شرعت اسرائيل منذ بداية الصراع في ابتكار الاساليب والوسائل الأكثر فاعلية و التي من شأنها القضاء على روح المقاومة في داخل الجسد الفلسطيني ، فعلى الرغم من سياسة القتل الممنهج والعقاب الجماعي بالاضافة الى الترسانة العسكرية الهائلة الا انها لم تنجح في تغيير قناعات و افكار الشعب المقاوم واحقيته في ارضه لذلك لجأت الى الحرب العقلية فهي الأكثر تأثيراً على مسار المقاومة والتي بدورها لا تسير الا وفق دراسات وابحاث وتجارب حتى تعطي أكلها على اعتبارها سلاح من اسلحة الحرب .
حرب الأدمغة او كما اسماها موشيه يعلون ” كي الوعي ” حيث تستند هذه السياسة على نشر وترسيخ الافكار المسمومة والانهزامية في الشارع الفلسطيني مرتبطة بسياسة العقاب الجماعي لمنطقة معينة بعد حدث مقاوم ، فيبدأ الناس في تداولها حتى درجة الايمان بها وتحويلها الى وصية ابوية او نصيحة اخوية او الى رادع لمن يفكر في ذات الأمر او يمكن لنا القول انها عملية استهداف للمجتمع بكم من الافكار المتتابعة بهدف اجهاض اي عملٍ مقاوم في المستقبل
تطول الأمثلة بطول نضال الشعب وكفاحه ولكني اود أن أذكر احدث الأمثلة واكثرها شيوعاً في الشارع الفلسطيني ، أكثرها حساسية فيما يتعلق بالحروب المتكرر على قطاع غزة حيث اعلن وزراء وقادة في الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ان دمار قطاع غزة و من قبلها الضفة الغربية هي بفعل المقاومة و سياساتها وان قادة المقاومة بمختلف اطيافهم يعيشون في قصور و رفاهية بينما البؤس والشقاء من نصيب الجنود و الأتباع وكأن التحرير بلا ضريبة وثمن وأي شعب على مر التاريخ والعصور نال حريته بدون دماء . مع دخول انتفاضة الأقصى عامها الثالث و في عام 2002 بشكل خاص شرعت اسرائيل ببناء الجدار الفاصل على مئات الدونمات من الاراضي الفلسطينية الذي يفصل المناطق المحتلة عام 1948 عن مختلف ارجاء الضفة الغربية بحجة المحافظة على الامن الاسرائيلي ومع بدأ بناء الجدار عملت اسرائيل على بث فكرة تبرر سبب بناء الجدار وانه جاء بسبب العمليات الاستشهادية داخل المناطق المتحلة و لولا هذا ما بنت اسرائيل الجدار فرسخت سلبية العمليات الاستشهادية في الشارع الفلسيطيني حتى اصبحت مسلمات لدى البعض لايمكن تغيرها .
في عام 2015 عقب مقتل اثنين من المستوطنين بالقرب من مستوطنة ايتمار قامت اسرائيل على الفور باغلاق المدخل الرئيس لبلدة عورتا شرق نابلس و اجبارهم على سير طريق اخرى تزيد على الوقت الطبيعي قرابة العشرين دقيقة فكانت الفكرة الخبيثة انه لولا العملية لما اغلقت الطريق وغفل مروج الفكرة او حتى ناقلها ان هذه الطريق بقيت مغلقة طيلة فترة انتفاضة الاقصى.
قبل عدة ايام اعلنت حكومة الاحتلال عن شرعنة بؤرة حافات جلعاد المقامة جنوب نابلس كخطوة انتقامية في اعقاب عملية اطلاق النار والتي ادت الى مقتل الحاخام ” رازئيل شيفخ ” وكأن لسان الحال يقول انه لولا العملية لما شرعنت البؤرة وحولت الى مستوطنة ، أليس اسرائيل هي من شرعت قانون سرقة الاراضي قانون التسوية ؟ فهل هي بحاجة الى مبررات للاستمرار في مشروعها الاستيطاني ؟
فقد ضاعفت اسرائيل استيطانها وبأرقام مهولة في الوقت الذي كانت فيه تخوض مفاوضات ماراثونية بعد توقيع اتفاق اوسلو، وهي ليست بحاجة لمبررات تُذكر، وما نود قوله في النهاية، أنّ محاولة كيّ وعي الشعوب، من قبل الاحتلال، هي سياسة اتبعتها كل الدول الاستعمارية، ورغم تأثر فئة قليلة بها، إلّا أنّها اثبتت فشلها، وسرعان ما انقلبت على متبنيها، ولو بعد حين.