وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تعتبر روسيا والصين ابرز التحديات

تتألف وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي أصدرتها مؤخراً حكومة ترامب في 18 كانون الأول 2017، من مجموعة التقارير التي يتوجب على جميع الرؤساء الأمريكيين وفقاً لقانون صدر في عام 1986 تقديمها إلى الكونغرس على شكل وثيقة، وهذه التقارير هي مجموعة من المعلومات الاستخبارية المهمة تجمع في وثيقة من عدة نقاط وتنعكس بشكل كبير على السياسة الخارجية والدفاعية للبلاد ويجري مناقشتها في الكونغرس الأمريكي بشكل مطوّل.

ويبدو أن الوثيقة الصادرة عن البيت الأبيض لهذا العام لا تختلف من حيث الهيكلية فقط عن الوثائق السابقة للرؤساء الأمريكيين السابقين (جمهوريون وديمقراطيون) بل تختلف من حيث المفهوم أيضاً. وهذا التمايز ظهر بشكل جلي في المواقف المتخذة داخلها في التعاطي مع روسيا والصين.

أولاً، إن هذا الموقف يرجع إلى حدّ كبير إلى زيادة الضغط الداخلي من متطلبات السياسة الخارجية. ففي مستهل وثيقة الاستراتيجية اُعتبرت روسيا والصين من التحديات الكبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث وضعتا إلى جانب كل من كوريا الشمالية وإيران اللتين تهددان أمن واقتصاد أمريكا في العالم. ومن المسلّم أن كلاً من روسيا وإيران وكوريا الشمالية لا يشكّلون أي خطر اقتصادي على أمريكا لأن لهذه البلدان قدرات اقتصادية محدودة. إلا أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تمكّنت من اتخاذ إجراءات في السنوات الأخيرة باستخدام الدعاية والأدوات الأخرى (تقنيات الاتصال الحديثة) لتشويه سمعة الديمقراطية داخل أمريكا ما أدّى إلى توسيع الأفكار المعادية لأمريكا وإيجاد خلاف بين الأمريكيين. وهي البلد الوحيد الذي ذكر اسمه في الوثيقة، 18 مرة إلى جانب مفاهيم مثل (منافس، تشكّل تحدياً، شكل تهديداً، كيان طموح، المفاهيم العدوانية، أساليب مدمرة، مزعزعة للاستقرار…) ولا شكّ أن أحد أهم التحديات التي واجهتها الحكومة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب في العام الماضي هي مسألة تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وعلى الرغم من أن موسكو والبيت الأبيض رفضا التهمة الموجهة إليهما، إلا أن المؤسسات الاستخباراتية والأمنية والعديد من أعضاء الكونغرس، يؤكدون وجود أدلة قوية على العلاقة المباشرة (دعم مالي وإعلامي) بين الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الحالي وبعض المؤسسات والأفراد المقربين من الكرملين. كما أنه لا يمكن مقارنة الردود الداخلية على هذه القضية بأي من القضايا الصعبة خلال العقدين الماضيين مثل الصراع اليوغوسلافي وكوسوفو والقضية الأوكرانية الشرقية وضم شبه جزيرة القرم وثورات “الربيع العربي” التي حصلت في ليبيا ومصر وتونس وظهور تنظيم داعش الإرهابي في العراق وغيرها من القضايا العالمية.

ثانياً، إن الاستراتيجية المحورية لهذه الوثيقة ليست عبارة عن سياسة أو نهج محدد في مجال السياسة الخارجية، بل هي استراتيجية عسكرية واضحة وتسمى مبدأ الاستراتيجية الواقعية. ويعدّ الحفاظ على التفوق العسكري واستخدام القوة العظمى في جميع أنحاء العالم الوسيلة الوحيدة لتأمين السلام الذي تريده أمريكا عوضاً عن استخدام الأساليب الديمقراطية من أجل نشر قيم مثل العولمة وحقوق الإنسان والسلام مع الحكومات المنافسة لأمريكا التي كانت تحاربها في السنوات الماضية، وبدون تقديم رؤية واضحة للسياسة الخارجية الأمريكية والتأكيد على التهديدات والمنافسات بين أمريكا وروسيا منذ الحرب الباردة، حتى الآن، لن يكون هناك مستقبل للعلاقات بين البلدين سوى زيادة العقوبات والقيود في مختلف مجالات التكنولوجيّة والعسكريّة والاقتصاديّة والإعلاميّة… أما بالنسبة لروسيا، فهناك استمرار لسياسة الاحتواء وضبط النفس.

وبطبيعة الحال، فإن نشر هذه الوثيقة أثار ردود فعل سلبية وسخطاً في روسيا. وبغض النظر عن التهديد الذي تشكّله مصالح موسكو في المناطق المحيطة (التي ينظر إليها تقليدياً على أنها مجال النفوذ) في سوريا والشرق الأوسط، فإن العواقب الطويلة الأجل لهذا النهج الأحادي الجانب من جانب أمريكا قد تهدد الهيكلية الإقليمية المتعددة الأقطاب التي فرضتها روسيا على مدى العقود الماضية خاصة وأنها خسرت الكثير من أجل تحقيقها وخصوصاً في علاقتها مع الغرب. ووفقاً لبعض الخبراء الروس البارزين، فإن هذا لا يقوّض الأمل في تحسين العلاقات فحسب، بل يثير أيضاً جولة جديدة من الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم، كما أنه لا يمكن تغيير عواقبها بسهولة حتى مع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخروجه من البيت الأبيض.

في الخاتمة، أظهرت النظرة العامة للعلاقات بين إيران وروسيا في العقود الأخيرة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية أنها كانت دائماً تتأثر بالعلاقات الخارجية لكلا البلدين مع الغرب، فكانت تتسم بالتقلب في بعض من الأحيان. أما اليوم، وبسبب احتمال عدم تحسن العلاقات الروسية – الأمريكية والروسية – الأوروبية يمكن أن تكون في حدّ ذاتها فرصة لاستمرار العلاقات المتنامية بين الجمهورية الإسلامية في إيران والاتحاد الروسي، والتي بفضلها استطاع الطرفان تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة وإنهاء مشروعه التقسيمي فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى