حملة مكافحة الفساد السعودية بدأت بعلامات التعجب وانتهت بعلامات الاستفهام

بعد إعلان النائب العام السعودي “سعود المعجب” أمس الثلاثاء، الإفراج عما نسبته 85 % ممن تم استدعاؤهم في قضايا الفساد بالسعودية، واستمرار التحفظ على 56 شخصا يشكلون 15 % من إجمالي من تم استدعاؤهم، ووصول القيمة التقديرية للتسويات مع الموقوفين بتهم الفساد نحو 400 مليار ريال (106.7 مليارات دولار)، يبدو الأمر ملحا لتقييم الحملة على الفساد، لمعرفة ما إذا كانت حققت الحملة أهدافها أم لا؟

وتمثلت أهداف الحملة المعلنة في محاربة الفساد وحماية المال العام، وتكريس دولة القانون، واسترداد 100 مليار دولار سبق الإعلان في بداية الحملة أنه تم تبديدها في عمليات فساد واختلاس، أما الأهداف غير المعلنة ـ كما يراها فريق آخر من المراقبين ـ فتتمثل بتعزيز سيطرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على مفاصل الدولة، تمهيدا لما سموه “نقلا سلسا للسلطة” إليه.

وما بين تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة، ثمة مآخذ على الحملة وإيجابيات تحسب لها، كما أن هناك ثمة مؤشرات تدل على أن هدف الحملة يتجاوز الأهداف المعلنة إلى وجود أهداف سياسية تم رصدها من خلال مشاهدات عدة، وبقراءة متأنية للحملة يمكن رصد أبرز ما يمكن أن يؤخذ عليها وهو كما يأتي:

 غياب الشفافية

يعد غياب الشفافية أبرز ما يؤخذ على الحملة منذ بداية انطلاقها، عقب إصدار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في 4 تشرين الأول الماضي، أمرا بتشكيل لجنة عليا برئاسة نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للتحقيق في قضايا الفساد، واتخاذ ما يلزم تجاه المتورطين، وحتى بيان النائب العام السعودي الصادر أمس والذي حملة محصلة لنتائج الحملة منذ انطلاقها.

فقد أشار النائب العام في بيانه إلى أن العدد الإجمالي لمن تم استدعاؤهم من قبل اللجنة بلغ (381) شخصا، وبين أن عددا كبيرا منهم تم استدعاؤهم للإدلاء بشهاداتهم، وبالتالي غير معروف العدد الفعلي المتهم في قضايا الفساد.

وأشار البيان إلى أنه بعد انتهاء مرحلة التفاوض والتسويات، تمت إحالة الجميع إلى النيابة العامة، واتخذت بحقهم إما الإفراج تباعا عمن لم تثبت عليهم تهمة الفساد، دون أن يحدد عددهم، وكذلك الإفراج تباعا عمن تمت التسوية معهم بعد إقرارهم بما نسب إليهم من تهم فساد، دون أن يذكر العدد أيضا.

كما أشار البيان إلى التحفظ على (56) شخصا ممن رفض النائب العام التسوية معهم لوجود قضايا جنائية أخرى.

وهو الأمر الذي يعني غياب رقم رسمي عن عدد المتهمين فعليا في قضايا فساد، وعدد من تمت تبرئتهم، وعدد من تمت التسوية معهم، وكذلك طبيعة القضايا الجنائية التي دفعت النائب العام إلى رفض التسوية مع 56 شخصا.. وهذا كله يعكس في النهاية غياب الشفافية في التحقيقات على الفساد.

ومن أبرز من تم إطلاق سراحه خلال الفترة الماضية الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني السابق، وشقيقاه الأميران مشعل وفيصل، ووزير الدولة الحالي وزير المالية السابق إبراهيم بن عبد العزيز العساف، والملياردير الشهير الأمير الوليد بن طلال.

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قد كشف يوم 23 تشرين الثاني الماضي، في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن 95 بالمائة من الموقوفين بتهم الفساد في المملكة وافقوا على التسوية وإعادة الأموال للدولة.

وأشار ابن سلمان إلى أن نحو 1 بالمائة من الموقوفين، أثبتوا براءتهم وانتهت قضاياهم، في حين أن 4 بالمائة منهم أنكروا تهم الفساد وأبدوا رغبتهم بالتوجه إلى القضاء.

ورقم المحتجزين المتحفظ عليهم حتى الآن ـ بحسب بيان النائب العام ـ هو (56 شخصا)، وهو يمثل 15 % من نسبة من تم استدعاؤهم في قضايا فساد وهو 381 شخصا، وهذه النسبة 15 % قد ترتفع في حال كان عدد المتهمين فعليا في قضايا فساد أقل من 381 شخصا، كما يشير إلى ذلك بيان النائب العام، ومن هنا تأتي أهمية الشفافية في الأمر.

فيما يحسب للبيان إعلانه أن القيمة المقدرة لمبالغ التسويات قد تجاوزت (400) مليار ريال متمثلة في عدة أصول (عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك).

 انتقادات قانونية

يؤخذ على الحملة احتجاز الموقوفين بقضايا فساد في مكان غير رسمي للاحتجاز، وهو فندق الريتز كارلتون، وعدم عرضهم على القضاء، لحسم إدانتهم من عدمه.

أيضا يؤخذ على الحملة الانتقائية في الحرب على الفساد عبر تحديد أشخاص بعينهم، كما يرى فريق من المراقبين.

 تسويات سياسية

أيضا ثمة مؤشرات تؤكد أن التسويات التي تمت مع الموقوفين بقضايا الفساد في السعودية تتجاوز التسويات المالية إلى تسويات سياسية، هو ما اتضح من خلال أكثر من مشهد، من أبرزها الاحتفاء أمام وسائل الإعلام الرسمية من قبل ولي لعهد السعودي بالأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني السابق، في أول ظهور له نهاية ديسمبر الماضي بعد الإفراج عنه.

أيضا عودة وزير الدولة إبراهيم العساف وزير المالية السابق، والذي يعد أقدم وزير سعودي، ويعتقد أنه بمثابة خزينة معلومات عن المملكة، فور إطلاق سراحه للمشاركة في جلسات مجلس الوزراء بداية الشهر الجاري، بل وترؤس وفد المملكة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية الذي عقد قبل أيام.

كذلك كان لافتا إبراز عدد من الوسائل الإعلام السعودية نقلا عن المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم، تأكيد ولائهم للملك وولي العهد.

ورغم أن ولي العهد نفى في مقابلة نيويورك تايمز أن تكون الحملة ضد الفساد تستهدف إطاحة منافسيه تمهيدا لنقل السلطة إليه من والده، إلا أن الاحتفاء بالأمير متعب بعد إطلاق سراحه، وإظهاره بمظهر المطيع الذي تربطه علاقات طيبة بولي العهد السعودي، وهو ـ أي الأمير متعب ـ الذي يرى كثير من المراقبين أن الحملة على الفساد كانت تستهدفه باعتباره أحد أبرز العقبات المحتملة لنقل سلس للسلطة من الملك لولي العهد، وكذلك عودة العساف ـ خزينة معلومات الدولة ـ لممارسة مهامه، كل ذلك يؤشر إلى وجود تسويات سياسية خلال الحملة تتجاوز أهدافها المعلنة إلى الأهداف غير المعلنة.

غموض المرحلة القادمة في الحرب على الفساد

من المآخذ على الحملة غموض المرحلة القادمة في الحرب على الفساد، فغير واضح حتى الآن طبيعة المرحلة القادمة في حملة مكافحة الفساد، فهل ستنتهي الحملة بإجراء تسويات مع المعتقلين الحاليين؟ أم أن هناك قائمة أخرى تنتظر الدور، خصوصا في ظل حديث عن أن المعتقلين تتم محاسبتهم على جرائم ارتكبوا بعضها على مدار عقود مضت؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى