاته، وهو إلى ذلك مخالف للدستور ويحرم الناخب من حق الاختيار ويغيّب البرامج السياسية، كما أنه يجعل أعضاء اللائحة الواحدة يطعن أحدهم الآخر في الظهر. لكن الحقيقية التي تتجاوز الأسباب المذكورة أعلاه، ترتبط مباشرة بأسباب أخرى وهي على الشكل التالي:
1- الدور السلبي الذي لعبه السنيورة في قضية اعتقال سعد الحريري في السعودية، حيث طمع السنيورة بالعودة إلى رئاسة الحكومة من جديد مستغلاً غضب السعودية على الحريري، وقالت مصادر إعلامية في ذلك الوقت إنه جرى تحالف بين الرياض وفؤاد السنيورة على أن يقوم الأخير بقيادة التيار الأزرق ورعاية المصالح السعودية في لبنان بدلاً من الحريري الذي لم ينجح في الكثير من المهام بما فيها التصدي لـ “توسع حزب الله” داخلياً في لبنان. وبعد عودة سعد الحريري من الاحتجاز في 22 تشرين الثاني 2017 تسلّم الحريري قيادة تياره حاجباً سلفه عن القيام بأدواره مقصياً إياه من جميع صلاحياته في التيار. وكان من المتوقع إبعاده مع نواب آخرين ووزراء مثل أشرف ريفي من المشهد الانتخابي في أيار 2018.
2- المفاضلة السياسية: ويعدّ من الأسباب الأخرى التي أدّت إلى تراجع السنيورة عن ترشحه للانتخابات وهي المفاضلة التي وقع فيها مع “العمة” بهية الحريري إذ يدرك السنيورة أنه ليس في وسع تيار المستقبل في صيدا سوى الحصول على مقعد سنّي واحد، بينما سيؤول الآخر إلى النائب السابق أسامة سعد بمعية الدعم الذي يقدّمه حزب الله وحركة أمل للائحته. يعني أن سقوط أحدهما حتمي. ويقول محللون في هذا الشأن إن سعد الحريري والأوساط في تيار المستقبل تعمدوا تكرار اسم بهية الحريري وترشيحها المسبق عن عاصمة الجنوب لإيصال رسالة إلى السنيورة مفادها أن دورك قد انتهى في المشهد السياسي المستقبلي.
3- حاول الحريري إذلال السنيورة عبر إقناعه بالترشح عن دائرة بيروت الثانية أو في لائحة تيار المستقبل في زحلة، إلا أن السنيورة رفض هذا العرض متيقناً أن قبوله بعرض الحريري يعني نهاية لعمله السياسي، صحيح أنه كان سينجح في الانتخابات إلا أن مكانته السياسية ستنخفض في الشارع السنّي لذلك فضّل التنحي على الإذلال.
4- في المقلب الآخر، رأت بعض الأوساط السياسية أن عزوف السنيورة عن الترشح للانتخابات النيابية يعود إلى تيقن الحريري من أن سقوط السنيورة المحتم في الانتخابات النيابية سيكون بمثابة سقوط مدوٍ للتيار الأزرق، حيث يعدّ السنيورة من الركائز الأساسية لتيار المستقبل منذ عهد الرئيس السابق رفيق الحريري إلى يومنا هذا كما أنه كان القائد الفعلي لقوى 14 آذار في الداخل وكان القائد الفعلي لتيار المستقبل في الفترة التي غاب فيها الحريري بين عامي 2011- 2014.
إذاً في المحصلة يمكن القول إن زيارة الحريري إلى الرياض قد كشفت أولى أسرارها بالاستغناء عن فؤاد السنيورة، أما السرّ الآخر الذي ينتظره اللبنانيون هو سرّ سمير جعجع الذي يستمر غموضاً ومن المرجح الكشف عنه في القادم من الأيام للاستغلال الانتخابي وشدّ العصب السني حول سعد الحريري الممثل الأول للسعودية في لبنان في الوقت الراهن.