الحراك الجماهيري ليس يأساً ولا استسلاماً

تتفاعل الدعوات الشبابية داخل وخارج فلسطين بزخم متزايد متبنية فكرة العمل الجماهيري المنظم والمدروس لتحشيد مئات الالاف من الغزيين للتحرك شرقاً نحو الاحتلال، المسبب والمسؤول الرئيسي عن حصار قطاع غزة.

هذا التحرك الجماهيري الذي يعتبر بمثابة خيار أخير لوقف عملية القتل البطيء لمليوني فلسطيني هم سكان قطاع غزة، بعد أن سدت كل الفرص بوجه غزة وأهلها.

في ذات الوقت توجه هذ الدعوات الشبابية النداء للكل الفلسطيني، في الداخل والخارج، للمساهمة وبكل الطرق المتاحة في دعم هذا الخيار لإنجاحه.

لكن في المقابل تصدر بعض المواقف التثبيطية من هنا أو هناك، بعضها يائس متشائم وهذا يمكن فهمه بسبب الأوضاع المأساوية التي يعيشها القطاع: ضرب من الخيال، مستحيل، لا يمكن تحقيقه، لا جدوى منه، وغيره من العبارات التي يصفون بها الدعوات للحراك.

لكن هناك بعضٌ آخر لا يتورع عن تسفيه الفكرة وتسخيفها، ولأسباب مختلفة: هذا خيار اليائسين، هذا تفكير المستسلمين، الرصاص فقط هو الحل، جربناه في سيناء عام 2008، وغيرها أيضاً من عبارات التثبيط وبث روح الانهزامية حتى قبل البدء وقبل المحاولة.

يختلط عند البعض مفهوم المقاومة فلا يرى إلا المقاومة المسلحة حصراً، وهذا من حق الشعوب الذي كفلته كل الشرائع، لكن اشكال المقاومة لا تنحصر في العسكري فقط، بل هي أشكال متعددة يُكمل بعضها البعض:

– تربية الأم لأبنائها تربية صحيحة مقاومة

– تثقيف المدرس لتلاميذه مقاومة

– درس الإمام في المسجد عن الوطن مقاومة

– علاج الطبيب للجريح والمريض مقاومة

– دفاع المحامي عن حقوقنا مقاومة

– تمسك المزارع بأرضه وزراعتها مقاومة

– كل عمل متقن في سبيل القضية والوطن مقاومة

– وخروج الجماهير في وجه الاحتلال مقاومة

ليست يأساً وليست استسلاماً، بل استكمالاً لأشكال المقاومة، التي لا توقف أي شكل آخر، ولا تحجر عليه، وله آلياتها وفعالياتها ونتائجها.

إعادة القرار لمصدره الرئيسي أي الشعب والجماهير بعد أن استحوذت عليه مجموعة تدعي تمثيل الشعب، أهم اليوم وأقوى من أي عمل آخر.

البرامج السياسية المطروحة اليوم على الساحة الفلسطينية إما فاشلة أو مقيدة: خيار السلام المفترض والمفاوضات قُضي عليه تماماً، وسلاح الفصائل المسلحة في غزة بات دفاعياً واستخدامه مكلف لأقصى درجة، في ظل أوضاع معيشية أوشكت على الانهيار التام ولا تحتمل أي مواجهة عسكرية من أي نوع.

الجماهير بشبابها وشيبها، ورجالها ونسائها، وكبارها وصغارها هي التي تدفع الثمن وتعاني وتتعذب وتحتضر، ويحق لها أن تتحرك من أجل الحياة، ليس يأساً لكن ممارسة لحق أصيل، وليس استسلاماً بل شجاعة وجرأة.

ربما ينظر البعض للأمر بأنه مثالية بعيدة عن الواقع، لكن تجارب التاريخ علمتنا أنه ما من مستحيل إذا قرر الشعب وأراد .

جرب الغزيون كل الوسائل، دقوا كل الأبواب، استجابوا لكل المطالب في ظل مصالحة مفترضة، لم يتركوا خياراً إلا حاولوا معه .

انعدمت الخيارات تماماً أمام الغزيين، فلم نعد نسمع إلا كلمات الانهيار أو الانفجار .

وبالفعل فلا خيارات ولا بدائل ولا حلول وسط تكالب الجميع على مليوني فلسطيني يرفضون التسليم بما يحاك لحقوقهم وقضيتهم

يصاحب ذلك حالة من الغضب، يأمل من يحاصرون القطاع أن ينفجر داخلياً، لينفجر الناس في وجه بعضهم البعض، وليلوموا الجهة غير المسؤولة عن معاناتهم

باختصار فإن خيار الانفجار بات هو الخيار الوحيد أمام الغزيين، وعلى قاعدة: إن لم يكن من الموت بدٌ فمن العار أن تموت جباناً

أي اختيار طريقة الموت – إن كان لابد منها – بدلاً من إطالة حالة الاحتضار والموت البطيء الذي تعيشه غزة هذه الأيام، بل والخروج منها.

أي أنه في ظل انسداد الأفق تماماً أمام الفصائل والتنظيمات، وتآمر الشقيق والصديق والعدو، لا مفر من التحرك الجماعي المنظم، لكسر هذا الحصار الجائر.

ما يحتاجه قطاع غزة اليوم هو الدعم والمساندة للدعوات الشبابية والتفاعل معها، لا التثبيط والتسخيف، إلا إن كان لدى هؤلاء بديلاً حقيقياً عملياً يُخرج الوضع من مأساويته

غزة اليوم تحتاج للجميع…

تحتاج الدعم والمساندة والمؤازرة…

تحتاج لكل جهد من أي نوع…

غزة وأهلها ينتظرون الوقوف معهم في محاولتهم كسر حصارهم…

لا تكونوا عوناً عليهم…

بل كونوا عوناً لهم ومعهم…

حراك غزة المرتقب ليس استسلاماً أو يأساً …

بل حراك نحو الحياة رفضاً للموت…

لا يمكن لحالة الموت البطيء أن تستمر…

ولا يمكن للوضع الحالي أن يطول…

هل يمكن أن يتحقق ذلك؟

نعم

بصدق النوايا، والتخطيط الجيد، والإعداد المحكم، وتوحد الجهود، وإخلاص العمل، ومشاركة الجميع…

كيف ومتى وأين؟

هو ما يجب أن يعمل عليه المخلصون…

هو ما يعمل عليه المخلصون…

كونوا معهم ولا تخذلوهم

ندعو الله أن تكون نهاية المعاناة لأهلنا في قطاع غزة قريبة، وأن يرفع الظلم والغبن، ويضع حداً لجريمة الحصار والوضع المأساوي هناك…

امين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى