قراءة في خطاب محمود عباس

رغم يقيني بأن (إسرائيل) لا ترغب بالسلام وليست قادرة على تحقيقه، وستضع العراقيل حتى في حال التوصل إلى اتفاق، وإن انتقص من الحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني ، فضلاً عن الحقوق التي أقرت بها الشرعية الدولية (المنقوصة هي الأخرى ) ورغم أن المبادرة العربية ” للسلام ” قدّمت لإسرائيل أكثر مما قدمت للشعب الفلسطيني..ورغم أن الوضع العربي والإسلامي الراهن منشغل عن القضية الفلسطينية بما حيك ضد الأمة من مؤامرات، وبخاصة ضد سورية والعراق واليمن وليبيا والجزائر ومصر، هو أفضل وقت يمكن أن تنتهزه إسرائيل للحصول على اتفاق ، إلا أنها تزداد غطرسة وعدوانية وباتت تمد عدوانيتها خارج ما إحتلت وهوّدت من أراضٍ، وهي في ذلك كله تجد من يشجعها إقليميا ودولياً .

ورغم أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه أمام مجلس الأمن بتاريخ 20 شباط 2018، بدا متهافتاً أكثر مما ينبغي من وجهة الخصوم السياسيين وغير الخصوم ، إلا أنه في جوانب من خطابه، طرح قضايا هامة يمكن البناء عليها، يتجاهلها الخطاب الرسمي العربي ؛ حيث قال أنه خلافاً للمادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة إحتلت إسرائيل أراضينا عام 1948 ولم يحاسبها أحد، فالإشارة إليها عودة لجذر وجوهر القضية الفلسطينية، وعدم شرعية احتلالها لأجزاء من فلسطين سنة 1948.

وذكّر عباس بالقرارين 181 و194 اللذين كانا شرطاً لقبول عضوية إسرائيل الدائمة في الأمم المتحدة ، وفق التعهد الخطي بالتنفيذ المقدم من موشيه شاريت (شارتوك) وزير خارجيتها في حينه، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل وتهربت من تنفيذه.. وبهذا المعنى فإشارة عباس إلى هاذين القرارين يعني أن عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية غير شرعية، وينبغي التحرك لطردها من المنظمة الدولية ، لمخالفتها قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن .

والأمر الثالث فند عباس إتهام الرئيس الأمريكي ترامب ؛ منظمة التحرير الفلسطينية بالإرهاب بناء لقرار اتخذه الكونغرس سنة 1987،رغم عقد المنظمة 83 اتفاقا أمنيا لمحاربة الإرهاب مع 83 دولة في العالم بما فيها أميركا وغيرها، ورغم  صدور 705 قرارات عن الجمعية العامة،و86 قراراً من مجلس الأمن الدولي لصالح قضية الشعب الفلسطيني .

والأمر الرابع خروج الولايات المتحدة الأمريكية،على الشرعية الدولية، في  جانبين على الأقل، بوقف أو تخفيض مساعداتها لـ وكالة (الأونروا) خلافا لقرار الأمم المتحدة وخلافا لتوقيعها على إنشاء الوكالة،والجاتب الثاني اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وقرارها بنقل سفارتها إليها وهو قرار مخالف للشرعية الدولية يستدعي المحاسبة .

الأمر الخامس تنويهه بقرار المجلس المركزي قبل أسابيع، وهو أعلى هيئة برلمانية فلسطينية، بإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، داعياً لتحملها المسؤولية كقوة قائمة بالاحتلال ، فهو في وضعه الحالي احتلال دون كلفة، أما أن يبقى الوضع على ما هو عليه، فهذا غير مقبول.. فإسرائيل تتصرف كدولة فوق القانون الدولي، وحولت حالة الاحتلال المؤقتة وفق القانون الدولي إلى حالة استعمار استيطاني دائم.

الأمر السادس الإيجابي في الخطاب سحب الثقة من واشنطن كوسيط ، والمطالبة بآلية دولية متعددة الأطراف لحل القضية الفلسطينية.

الأمر السابع المطالبة بحماية دولية للشعب الفلسطيني، وهذا في حال تطبيقه سيضع حداً للإستيطان والاعتقالات ومصادرة المساكن وتجريف الأراضي الخ ، أو هكذا يفترض.

الأمر الثامن وهوالأهم وهو الذي يبدو  أنه لم يكن مدرجاً في النص المكتوب في الخطاب ، حيث حذّر عباس من تحول الشعب الفلسطيني إلى الإرهاب أو اللجوء إلى اوروبا، في حال استمر استلاب حقوقه .. وكرسه عباس في ختام عندما قال: نرجو منكم؛ نرجو منكم ؛ نرجو منكم  ، مساعدتنا على أن لا نقترف شيئا لا يرضينا ولا يرضيكم ولا يرضي العالم.

الأمر التاسع .. أبرز الخطاب الوجه الحضاري التاريخي والراهن للشعب الفلسطيني ، كما إبرز استيعاب الآخر كأن تكون القدس الشرقية مفتوحة لكل الأديان ( وحبذا لو أن ذلك تضمن المطالبة بأن تكون القدس الغربية أيضا مفتوحة على العالم ) وكذلك أبرز الخطاب الوجه الديمقراطي من خلال الإستفتاء الذي سيطرح على الشعب الفلسطيني في حال (التوصل إلى اتفاق) لا أعتقد بامكانية التوصل إليه ..

وأخال أنه رغم ضآلة (الآمال) المعقودة على نتائج الخطاب والخطة التي قدمها الرئيس محمود عباس، فليتحمل الطرف الآخر ( وزر ) رفض مضمون الخطاب والخطة المقدمة ، علما أن فرصة المناورة أمام الإسرائيليين لن نكون طويلة هذه المرة، فالمنطقة والعالم يتغيران هرولة ضد أعداء الأمة العربية.

كان الخطاب ذكياً في مخاطبة العالم ، وبخاصة العقل الأوروبي والعالم الإمبريالي ، وأخاله حقق كسباً إضافيا لدى الأصدقاء، وإن لم يعجب أغلبية الشعب العربي والشعوب الصديقة التي ملّت من المفاوضات العبثية على مدى ربع قرن،استغلها الصهاينة بمزيد من الإستيطان والحصار والتنكيل بالشعب الفلسطيني والإستيلاء على المساكن وطرد سكانها الفلسطينيين منها ومصادرة وتجريف الأراضي وبناء الجدار العازل وسرقة المياه وغير ذلك .

أقول أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قدّم ما لم يمكن أن يقدمه أحد كفرصة أخيرة لما يسمى السلام ..هي فرصة (إسرائيل) الأخيرة، كما هي فرصة الشعب الفلسطيني بالحصول على الحد الأدنى للحد الأدنى من الحقوق فإن ضيّعها الصلف الإسرائيلي وهو الأرجح، بمساعدة الرئيس الأمريكي وأطراف إقليمية تابعة،فإن وجه المنطقة بعدها سيتغير جذرياً .. بخاصة ان محور المقاومة في صعود،ووقتها لن يلوم هذا المحور الصاعد أحد،وقد تمكن من كنس الإرهاب واشتد ساعده وتعددت تحالفاته،واكتنز ما يكفي من عناصر القوة والسياسة معاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى