الحكومة الصهيونية.. توسع في التطبيع ومأزق في الاستراتيجيا

كتب عماد أبو عواد – مركز  القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي

رغم ما تمر به اسرائيل من ارتياح على المستوى التكتيكي، حيث لا يوجد ضغوط عالمية جدّية عليها، إلى جانب ضوءٍ أخضرَ أمريكي، وكذلك تسارعٌ عربي نحو التطبيع، إلّا أنّ ذلك، لم يُعفها من حقيقة أنّها لم تستطع حسم الكثير من الملفات، واتخاذ قرارات مُجمعٍ عليها إسرائيلياً، ولو بالحد الأدنى، أو على الأقل داخل الائتلاف الحاكم والذي يُشكل 54% من مجموع أعضاء الكنيست.

في الملف الفلسطيني

 منذ توليه لرئاسة الوزراء في العام 2009، وإلى فترة قريبة، لم يكن يخفِ بنيامين نتنياهو، قبول دولته لحلّ الدولتين، دون أن يوضح عن أي دولتين يتحدث، أو ماذا ستكون عليها طبيعة الدولة الفلسطينية،  إلّا أنّ السنتين الأخيريتين تحديداً شهدتا تغييرا في الخطاب الإسرائيلي، حيث لم يَعد يخفِ السياسيين الإسرائيليين، سواءً في المعارضة أو الحُكم، تبخر حلم الدولة الفلسطينية، بمقاس اوسلو الظالم أصلاً للفلسطينيين.

على مستوى الائتلاف الحاكم، لم تتضح بعد الرؤية التي يتبناها نتنياهو وحلفاؤه، وبمتابعة بسيطة لتطور التوجه الإسرائيلي، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، يتضح أنّ التوجه الديني الصهيوني، والذي كان يُعتبر الأضعف من بين التوجهات، بات الأكثر حضوراً.

وبالنظر إلى البرامج السياسية داخل الائتلاف الحكومي، فإنّ البرنامج السياسي الأول، هو ما يتبناه حزب الليكود، والذي بات مقتنعاً بضرورة ضم التجمعات الاستيطانية الكُبرى إلى الدولة العبرية، بحيث تتحول إلى مُدن رسمية تنطبق عليها القوانين الإسرائيلية تماماً، هذا التوجه كان يتمنى الليكود أن يكون ضمن اتفاق سياسي، إلّا أن التطورات الأخيرة، دفعته لبدء دراسته على المستوى الداخلي.

فيما البرنامج الآخر، والذي بات الأكثر قبولاً وتأثيراً، هو برنامج حزب البيت اليهودي، وهو الحزب المُمثل للصهيونية الدينية، ويُعتبر المستوطنون خزانه الانتخابي، والذي يرى بضرورة ضم كافة المستوطنات في الضفة الغربية، والسيطرة على مساحات الأراضي المُحيطة بها، والتي تُشكل ما مجموعه 60% من الضفة الغربية، وضم ما فيها من الفلسطينيين، في منطقة “ج”، البالغ عددهم وفق الحزب 100 الف، في حين يُقدر عددهم فلسطينياً، بأكثر من 200 ألف.

المشروع الثالث، ما يتبناه أفيجدور ليبرمان، وزير الجيش، وزعيم حزب “اسرائيل بيتنا”، حيث يطرح ليبرمان مشروعاً، وفقه على “إسرائيل” التخلي عن منطقة المثلث العربية في الداخل المحتل، مقابل ذلك يتم ضم التجمعات الاستيطانية الكُبرى، للدولة العبرية، ويهدف من ليبرمان من وراء هذا المشروع، ضمان أغلبية يهودية ساحقة في الدولة العبرية، والتخلص من الفلسطينيين فيها.

وبالنظر إلى برامج المعارضة الإسرائيلية، فإنّ حلّ الدولتين بصيغته القديمة لم يعد يتبناه سوى حزب ميرتس، والذي لا يملك سوى 4% من مقاعد البرلمان، فيما المعسكر الصهيوني، بزعامة آبي جباي، وحزب يوجد مستقبل بزعامة يائير لبيد، تطرح فكرة الانفصال عن الفلسطينيين، حتى من دون وجود حلول سياسية، وتطرح هي الأخرى لاحتفاظ بالتجمعات الاستيطانية الكُبرى.

بالعودة إلى البرنامج الأقوى، فإنّ برنامج حزب البيت اليهودي، بات يلقى تأييداً على الأرض، وكذلك دعماً من المؤسسة السياسية، حيث بات الحزب من خلال ابتزازه الدائم لحزب الليكود الحاكم، وخوف الليكود من فقدان أصوات المستوطنين، يُحاول فرض اجندته، القاضية بالحفاظ على كافة التجمعات الاستيطانية، ومن

أبرز هذه الملامح

أولاً: سن قانون “تشريع المستوطنات” قبل عامين، والذي يقضي بضرورة ترتيب أوراق أي مستوطنة اسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وتعويض من يرفع دعاوى من الفلسطينيين، المسلوبة أراضيهم بالمال.

ثانياً: تطبيق اثني عشر قانوناً اسرائيلياً على المستوطنات، وهذا يعني تحويلها إلى جزء من الدولة العبرية، واطلاق اسماء المدن عليها، وليس المستوطنات، وهذا سيمهد ليصبح المستوطن مواطن كامل المواطنة، خاصة بعد بدء دفعه الضرائب قبل عقد من الزمن.

ثالثاً: البدء عملياً، بحصر السكان الفلسطينيين في مناطق الأغوار، في مناطق محددة، وبدء السيطرة على الأراضي هناك، وافتتاح مشاريع اسرائيلية.

رابعاً: التوّغل الكبير للإدارة المدنية في التدخل في شؤون الفلسطينيين عامة، وسكان المناطق “ج” بصورة خاصة، والتواصل المباشر مع جزء من المزارعين الفلسطينيين، وعقد اجتماعات تجارية متبادلة.

خامساً: الاعلان رسمياً، عن ترتيب أمور أكثر من عشوائية استيطانية، وتحويلها إلى مستوطنة رسمية، من خلال ربطها بالماء والكهرباء العامة، كما يحدث الآن مع مستوطنة حفات جلعاد، التي قُتل منها آخر حاخام قُرب نابلس.

سادساً: تبني رسمي لأطروحات البيت اليهودي، وتبني شعبي بات يتسع ويأخذ حيّزاً واسعاً لدى الجمهور الإسرائيلي، الذي بات يتبنى هذا التفكير.

سابعاً: الاعلان عن سعي الحكومة اليمينية برفع عدد المستوطنين، إلى نحو المليون، والتجهيز لبناء مليون وحدة استيطانية خلال العقدين القادمين.

ثامناً: عدم وجود اماكن للتمدد الجغرافي، تكفي سوى ل 36 عام، لذلك استوعبت الحكومة يمينية فكرة، السيطرة على مناطق الضفة، لتكون المساحة التي تتوسع إليها الدولة العبرية، في ظل أزمة الأراضي في الداخل.

تاسعاً: ارتفاع الفكر الديني الأيديولوجي، الذي يرى بالضفة التاريخ الحقيقي لليهود، وبالتالي فإنّ السيطرة عليها باتت، قيمة دينية أيدولوجية، متجذرة لدى شريحة واسعة، وهذا ما يجعل 76% من سكان المستوطنات من المتدينين.

وحول مستقبل الضفة الغربية، فإنّ “إسرائيل” باتت مستعدة للتعامل مع كافة السيناريوهات، فمع التوجه الحقيقي لضم المناطق الأوسع من الضفة الغربية، فإنّ مصير الضفة يكمن في اربع سيناريوهات، يبدو أنّ تل ابيب تتجهز لها جيداً.

الأول: استمرار الأوضاع على حالها، وهو لسيناريو المرجح، واستمرار السلطة الفلسطينية في ادارة شؤون الفلسطينيين، كما هي الأوضاع حالياً، مع زيادة التدخل الإسرائيلي، في الحياة العامة الفلسطينية، تمهيداً لحكم الفلسطينيين في الضفة إن سقطت السلطة.

ثانياً: تحويل مناطق الضفة الى كانتونات، محكومة من ادارة محلية أشبه بالبلديات لإدارة شؤون الفلسطينيين.

ثالثاً: ضم ما يتبقى من الضفة الغربية إلى الأردن، لتُصبح تحت الوصاية الأردنية، سواءً بوجود السلطة أو عدمها.

رابعاً: الضم الكامل للضفة الغربية، بحيث تُصبح الضفة الغربية ضمن الحدود الإسرائيلية، وسكانها، سكان أصحاب اقامات مؤقتة، أو هويات اسرائيلية.

في ملف غزة، فإنّ التوجه الإسرائيلي، باستمرار خنق غزة، دون ايصالها إلى مرحلة الموت أو الحياة، والبحث خلال الفترة المقبلة عن حلول، تقود إلى هدوء في الجبهة الجنوبية، ولا تستبعد “إسرائيل” من الناحية السياسية أن يكون هناك تواصل بشكل غير مباشر مع حركة حماس للتوصل الى تفاهمات، وهذا ما تسعى اليه “إسرائيل”، لترسيخ مفهوم فصل الضفة عن غزة.

في الملف الإقليمي

اقليمياً، التوجه السياسي الإسرائيلي، بأن تزيد “إسرائيل” من ثقلها كلاعب اساسي في المنطقة، والتأثير فيها، ضمن التوجهات التالية:

أولاً: جرّ من تبقى من الدول العربية إلى مسيرة التطبيع، دون ربط ذلك بحل القضية الفلسطينية، وهذا ما بات يتضح من خلال ملامح المرحلة الماضية، في ظل الحديث عن علاقات “إسرائيلية” سعودية قوّية، تزداد انفتاحاً.

ثانياً: في الملف السوري محاولة التدخل في صياغة مستقبل سوريا، حيث بدى ذلك واضحاً من خلال السبع زيارات المكوكية، التي قام بها نتنياهو لروسيا خلال السنوات الأخيرة، والهدف من هذا التدخل حفظ حدود “إسرائيل”، على الجبهة الشمالية، والأبعد من ذلك، أخذ مسوّغات الاستهداف الدائم لمن تعتبرهم “إسرائيل” أعداها.

ثالثاً: تقليل التصويت ضد “إسرائيل” في الأمم لمتحدة، حيث باتت “إسرائيل” ترفع شعار، انفتاح العلاقة مع “إسرائيل”، يتطلب دعمها أو الحياد في التصويت المتعلق بها في منصة الأمم المتحدة ومؤسساتها.

رابعاً: في الملف المصري، محاولة تثبيت أركان حكم السيسي، من خلال تجييش دعم أمريكي له، ومحاولة التأثير على بعض الأنظمة الاوروبية لدعمه، والتوائم معه لتنفيذ سياسات أمنية، تدعمه في ترسيخ دعاية تصب في صالح نظامه.

خامساً: لبنانياً، العمل على خلط الأوراق السياسية الداخلية، من خلال رفع نبرة التهديد للبنان وليس لحزب الله، بمعنى ايصال رسالة للكل اللبناني، أنّ أي مواجهة قادمة، ستطال يد “إسرائيل”، لبنان من شماله الى جنوبه، في مسعى لتجييش الرأي العام المحلي ضد حزب الله، وخلط الأوراق السياسية الداخلية.

سادساً: استمرار محاولة دعم الاكراد، للوصول إلى دولة مستقلة في شمال العراق، لتحقيق مزيد من تفتيت المنطقة، وايجاد قوّة مستنزفة لايران وتركيا، وخلق دولة شبيهة ب”إسرائيل”، تتقاطع معها في الكثير من القضايا، ومشابهة لها في الحالة، مع وجود فارق كبير، أنّ الأكراد هم جزء أصيل في المنطقة.

سابعاً: الضغط لاستمرار نقل جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية، حيث ترى “إسرائيل”، أنّ وجود هاتان الجزيرتين في يد من يملك المال ولا يملك القوّة، خير من وجودهما بيد من يملك القوّة ولا يملك المال، علاوة على أنّ ذلك، سيمهد لفكرة تبادل الأراضي التي تلّوح بها الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وتحديداً نقل جزء من سيناء للفلسطينيين، لتكون مع غزة، الدولة البديلة للفلسطينيين.

على المستوى العالمي

على مستوى الساحة العالمية، باتت “إسرائيل”، تُدرك حاجتها لتغيير طبيعة الوجهة الإسرائيلية، حيث باتت تُعاني من نوع من زيادة الكراهية لليهود في اوروبا، وفق تقاريرها، إلى جانب نجاح حركة المقاطعة في تحقيق نوع من اساءة الوجه للدولة العبرية وتحديداً على الساحة الاوروبية، من هنا فالتوجه الإسرائيلي، عالمياً، يمكن استنتاجه بما يلي:

أولاً: محاولة الموازنة بين القوى العالمية العظمى الثلاث، الولايات المتحدة، روسيا والصين، وهذه الاستراتيجية، لحاجة “إسرائيل” لها في ملفات مختلفة، الولايات المتحدة بثقلها العالمي، روسيا بثقلها الاوروبي وفي الملف الشرق أوسطي، التي باتت اللاعب الأبرز فيه، والصين لتصاعد قوّتها وما باتت تبديه من نوايا لإبراز ثقلها السياسي إلى جانب الاقتصادي.

ثانياً: العمل على محاربة حركة المقاطعة العالمية، من خلال تدشين مشروع مع رجال أعمال يهود، بمئات ملايين الشواقل لمحاربة الدعاية السلبية ضد “إسرائيل”، إلى جانب استمرار اطلاق برنامج تطوعي، يحمل اسم، كل اسرائيلي سفير، لتقديم صورة أفضل عن الدولة العبرية.

ثالثاً: استمرار محاولة اختراق الساحة الافريقية، لتحقيق عوائد سياسية، اقتصادية، أمنية ودبلوماسية، حيث عدد الدول الكبير في أفريقيا، يعتبر بيئة خصبة للتأثير وتحقيق انجازات، وتحديداً اقتصادية، في ظل ارتفاع الصادرات الإسرائيلية إلى هناك، ومحاولة تقليل التصويت ضد “إسرائيل” في الأمم المتحدة.

رابعاً: استمرار تجسير العلاقات الهندية – الإسرائيلية، بزيادة البعثات الدبلوماسية والاقتصادية، لبناء بيئة حاضنة ل”إسرائيل”، من الناحية الثقافية والسياسية، في ظل الصعود الكبير للقوّة الهندية، التي كانت في الجانب الفلسطيني لعقود من الزمن.

خامساً: استمرار الضغط على الولايات المتحدة، والاتحاد الاوروبي، لتغيير الاتفاق النووي مع ايران، حيث يُعتبر ذلك من الناحية الإسرائيلية خطراً كبيراً على الدولة العبرية.

سادساً: تفعيل الدبلوماسية الإسرائيلية، لإقناع العالم بالتوجه الإسرائيلي السياسي، فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، بصياغة مصطلحات تربط بين اقتلاع المستوطنين والفصل العنصري، حيث تسعى “إسرائيل” لاعتبار المطالبات بتفريغ الضفة من المستوطنين، أنّها مطالبات عنصرية، وفصل عنصري.

وهكذا فان إسرائيل، تمر بوضع تكتيكي مريح على المستوى القريب، حيث لا تتعرض لضغوط سياسية مؤثرة ، في ظل تراجع مركزية القضية الفلسطينية، والضعف الاقليمي المستمر في ظل الاحتراب الداخلي، إلّا أنّها لم تعد تمتلك رؤية استراتيجية واضحة للتعامل مع الملفات المختلفة، الأمر الذي يبقي السياسية الإسرائيلية، ضمن ادارة الصراع، القابل للتغير ما بين الفينة والأخرى، وهذا بحد ذاته، يُشكل عاملاً ضاغطاً على “إسرائيل”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى