في ضوء العولمة الليبرالية الأميركية المتوحشة الحالية التي تقتل الإنسان في عالم الجنوب،لم تعد الإمبريالية الأميركية طليقة في شن الحروب ضد الدول المناوئة لسياستها في منطقة الشرق الأوسط،كما فعلت ذلك من قبل في حربي أفغانستان 2001، والعراق 2003،و إن كانت في حال حرب العراق، قام الأكراد وقوات البيشمركة بتوفير غطاء اجتماعي لقوات التحالف الدولي لغزو العراق، غير أنه في الحالة السورية ، فإن القوى الدولية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية قامت بالتدخل في الحرب الإرهابية الكونية على سوريا ، من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية بالسلاح الخفيف و الثقيل ، حيث تلقت القوات الكردية في سوريا آلاف الأطنان من السلاح الأميركي، وهو ما أثار حفيظة تركيا.و لأسباب أخرى تتعلق بمخطط تقسيم سوريا إلى دويلات على أساس طائفي ومذهبي وعرقي، قامت الولايات المتحدة الأميركيةمنذ 2014 بإعداد برنامج تدريب و تجهيز السوريين من المعارضين غير الإسلاميين الموجودين في تركيا و المنضوين فيما يسمى ب«الجيش السوري الحر»بقيمة 500مليون دولار. وقد تم تحديد 700 مرشح لتلقي التدريب الذي تولاه 1000جندي أميركي، ونحو 100 جندي بريطاني، إلا أن قوات «الجيش السوري الحر» واجهت مصائر مجهولة بعد دخولها سوريا على أيدي التنظيم الإرهابي الآخر«جبهة النصرة» المدعوم من قبل تركيا و المملكة السعودية وقطر، على الرغم من التغطية الجوية الأميركية لهم. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017، دشنت الولايات المتحدة الأميركية فصلاً آخر من البرنامج لتدريب و تجهيز قوات سوريا الديمقراطية «قسد» لمحاربة «داعش»، وتحرير الرقة، بهدف تأبيد احتلالها للشمال الشرقي لسوريا، حيث تتواجد الثروة النفطية و الغازية .
خلال الشهر الماضي، أصدرت إدارة ترامب إعلانين مهمّين عن سوريا. ففي 17 كانون الثاني 2017، قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إنّ تقليص النفوذ الإيراني ومنع طهران من [تحقيق] «أحلام القوس الشمالي» كانا من بين أهداف واشنطن الخمس الأساسية في الحرب، وأنّ القوات الأميركية البالغ عددها 2000 جندي والتي تم نشرها في سوريا ستبقى هناك من أجل تعزيز هذا الهدف. وبعد ذلك بأسبوع، أصدر وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس وثيقة «استراتيجية الدفاع الوطني» التي أشارت مرة واحدة فقط إلى سوريا، ولكن تعاملت مع المسألة بشكل صحيح على أنّها مشكلة إيرانية، حيث رأت أنّ «المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي للأمن القومي الأمريكي». ولم تذكر الوثيقة الميليشيات في سوريا، وجاءت الاستجابة الإجمالية للإدارة الأمريكية لهذه المشكلة فاترة في أحسن الأحوال. ومن خلال إعادة توجيه استراتيجية الدفاع الأمريكية نحو المنافسة بين القوى الكبرى التي تضم الصين وروسيا ونحو البرنامج النووي الإيراني، أشارت الإدارة الأمريكية إلى أنها لن تمنح أولوية إلى هيئة معيّنة ما لم تشكّل تهديداً مباشراً على الوطن.
وبعد هزيمة مخطط تقسيم سوريا،وإسقاط الدولة الوطنية السورية،والهزيمة النكراء النكراء للكيان الصهيوني بعد قيام الدفاعات الجوية السورية بإسقاط طائرته التي سماها العاصفة، هاهي الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من القوى الغربية ،وأدواتها الإقليمية (تركيا و الكيان الصهيوني و الدول الخليجية)حماية أداتها الرئيسية في الغوطة الشرقية تنظيم جبهة النصرة الإرهابي والمجموعات المسلحة المرتبطة به،«جيش الإسلام»، و«فيلق الرحمن»، وتريد إدارتها العدوانية ومعها كل إدارات العدوان على سورية نسف أي بارقة أمل لحل سياسي مفترض والعمل على زعزعة الأمن في سوريا عموماً ودمشق خصوصاً، ومئات قذائف الحقد على المدنيين الأبرياء خير شاهد على ذلك.
تدّعي الولايات المتحدة الأميركية و الدول الغربية الأخرى الحليفة لها كفرنسا وبريطانيا، و الدول الإقليمية الراعية للتنظيمات الإرهابية، زوراً وبهتاناً أنها مع تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2401حول وقف الأعمال القتالية في الغوطة الشرقية وبقية الأراضي السورية وإدخال المساعدات الإنسانية ،و تستخدم الشماعة الإنسانية في كل مرة يتقهقر فيها إرهابيو تنظيمي «النصرة» و«داعش»، ومن يرتبط بهما من جماعات إرهابية أخرى مثل «جيش الإسلام»و «فيلق الرحمن»,و«جبهة أحرار الشام»، لفرض تهدئة جديدة تحت المسمى «الإنساني»،وهي تنشر الفوضى الهدامة والموت والخراب والدمار وتؤسس المزيد من الميليشيات القاتلة لتقويض سيادة ووحدة وسلامة أراضي سوريا وإطالة أمد الأزمة فيها، وإنقاذ المجموعات الإرهابية من ضربات الجيش العربي السوري، وإعطائهم فرصة أخرى لإعادة ترميم صفوفهم المنهارة، وهو ما حدث خلال جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة، لإنقاذ الإرهابيين في الغوطة الشرقية من هزيمتهم.
ففي الوقت الذي أخذت به الحكومات الغربية تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان في الغوطة الشرقية قد أغمضت عيونها عما يجري في غزة حيث يعيش السكان في وضع مزر من الجوع جراء الحصار الخانق طويل الأمد الذي يفرضه النظام الإسرائيلي المدعوم أميركيا في انتهاك صارخ لقرارات الأمم المتحدة، كما وتغض تلك الحكومات الطرف عما جرى في مدينة الرقة التي أضحت ركاما ، من جرّاء الغارات الجوية الأميركية التي أطلقتها الولايات المتحدة 31000 قذيفة وقتلت أكثر من 3200 مدني ودمرت خط أنابيب مياه الرقة الذي يزود السكان المدنيين بالمياه خلال العام الماضي ، كما وأن تلك الحكومات تضرب صفحا عما جرى لآلاف المدنيين الذي قضوا في الموصل جراء القصف الجوي الأميركي وعن القصف السعودي المدعوم أميركيا للعاصمة اليمنية صنعاء، بينما نرى ونسمع زعيق ماكينة الإعلام الغربي التي تنشر صور الغوطة الشرقية وتطالب بالتدخل العسكري الأوسع لدول الناتو لمواجهة الحكومة السورية التي تسعى إلى تطهير أراضيها وتخليص مواطنيها من الإرهاب، وإزاء ذلك نتساءل عما يمكن أن تتصرفه كل من واشنطن أو لندن أو باريس في حال تعرضهم لموقف مشابه.. فهل سيلقى التدخل في شؤونهم الداخلية ترحيبا منهم؟
وكان مصدر عسكري سوري أكدّيوم الثلاثاء 27شباط 2018، أنّ الحكومة السورية أحبطت مخططًا اسرائيليًا – أميركيَا كان يُدبر في الغوطة الشرقية بريف دمشق.وأضاف المصدر،إن المخطط كان يقضي أن يقصف الطيران «الإسرائيلي» عدة مواقع للجيش السوري بريف دمشق ليمهد لإرهابيي «جيش الإسلام »الإنطلاق من مواقعه في كل من بلدتي «النشابية وأوتايا» في الغوطة الشرقية باتجاه القلمون الشرقي الذي يشهد مصالحة، وبالمقابل كان حوالي 5 آلاف داعشي يتجهزون في منطقة «التنف» على الحدود السورية العراقية والتي تتواجد فيها قاعدة أمريكية، للانطلاق باتجاه أرياف دمشق للدخول إلى الغوطة الشرقية بغطاء جوي من قبل طيران التحالف الأميركي على الطريق الذي يسلكونه، وبالتالي إنشاء قاعدة أميركية في الغوطة الشرقية وهو ماتسعى إليه المجموعات المسلحة بغية تهديد أمن العاصمة دمشق.وتمكن الجيش العربي السوري من إفشال تقدم ميليشيات «جيش الإسلام» باتجاه القلمون الشرقي انطلاقاً من مواقها في الغوطة الشرقية.ولفت المصدر الى ان هذا المخطط سرّع في إرسال قوات النخبة وفرق وألوية في الجيش السوري إلى محاور الغوطة الشرقية لبدء عمل عسكري هو الأضخم لتحرير كامل الغوطة الشرقية، الأمر الذي لم يتوقعه «الإسرائيلي» ولا الأميركي الذين أدركوا أن مخططهم بدخول إرهابييهم إلى العاصمة السورية بات أمراً مستحيلا.واوضح أن قرار الحسم العسكري في الغوطة الشرقية لدمشق اتُخذ ولن تتراجع العمليات حتى إعلان كامل المناطق محررة من ايدي العصابات الإرهابية التي تمطر أحياء العاصمة بعشرات الصواريخ والقذائف بشكل يومي.
في هذا السياق أكدّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بعض الدول تستغل مسألة حقوق الإنسان لتحقيق مصالحها السياسية وبدلا من إدانة الإرهاب تقسمه إلى إرهاب طيب وآخر شرير مشددا على استمرار روسيا في توفير الدعم للجيش السوري لاجتثاث هذا الإرهاب. بدوره أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن قرار مجلس الأمن الدولي 2401 الذي يدعو إلى وقف الأعمال القتالية في سورية لمدة 30 يوما على الأقل لا يشمل تنظيمي «داعش» وجبهة النصرة الإرهابيين والفصائل المرتبطة بهما وبالتالي فإن عمليات الجيش السوري ستستمر ضدهم. وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البرتغالي أوغستو سانتوس سيلفا في موسكوالأسبوع الماضي : هناك مجموعات مسلحة سواء في الغوطة الشرقية أم في إدلب يقدمها شركاؤها ورعاتها الغربيون على أنها معتدلة وبينها «أحرار الشام »و«جيش الإسلام» لكنها تتعاون مع تنظيم جبهة النصرة المدرج على قائمة مجلس الأمن الدولي للتنظيمات الإرهابية وهذا يجعلها غير مشمولة بقرار وقف الأعمال القتالية وبالتالي تعد أهدافا شرعية لعمليات الجيش السوري وكل من يدعمه». وأوضح لافروف أن الإرهابيين في الغوطة الشرقية يواصلون قصف العاصمة دمشق ويعرقلون تنفيذ قرار مجلس الأمن 2401 باستهداف الممر الإنساني الذي وفرته الحكومة السورية بالتعاون مع روسيا وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين في مخيم الركبان ومنطقة التنف.
و فيما دخلت الهدنة الإنسانية التي أعلنتها موسكو حيز التنفيذ في الغوطة الشرقية الواقعة على تخوم العاصمة دمشق صباح يوم الإرعاء 28شباط 2018، والتي تقوم على وقف إطلاق النار يوميا لمدة خمس ساعات من الساعة التاسعة صباحا حتى الثانية ظهرا ،كي يفسح في المجال بها لإجلاء المدنيين عبر معبر مخيم الوافدين، حيث جاءت تلك الخطوة بعد تبني مجلس الأمن الدولي القرار 2401 الذي ينص على هدنة أمدها 30 يوما في كافة أرجاء سورية، استهدف إرهابيو تنظيم «جبهة النصرة» والمجموعات التابعة له، لليوم الثاني على التوالي الممر الآمن المحدد لمرور المدنيين الراغبين بالخروج من الغوطة بغية منعهم من الخروج والاستمرار في احتجازهم، لمواصلة استخدامهم كدروع بشرية. وذلك في ترجمة واضحة للأوامر والتعليمات الأميركية والغربية، ولحملاتهم المسعورة لمواصلة استهداف الدولة السورية.
إن إسناد الولايات المتحدة الأميركية مهام خوض الحرب الإرهابية على الدولة الوطنية السورية في إطار حروب الإنابة و القوات الإرهابية البديلة ،هو جزء من الاتجاه العالمي لخصخصة الحروب، وخصخصة المجالات الأمنية و العسكرية بشكل كامل، وهذا يتماشى بشكل كبيرمع الاستراتيجية الأميركية في عصر العولمة الليبرالية، التي باتت ترى أن خوض الحروب التقليدية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر شديد التكلفة على الاقتصاد الأميركي،نظرا لهشاشة الظرف الاستراتيجي الذي يمر به النظام الدولي الذي يمر بمخاض صعب.والحا هذه نجد الإمبريالية الأميركية وفي ذات الوقت الحاضر تعتمد على القوى الإرهابية العاملة في سوريا كجيش من المرتزقة لخوض حروبها بالوكالة، لاستنزاف الجيش العربي السوري ومحور المقاومة، حتى تظل القوات الأميركية مُحْتَلَّة ًبشكل غير شرعي لجزء من الأراضي السورية في تناقض كلي مع القانون الدولي، تحت غطاء الادعاء بأنها تحارب ميليشيات إرهابية مسلحة. في الوقت الذي يؤكده الواقع بأن الأميركيين قد قدموا الرعاية لمختلف المجموعات الإرهابية بغية مساعدتها للوقوف في مواجهة قوات الحكومة السورية المتقدمة لتطهير أراضيها من رجس الإرهاب. ويزيد الأمر سوءاً أن تخرج الولايات المتحدة علينا لتقول بأنها تتصرف بداعي «الدفاع عن النفس أمام المجازر» التي يرتكبها الجيش السوري. أما قمة الحماقة فقد شهدناها بالموقف الفرنسي، حيث توعد ماكرون بقصف سورية إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، وأخذ يطلق إنذاراته بضرورة انسحاب المجموعات الإيرانية التي قدمت إلى سورية تلبية لدعوات دمشق. وفضلاً عن ذلك، نفذت إسرائيل أكثر من 100 غارة جوية على سورية، مدعية بأن اعتداءاتها هي عبارة عن «الدفاع عن النفس».
في النهاية، تظل الدولة الوطنية السورية صاحبة السيادة في سوريا كما هو معترف به في قرارات الأمم المتحدة، ومن حقها الدفاع عن نفسها واسترداد المناطق التي اغتصبتها المجموعات الإرهابية بشكل غير شرعي. ذلك لأن كل الإرهابيين ليسوا في واقعهم سوى وكلاء يتلقون الدعم من الخارج لشن حرب على هذا البلد وتنفيذ مخططات صممها وأعدها رعاتهم الغربيون.