الشعـب هـو الضمـانـة والمرجعية الأصيلـة

إبتداءاً إن الاسرار التي تتعلق بأمن الحزب والأفراد والمعلومات والممتلكات وخطط الكفاح وتوقيتاتها ، لابد وأن تبقى ملكاً للحزب للتصرف بها وإتخاذ القرار اللازم بشأنها في اللحظة المناسبة بما يضمن إستمرارية العمل وخاصة في ظروف النضال السري .

في ماعدا ذلك فإن الشعب هو المرجع ألأول والأخير للحركة الثورية وله القول الفصل في مايخص شؤونها على صعيد الفكر والسياسة والنضال وفي ميدان البناء وقيادة الدولة والمجتمع ، وفي منح الشرعية ، وتحديد جوهر وشكل الكفاح الوطني في مرحلة الازمات ، وفق صيغ تضعها القيادة لكل مرحلة من مراحل النضال لتحقيق التواصل والتفاعل الصميمي مع الشعب خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تستوجب الإستناد لحقيقة جوهرية هي أن الانغلاق والانكفاء والاختباء والانزواء ، والغرور والتعالي والتكبر ، والأساطير والاحلام ، والألفاظ والشعارات والمزايدات والمبالغات ليست من صفات الحركة الثورية وقد ولىّ عهدها وإنتهى من غير رجعة ، بحلول عصر جديد هو عصر العلوم والتقنيات الحديثة ، والفضاء المفتوح ، والمعلومة السريعة ، والخطاب السياسي والاعلامي الموجز ، مما يتطلب نوعاً من التعامل مع الناس يختلف عن مراحل مضت ، تفاعل يتّسمْ بالابتكار والابداع والمبادرة والتوازن والانسجام المقترن بالحفاظ على الثوابت والمباديء . بالتأكيد إنها مسؤولية خطيرة ومعقدة قُدِّرَ لحزبنا أن يعيشها وهو القادر على التكيف معها بما يمتلك من طاقات شابة مواكبة لتطورات العصر وشروطه اذا ما أعطيت هذه الطاقات دورها ومكانها الضروري في سلم المستويات الحزبية على الصعيد الوطني والقومي . فالآن وأكثر من أي وقت مضى وفي ظل تطور الفكر السياسي العالمي وإتساع رقعة المشاركة الشعبية في ادارة شؤون السياسة والحكم والاعلام والاقتصاد والحياة العامة في معظم دول العالم وفي أطار ممارسة الديمقراطية التي أصبحت سمة من سمات العصر ومن أهم مقاييس تقييم الاداء لأي دولة أو حركة أو حزب أو منظمة ، وفي ظل سرعة توظيف وتبادل المعلومات ، فإن الحركة الثورية يجب أن تبتكر الوسائل الحديثة في الانفتاح على الشعب إنفتاحاً حراً إيجابياً طابعه المبادرة والتواضع والجدية والمصارحة ، وإذا ما إنكفئت الحركة على نفسها لأي سبب كان ، ولم تبادر لإشراك الشعب في طبيعة تركيبها الداخلي ، وما يتخلل هذا التركيب من نواقص وأمراض ، فإنها عند ذاك ستفقد ثوريتها وتتحول إلى خدعة مفضوحة كما عبر عن ذلك الرفيق المؤسس ميشيل عفلق رحمه الله .

فما كان صالحاً من أساليب العمل الحزبي في العقود الأربعة أو الخمسة الماضية ربما لم يعد صالحاً في جزء كبير منه اليوم ، أو أن الظروف التي أفرزتها مرحلة مابعد إحتلال العراق وتدميره تجربته الثورية ، وتداعياتها على أقطار الامة هي التي تجعل من البداهة على الحزب أن يفتش عن وسائل جديدة للتواصل والتفاعل مع جماهيره ومؤيديه .

فلقد عشنا جميعاً مرحلة التفاعل الحي والمشاركة المبدعة في زمانها وظروفها بين الحزب والشعب والقائد التي إمتدت لعقود طويلة من عمر ثورة البعث الخالدة في العراق ، وتابعنا تلك اللقاءات الشعبية وزيارات العوائل التي كانت وراء إصدار العديد من القرارات الثورية لصالح الشعب بمبادرة أو إقتراح من مواطن أو عائلة حظيت بلقاء الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله ولقد شمل هذا التفاعل مع الشعب كافة مستويات القيادة في الدولة والحزب حتى تشكلت تلك اللوحة العراقية الجميلة التي زينت العراق من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه .

إن هذا الفعل الثوري لم يأتي من فراغ ولم يكن وليد الصدفة أو يكتشف في حينه ، بل إنه كان ترجمة لحقيقة جوهرية نشأ عليها البعث عندما أعلن عن نفسه منذ البداية إنه حزب الشعب وحزب الأمة وأخذ على عاتقه مسؤولية التعبير عن آلامها ومعاناتها ، وحَملْ فكرها وعقيدتها ، والنضال لتحقيق اهدافها وطموحاتها ، وأعتبر مصلحة الشعب قيمة عليا لاتعلو عليها قيمة ، وهو المرجعية الوحيدة الاصيلة التي لاتعلو فوقها مرجعية مهما كان أسمها أو عنوانها أو دينها أو مذهبها .

وبهذا الأطار فإن من يطّلع على مضامين رسائل الرفيق المجاهد عزة إبراهيم أمين عام الحزب والقائد الاعلى للجهاد والتحرير ، المرسلة لعدد من كوادر الحزب أو تلك الموجهة لشخصيات عراقية وعربية أو خطاباته في مناسبات وطنية وقومية عديدة والتي إحتوت على العديد من الاحداث المتعلقة بمسيرة الحزب بشكل عام وجزء مهم من مفردات حياته الداخلية بشكل خاص وحتى المتعلقة بشؤون أعضاءه ، ومحاولاته الجادة والصريحة في عرضها على الشعب والرأي العام ليس لغرض الاطلاع عليها فحسب وإنما للمساهمة في تقييم نتائجها الإيجابية والسلبية ، يجد إنها تصب في هذا المضمار الذي نتحدث عنه بشكل مباشر وهو تحقيق عملية التواصل والتفاعل الحي مع الشعب وإشراكه في تقييم مسيرة الحزب وبرنامجه وإستراتيحيته على المستوى الوطني والقومي ، وبالمقابل فإن العديد من هذه الشخصيات قد أثرتْ القيادة بمعلومات وأفكار ومقترحات كان لها الأثر الكبير في تصحيح بعض المسارات الخاطئة والممارسات الضارة .

فلن يضير الحركة الثورية شيئ عندما تظهر في مسيرتها نواقص وأخطاء وهفوات بل وحتى أمراض ، وأن يطّلع عليها الشعب ، ولطالما إنها جزء من هذا الشعب ، وهو مرجعها وضمانتها ، فإنه بحسّه العفوي السليم لن يتوانى في الدفاع عنها خاصة عندما يُدرك إنها متفاعلة معه ، منفتحة عليه ، محترمة لعقله وارادته ، تشركه في سرّائها وضرّائها ، تُحمّلهُ مسؤولية دعمها ونصرتها ، وتطلب مساهمته في تصحيح أخطائها ومعالجة أمراضها .

وبهذا المعنى يقول الرفيق مفكر البعث الاول ومؤسسه ، إن من حق الشعب أن يعرف طبيعة العلاقات التي تحكم بين أفراد الحركة الثورية التي تمثله ، وأن يعرف المستوى الفكري والثقافي ودرجة الوعي والتمسك بالمبادئ والالتزام الأخلاقي لدى الأفراد داخلها ، والتي تشكل بمجملها مقياس لتقدم كل منهم أو تأخره ، إضافة إلى أهمية أن يطّلع الشعب على طبيعة العوامل التي تؤثر في تماسك الحركة ونموها وطبيعة الجو الروحي والنفسي والاعتباري السائد بين أعضائها ، هل هو جو المحبة والحرية والثقة والحرص المشترك أم إنه جو الخوف والريبة والشك والانانية والغموض .

ربما هناك من يتحفظ على هذا المنهج ، بمبرر إن الأعداء قد يستغلوا إنفتاح الحركة وتفاعلها مع الشعب ومشاركته همومها ، ويستثمروا سلبية هنا ونقص هناك لغرض تشويه تاريخها ومواقفها ويطعنوا في صحة توجهاتها … إن هذا الضرر إذا ما حصل وقد يحصل وهو حاصل بدون هذا وذاك ، فإنه لا يعادل جزء بسيط من الفائدة العظيمة التي تجنيها الحركة الثورية عندما تشرك الشعب في مصيرها الظاهر والباطن ، لإنها بذلك ستكسب ثقته وضمانته .

هذه الضمانة إذا ماتوفرت فإنها ستمنع الأنانية والمنافع الشخصية والأطماع والخوف على النفس في داخل الحركة قبل كل شيء ، وتنهي حالة التردد واليأس والتراجع والانعزال ، وتوقف التمادي في الخطأ من قبل البعض ومحاولاتهم لإسكات ذوي الرأي السديد ، أو لإبعاد أصحاب المواقف المبدئية الشجاعة .

إن تاريخ حزبنا وأمتنا الزاخر بالأحداث المصيرية الكبرى يؤكد أن في مثل هذه الاحداث لن تبرز ولن تبقى إلاٌ الحقائق الأساسية الثابتة وفي مقدمتها العلاقة الصادقة مع الشعب والتي لايجيد التعامل معها الكسالى أو قليلي الوعي والثقافة والهمة ، ولن يلامسها المنغلقون والمنكفئون والسلبيون والمزايدون والمتكبّرون … إن العلاقة مع الشعب قيمة ثورية عليا أصيلة لا يسطّرها إلاّ الاحرار الواعون المثقفون المتواضعون الصادقون المضحون ذوو الخصال الثورية الأصيلة ، والذين يؤثرون على أنفسهم ولو بهم خصاصة . وبهؤلاء وحدهم يستطيع الحزب أن يسير في طريق الثورة ، طريق التغيير الشامل للفرد والمجتمع ، طريق الحرية والابداع ، طريق التفاعل والتواصل مع الشعب وقواه الحية ، وهذا ماعبّرَ عنه بصدق ووضوح الرفيق قائد البعث وأمينه العام بطريقته الخاصة التي تتناسب وظروف المرحلة ومحدداتها القاسية ، بالإستناد لهذا الارث التاريخي العميق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى