لانها تريد توليد اسلامها الخاص .. اوروبا تلاحق الوهابية في مساجدها وتتفق مع السعودية على وقف تمويل دعاة التطرف

 

يعتزم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طرح خطة لإعادة هيكلة المؤسسات التمثيلية للمسلمين في بلاده بعيداً من «تأثير الدول العربية». يأتي ذلك في وقت تواصل فيه السلطات البلجيكية مفاوضاتها مع السعودية، لرفع يد الأخيرة عن أكبر مساجد بروكسل، الذي كان له دور في تصدير مقاتلين إلى الشرق الأوسط

في وقت لا تزال فيه الخشية من عودة الأجانب الذين سبق لهم القتالُ في صفوف تنظيم «داعش» مخيمة على الدوائر الرسمية في الدول الأوروبية، بدأت حكومات تلك الدول وضع خطط وتنفيذ إجراءات تستهدف معالجة الأسباب الكامنة خلف «نَفْر» أولئك المقاتلين، في إطار عملها المستجد على توليد ما بات يُعرف بأنه «إسلام أوروبي». «إسلام» يبدو أن القطع ما بين أماكن اجتماع المسلمين وممارستهم أنشطتهم (كالمدارس والمعاهد والمساجد)، وما بين التأثير العربي، وخصوصاً تأثير المملكة السعودية التي بات مسلّماً بدورها في تصدير دعاة وهابيين إلى أوروبا، سيكون من أبرز معالمه.

في هذا الإطار، يأتي حديث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن نيته «السعي للحد من تأثير الدول العربية على إسلام فرنسا لأنها تبعده عن الحداثة»، وفق ما نقلت عنه مجلة «لوجورنال دو ديمانش» قبل يومين. وفقاً للمجلة، فإن ماكرون يُعِدّ لـ«مخطط عام من أجل إعادة هيكلة الإسلام الفرنسي وتوضيح ماهيته»، خلال النصف الأول من عام 2018. المخطط الذي يسير «خطوة خطوة»، والذي يُجري الرئيس مشاورات بشأنه مع مثقفين وأكاديميين وممثلي ديانات، يتركز على نقاط عدة يتصدّرها إنشاء مؤسسات تمثيلية لمسلمي فرنسا، وإخضاع دور العبادة لرقابة مالية، وتأهيل أئمة فرنسيين للحلول محل الأئمة القادمين من دول أخرى، في مقدمها السعودية.

ويشكل إعلان ماكرون استجابة «متأخرة» لمطالب تصاعدت منذ الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» في 13 تشرين الثاني 2015. مطالب عمدت السلطات على إثرها إلى إغلاق مساجد اتُّهمت بأنها «تبث الكراهية»، وطرد دعاتها من الأراضي الفرنسية. إثر ذلك، ارتفع الجدل حول كيفية الحد من «التغوّل الوهابي»، خصوصاً مع تزايد المخاوف من عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم. وبرزت من بين تلك المناقشات دعوات إلى إغلاق المساجد والمعاهد التي أنفقت السعودية على إنشائها ملايين الدولارات، وإلى عدم المساومة على «السلم الاجتماعي» بالمصالح التي تربط باريس والرياض. اليوم، يُسجّل ماكرون محاولة للانفكاك من تلك المعادلة، و«الحفاظ على التماسك والانسجام الوطني»، في ظل استطلاعات رأي «مبشّرة» تقول إن 56% من الفرنسيين يعتبرون الإسلام متطابقاً مع قيم مجتمعهم، على عكس ما كانت غالبيتهم تؤمن به قبل عامين.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام ان السعودية قد سبق ان وافقت على التخلي عن إدارة أكبر مساجد بلجيكا وذلك في رسالة واضحة على أنها ستوقف الدعم للمساجد والمدارس الدينية التي تتهم بالترويج للإسلام المتطرف، وذلك في سياق نأي المملكة بنفسها عن الأفكار المتشددة داخليا وخارجيا ضمن مسعى إصلاحي واسع يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وكانت بلجيكا قد أعارت المسجد الكبير للسعودية في العام 1969 الأمر الذي أتاح لأئمة تدعمهم الرياض التواصل مع جالية متنامية من المهاجرين المسلمين مقابل الحصول على النفط بأسعار تفضيلية للصناعات البلجيكية.

وتريد بروكسل حاليا تقليص الروابط بين الرياض والمسجد الواقع قرب مقر الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بسبب رغبتها في إحكام المراقبة على مختلف المساجد ومنع المتشددين من توظيفها في الدعاية لأفكارهم.

وتشير السرعة التي قبلت بها الرياض ذلك إلى استعداد جديد من جانب المملكة للتأكيد على الاعتدال الديني وهو ما يمثل واحدا من الوعود الطموحة التي قطعها الأمير محمد بن سلمان بمقتضى خططه لإجراء إصلاحات واسعة في السعودية.

وقال وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون إن التفاوض ما زال جاريا على تفاصيل تسليم المسجد لكن الأمر سيعلن الشهر المقبل.

وتستهدف بلجيكا من الاتصالات الدبلوماسية بقيادة وزيري خارجية البلدين منع ما وصفه جامبون بأنه “رد مبالغ فيه” من جانب السعودية فيما يشير إلى أن الحكومة البلجيكية سعت لضمان عدم حدوث رد فعل دبلوماسي سلبي.

وقال جامبون إن الوضع “تحت السيطرة” في أعقاب زيارة لبلجيكا قام بها الشهر الماضي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

وتبين استطلاعات الرأي أن المخاوف بشأن المسجد تزايدت بعد أن بدأت جماعات متطرفة مثل تنظيم داعش تجنيد أحفاد هؤلاء المهاجرين الذين يقول الكثيرون منهم إنهم لا يشعرون بالانتماء إلى المجتمع البلجيكي.

ويمثل المقاتلون الأجانب الذين سافروا من بلجيكا إلى سوريا نسبة أكبر من أي بلد آخر في أوروبا وذلك بالمقارنة مع عدد السكان.

ويشير مسؤولون بلجيكيون الآن إلى أن الهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا، والتي تعتبر وثيقة الصلة بالجهات الرسمية في المغرب، يجب أن تدير المسجد الكبير.

ويقول قادة بلجيكيون إنهم يريدون أن يدعو المسجد إلى “إسلام أوروبي” يتفق أكثر مع قيمهم وهي نغمة مألوفة تتردد كثيرا في مختلف أنحاء أوروبا في أعقاب الهجمات التي شنها داعش في السنوات القليلة الماضية.

واعتبر باحث عربي متخصص في الإسلام السياسي تخلي السعودية عن إدارة المسجد الكبير في بلجيكا، ثم الإشارة إلى تخليها عن إدارة المساجد التي حظيت بدعمها، من الناحية الدينية، ليس منفصلا عن سياسة الاعتدال الذي هو جوهر السياسة السعودية الجديدة، في مواجهة الإرهاب والتطرف الديني.

وأشار الباحث في تصريح صحفي إلى أن المتطرفين، وبينهم مِن يُكفر الدولة السعودية نفسها، اتخذوا من هذه المساجد أمكنة للنشاط الديني، مشددا على أن السعودية ستقطع بهذا الإجراء دابر تلك السمعة النمطية عنها في احتضان تلك المساجد، وأن إعادتها للدول الأوروبية، يجعل تلك الدول تتحمل مسؤولية ما يصدر عن تلك المساجد من ممارسات أو أفكار متطرفة.

وترتبط المساجد التي أشرفت عليها السعودية في أوروبا عادة بالتطرف، واعتقد الكثيرون أنها غدت أوكارا للتشدد الديني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى