فتش عن المرأة .. قصة الضابطة اللبنانية التي اتهمت الفنان زياد عيتاني بالعمالة
لن ينسى المخرج المسرحي اللبناني، زياد عيتاني طيلة حياته قضيته المريرة الناجمة عن اتهامه بـ«العمالة لإسرائيل»، والتي سجن وعذب على إثرها قبل أن يعلن وزير داخلية بلاده أول أمس أنه بريء، وأنه ضحية لمؤامرة كيدية من امرأة ذات منصب حكومي رفيع.
سيفرج عن الرجل قريبًا، لكنه أيضًا قبل أن يخرج ويحتضن ذويه الذين عانوا كثيرًا خلال اعتقاله من تشويه سمعتهم وظلم ابنهم، عليه مواجهة معركة جديدة أدخلته هذه المرة المعترك السياسي الانتخابي بسبب المحاصصة الطائفية التي لعبت دورًا منذ البداية في قضيته.
المخرج «عيتاني» في قفص الاتهام
بينما كان المخرج «زياد أحمد عيتاني»، وهو ممثل ومخرج وكاتب مسرحي، يوم 23 من تشرين الثاني الماضي، جالسًا مطمئنًا في بيته يفكر ربما في عمل مسرحي جديد يكتبه أو يخرجه، اقتحمت قوات الأمن اللبناني منزله واقتادته معها إلى السجن.
في صباح اليوم التالي، علم جُل اللبنانيين عبر تطبيق (واتساب) بخبر اعتقال عيتاني بتهمة «العمالة لإسرائيل»، لكن صدمتهم بهذا الخبر سرعان ما تحولت إلى تهمة مصدقة لهم قبل خروج أي معلومة عن القضاء، وتثبت اللبنانيون بصحة هذه التهمة حين سربت وسائل إعلامية مقربة من «حزب الله اللبناني» معلومات حرفية من محاضر التحقيق مع عيتاني.
وهكذا صدر الحكم الجماهيري الذي أفاد بأن «زياد عميل للعدو الإسرائيلي»، وهو الحكم الذي أخذ فيما بعد الأمن اللبناني يؤكده، كما أخذ الإعلام اللبناني يغدق في تفاصيل عديدة لهذه القضية، وصلت إلى حد نشره صورة لممثلة إسرائيلية تدعى «غال غادو»، ذكر أنها هي ضابطة الموساد التي جندت عيتاني.
وقد جاء في بيان أمن الدولة اللبناني آنذاك، أنه تم إيقاف عيتاني: «بجرم التخابر والتواصل والتعامل مع العدو الإسرائيلي، حيث قامت وحدة متخصصة من أمن الدولة، بعد الرصد والمتابعة والاستقصاءات على مدار شهور داخل الأراضي اللبنانية وخارجها، وبتوجيهات وأوامر مباشرة من المدير العام، اللواء طوني صليبا، بتثبيت الجرم فعليًا على المشتبه به زياد عيتاني».
وأضاف البيان أيضًا: «في التحقيق معه، وبمواجهته بالأدلة والبراهين، اعترف بما نسب إليه، وأقرّ بالمهام التي كلف بتنفيذها في لبنان، ومنها تزويدهم (الإسرائيليين) بمعلومات موسعة عن شخصيتين سياسيتين بارزتين، سيتم الكشف عن هويتهما في بياناتنا اللاحقة، والعمل على تأسيس نواة لبنانية تمهّد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقفين».
تغيرت الأمور كلية مع قدوم آذار الحالي، حين عجل القاضي اللبناني «رياض أبو غيدا» الذي كان يحقق في قضية عيتاني، بإعلان إعادة التحقيق في قضية عيتاني، لوجود ثغرة في الملف المحال إليه من المديرية العامة لأمن الدولة، وكان ذلك طلبًا أيضًا لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
أما وزير الداخلية «نهاد المشنوق» فقد سبق الجميع حين كتب تغريدة بمثابة إعلان لبراءة عيتاني، قال فيها «كل اللبنانيين يعتذرون من زياد عيتاني.. البراءة ليست كافية، الفخر به وبوطنيته هو الحقيقة الثابتة الوحيدة، البيروتي الأصيل العربي الذي لم يتخل عن عروبته وبيروتيته يومًا واحدًا».
فيما قالت عائلة «عيتاني» التي تنتظر الآن إطلاق سراحه إنّها «لم يكن لديهم أيّ شك ببراءة زياد منذ البداية لكونهم ترّبوا على مبادئ، فوالد زياد كان في منظمة التحرير الفلسطينية وأصيب في العرقوب والعداء لإسرائيل هو من المسلمات لديهم، وزياد لا يمكن له أن يخون بلده أو مبادئه».
يشار إلى أن عيتاني ممثل لبناني ولد عام 1975، له أعمال مسرحية هزلية تناولت تاريخ مدينة بيروت وعاداتها، وهو ينتمي إلى أكبر العائلات البيروتية عددًا، ويُعتبر من الشخصيات العامة والمؤثرة، وقد نجح الرجل في تمثيل بعض المسرحيات مُنفردًا خلال السنوات القليلة الماضية.
«المرأة الأقوى» تنتقم من الشخص الخطأ
بدأ الصحافي اللبناني «فداء عيتاني» المعركة وحيدًا، سلط الضوء في سلسلة تقارير نشرها على مدوّنته الخاصة، على عملية تعذيب تعرض لها عيتاني واعترف تحتها بالعمالة، كذلك كان أول من تحدث عن ارتباط التهمة بـإقالة المقدّم «سوزان الحاج حبيش» من رئاسة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية.
ومع انضمام بعض الأصوات الحقوقية التي رأت ضعفًا في الأدلة الموجهة لعتياني، برزت علامات استفهام حول إمكانية وجود رواية أخرى، مختلفة تمامًا عن رواية أمن الدولة اللبناني، فطرح سؤال يستغرب من تكليف عيتاني من قبل الاحتلال باغتيال شخصية سياسية هامشية كالوزير السابق عبد الرحيم مراد، وكذلك اعتبر سبب اختيار الموساد التحضير لاغتيال وزير الداخلية نهاد المشنوق هو أمرًا غير منطقي، كما أثار الطلب بتكليف عيتاني تأسيس نواة تطبيع ثقافي مع الإسرائيليين الكثير من الغرابة.
يقول مدير مؤسسة لايف المحامي «نبيل الحلبي»: «السياسيون الذين ذُكِرت أسماؤهم لا يملكون الأهمية السياسية التي تجعل منهم هدفًا للعدو الاسرائيلي، حتى يلجأ إلى هذه العملية وإلى الاعتماد على مخرج مسرحي لتنفيذ مهمة التجسس والمراقبة ، فيما باستطاعة هذا العدو الاعتماد على التقنيات الحديثة التي يملكها».
ويضيف الحلبي لـ«جنوبية» أنّ «هؤلاء الأشخاص لم يرتكبوا فقط جريمة التلفيق والافتراءات الجنائية بل قاموا أيضًا بالتحريض وبتشويه سمعة شخص له قيمة في المجتمع والتشهير به عبر وسائل الإعلام وهناك صحافيون تورطوا بالترويج لهذه الفضيحة وكانوا ينقلون مجريات التحقيقات التي كان يجريها جهاز أمن الدولة مع زياد بدون أن يتحرك القضاء ضدهم لاختراقهم سرية التحقيقات واستثمارها من أجل التشهير بسمعة الضحية».
وقام مؤخرًا الأمن اللبناني بتدقيق في الحسابات الإلكترونية المشبوهة التي كانت تراسل عيتاني، وتم تحديد «قرصان إنترنت» لبناني، يعمل مخبرًا لجهاز أمن الدولة، وبعد القبض على الرجل الذي عرف باسم «إيلي الغبش» والتدقيق في أجهزته الإلكترونية، اعترف أنه اخترع شخصية «كوليت»، بناءً على طلب المقدم في قوى الأمن الداخلي الضابطة «سوزان الحاج حبيش».
منذئذ وضعت «الحاج حبيش» التي توصف بأنها «المرأة الأقوى في لبنان» في موضع الاتهام، وتم اعتقالها من بيتها في الثاني من مارس الحالي، وهي الآن تواجه تهمة «فبْركة» ملف عيتاني عبر هاكر بهدف تلفيق تهمة التواصل له مع ضابطة وهميّة في الموساد، متسببة بسجنه خمسة أشهر بتهمة العمالة لدواعٍ كيدية.
وحول الأسباب التي تقف وراء هذا الانتقام، تؤكد المصادر اللبنانية أن ذلك يعود إلى اعتقاد «الحاج حبيش» أن عيتاني هو من التقط «سكرين شوت» لإعجابها بتغريدة للمخرج شربل خليل، تسيء إلى المرأة السعودية، حيث قال الأخير عقب قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة إن «السماح للمرأة السعودية بالقيادة يجب أن يكون فقط للسيارات المفخخة»، وهي الحادثة التي أطاحت بـ«الحاج حبيش» من منصبها في إدارتها لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي، في تشرين الأول 2017.
وتقول المصادر اللبنانية إن سوزان وقعت في خطأ تشابه الأسماء، حين اعتقدت أن «زياد عيتاني» المُمثل هو من أوشى بها، بينما كان في الواقع «زياد عيتاني» الصحافي من نشر الصورة قبل أن تقوم هي بحذف الإعجاب، وحين قررت الانتقام، لم تميز بين «الزيادَين»، فكان انتقامها من نصيب المخرج عيتاني، يشار إلى أن «الحاج حبيش»، أقيلت في السابق من منصبها الإداري في شركة (جوجل)، بسبب قيامها بانتهاك الأنظمة والقوانين، وضلوعها في نشاط غير قانوني.