ما هو الثابت وما هو المتحول في سياسة أميركا الخارجية ..!!؟

  نستطيع القول أن العالم كله شهد بعد انتهاء الحرب الباردة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي؛ تغيرا في السياسة الاميركية بفعل ما اتاحه الوضع الدولي من ظروف دولية اعتبرها السياسيون والمفكرون الاميركان بمثابة الفرصة العالمية لصياغة النظام العالمي الجديد الذي يتجسد بضمان التفوق والتفرد الاميركي بمقومات القوة والهيمنة العالمية .وبدأت الولايات المتحدة الأميركية تعتمد سياسة ما يطلق عليه بــ “الفوضى الخلاقة” في سياستها الدولية وخصوصا تجاه منطقتنا العربية .

وقد جاءت “الفوضى الخلاقة” كسياسة اميركية تحكمها مصالح ورؤى وتصورات، تنسجم مع العقلية والتقاليد الاميركية ذات ابعاد سياسية خطيرة على العالم وعلى المنطقة العربية.

وعليه؛ فإن المصالح وتعريفها يختلف من منظور الولايات المتحدة الأميركية منه في دول الوطن العربي، حيث لا نستطيع القول إنّ دول الوطن العربي تشكل وحدة سياسية مستقلة، أو على الأقل وحدة ذات سياسة خارجية واحدة يمكن الحديث عنها كوحدة مستقلة، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، التي بينت التجارب التاريخية على الأقل في العقود التي بدأت منذ الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية ولغاية الآن بأنها ثابتة، إذ لا تختلف السياسة الخارجية في عهد أي رئيس أميركي عن الآخر وخاصة فيما يتعلق بمنطقتنا العربية، وإن كانت بعض الوسائل تختلف من حين لآخر وهذا يعبر عن استمرار النهج الأميركي؛ بغض النظر عن شكل أو اسم أو أصول “الرئيس” الموجود في البيت الأبيض.

وتتوزع المصالح العربية في غياب الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة في معظم الأقطار العربية بالمحافظة على الوضع الكائن، والاستمرارية في سدة الحكم دون النظر لأي مصالح تتعلق بالشعوب أو الانجازات أو تحقيق النمو للبلد أو النهوض به وتأمين قوت العيش اليومي للناس وتأمين التعليم وزيادة الوعي الثقافي والوطني. لذا فإن المصالح الأميركية تتمثل بمصالح وطنية عليا بينما المصالح العربية تتمثل في المجمل في المصالح الفردية المرتبطة بأنظمة الحكم السائدة.

والحديث عن ما هو الثابت وما هو المتحول في السياسة الاميركية؛ في علاقاتها مع الدول العربية، يعتبر تناقضا في سلسلة المفاهيم ضمن الثقافة العربية السائدة في العلاقات الثنائية، فلا بد أن تمثل جانبين على الأقل حتى نسميها علاقة، فكيف يمكن لنا أن نحكم على دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية تفعل ما تريد، والدول العربية تستجيب إما بالإكراه أو بالقوة، بأن مثل هذه العلاقة تسمى علاقة دولية بمفهوم العلاقات الدولية المبنية على الصورة المثالية التي تحترم أطراف العلاقة.

ومنذ أوائل هذا القرن الحادي والعشرين، شهدت العلاقات الثنائية ما بين الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الوطن العربي؛ عدة هزات مرتبطة بتفاعلات اعتداء الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وحرب العراق، وليبيا، وسورية واليمن، ناهيك عن الموقف الأميركي/ الصهيوني المتعنت مع حكومة الاحتلال الاسرائيلية الصهيونية التي تحتل فلسطين منذ أكثر من 70 عاماً، فلعبة المؤسسات الرأسمالية الضاغطة، وجماعات اللوبي الصهيونية، معقدة؛ في كيفية صنع القرار في واشنطن.

ونستذكر معاً خطاب الرئيىس الاميركي السابق(2001)، جورج بوش “الابن” الذي خصص معظم كلماته لشرح سياسة بلاده تجاه العراق، هادفا من وراء ذلك الى حشد التحريض الدولي للقيام بعمل عسكري ضد العراق الشقيق، وخدمة للسياسة الأميركية تجاه السعودية، مما أكد – حينها – بأن الادارة الاميركية ماضية قدما في تصعيد الموقف باتجاه التفجير في منطقتنا العربية، وهذا يؤكد لنا يوما بعد يوم؛ وإلى يومنا هذا، أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية تزداد مواقفها صلفا واستهتارا بالرأي العام العربي؛ ولا تحسب له حساباً لا من بعيد ولا من قريب..!!.

اذاً، هل نستطيع أن نسأل: ما هو الثابت وما هو المتحول في السياسة الاميركية تجاه منطقتنا العربية؛ بعد قيام ترامب بزيارة نوعية للسعودية في بداية عهده الرئاسي اسقط فيها آخر اوراق التوت عن النوايا الاميركية المبيتة، وعرى بعض التفسيرات التي حاولت اطراف عربية اضفاءها عليه، فهو لم يوفر اية فرصة كما يحاول البعض ان يصوره كذلك، فسقطت كل المراهنات على امكانية ايجاد مخرج سلمي للحرب في سورية واليمن؛ ولا أية بوادر لحل القضية الفلسطينية، بل بالعكس أفتعل حرباً خليجية – خليجية ما بين العرب أنفسهم ..!!

فهذا المعتوه ترامب؛ يريد السعي عن طريق القوة والتحايل الدبلوماسي، تحويل الانظار عن الخطر الحقيقي الذي يواجه الشعب الفلسطيني؛ نتيجة تأييد ادارته لحكومة الارهابي نتنياهو الذي يقوم بكافة الممارسات التعسفية والعنصرية على الارض الفلسطينية المحتلة، فهو يريد اشغال العالم كله بما يجري في سورية، رغم ان الوضع في فلسطين يزداد تدميرا وتصفية، ضمن سيناريو مخطط له اميركيا وصهيونيا لتصفية القضية الفلسطينية، ضمن ما يصفه بعضهم بـ “صفقة القرن” …!!؟.

ألم يحن الوقت لتعرف الدول العربية عامة والخليجية خاصة؛ أن من ثوابت علاقات واشنطن مع زعامات العرب يجري تطويرها على اساس ان المصالح الاستراتيجية لأميركا هي مع حكومة الاحتلال الاسرائيلية التي تقف على طرف نقيض من العرب، فأكبر الثوابت في السياسة الاميركية تجاه الدول العربية هو ان هذه العلاقات تبنى وتطور دائما على اساس التفرق العربي، والحيلولة دون فكرة الوحدة العربية، والتضامن العربي. ويعتبر هذا المبدأ احد موروثات الاستعمار البريطاني، الذي وجد وسيلة السيطرة على دول الوطن العربي من خلال التجزئة والتفرقة.

ومن الثوابت – ايضا – ما يتحكم في تحديد ملامح هذه العلاقات، فالمنطقة العربية جزء من الشرق والغرب، وهو صراع حضارات على مدى التاريخ، يكتب فيه الغلبة لإحدى الحضارتين على الاخرى، وذلك سيحصل بين فترات زمنية متباعدة، مما سيؤثر على ملامح العلاقات، كما هو الامر دائما اذ تبقى حالة الصراع بين الحضارات هي الاساس الاستراتيجي في تقييم العلاقات.

اما المتحول في السياسة الاميركية تجاه دول منطقتنا العربية، هو خلق حالة من الفوضى السياسية وضعف الدبلوماسية وجعل العالم والمنطقة بأسرها مشحونة بما سيجري، وخلق اجواء تضليلية حول ما يجري في سورية وفلسطين ..؟!!!

ولا ننسى أن نشير إلى أن الحواجز او الالغاز التي تحول دون فهم الطرف الاميركي للحضارة العربية والتفكير العربي الشرقي والتأثير الاسلامي في هذه الثقافة، وعملية خلق الرأي والموقف العربي التي يحركها مزيج من التدين والانتساب للشرق، وتفرد العرب ببعض المشاعر، والصفات، ومن المتغيرات – ايضا – التحالفات السائدة في منطقتنا العربية، والمحاور التي يتم التعامل معها ..!!

فأي متتبع للسياسة الاميركية منذ عام على تسلم ترامب البيت الأبيض؛ يرى بكل وضوح انها لا تتسم بأي قدر من الاتزان، فهي تتصرف كمن اوقع نفسه في ورطة لم يعد قادرا على الخروج منها؛ فان الإدارة الأميركية الحالية امامها الكثير من المشكلات السياسية العالمية؛ و المحلية الاجتماعية والاقتصادية، فهي في نظر الاميركي مشاكل ملحة وهامة ..(؟!).

اذن، نستطيع القول أن السياسة الاميركية تعيش ورطة حقيقية لانها كمن ابتلع السكين، فالخيارات الموجودة تنحصر في خيارين اثنين، اما حرب طويلة تحرق كل شيء، واما سلام شامل يغير معالم المنطقة بأسرها؛ وهذا الأمر ليس لصالح أميركا الصهيونية…!!

ويرى بعض المحللين الاستراتيجيين، أن العرب والمسلمون ما يزالون هم الضحية الأولى لكل الحروب التي خاضتها القوى الاستعمارية قديمها وحديثها، والتي تدور حول تحقيق المصالح ونهب الثروات لعدة قرون، وكان المفكر الفرنسي “روجيه جارودي” قد كتب في كتابه “حفارو القبور”: “أدت خمسة قرون من الاستعمار إلى نهب ثروات ثلاث قارات وإلى تدمير اقتصادياتها وتكبيلها بالديون”، وهو المنهج الذي تسير عليه الولايات المتحدة الأميركية وريثة الاستعمار الغربي، والقطب الأوحد الذي شغل نفسه بشؤون العالم العربي والإسلامي، وسعى إلى دمجه في استراتيجيته العليا لأسباب كثيرة، منها المصالح الحيوية الأميركية خاصة الكيان الصهيوني كقاعدة متقدمة تحقق أهدافه، وأيضًا النفط العربي، ومنها الاستفادة بالموقع الاستراتيجي للعالم العربي. ومن أهم ملامح السياسة الأميركية الخارجية:

  • تفكيك الجيوش العربية الوطنية (مثل: الجيش العراقي في عهد الرئيس صدام حسين الذي كان من أقوى الجيوش العربية عتاداً وقوة وتدريباً؛ تفكيك المقاومة الفلسطينية التي كانت في قمة اوجها قبل العام 1982).
  • ايجاد حل للقضية الفلسطينية بما يضمن أمن الكيان الصهيوني (اسرائيل)؛ ولا يرضي الفلسطينيين.
  • ايجاد صيغة مقبولة للتفاهم والاستفادة من المصالح المشتركة مع القيادة في ايران.
  • استيعاب الدور السوري بالمنطقة.

وتظل السياسة الأميركية الخارجية مستندة إلى درع أوروبا ومرتبطة بحلف شمال الأطلنطي، أي أنه مهما كان توجه الأمور في أوروبا في اتجاه التوحد أو التفرق السياسي، فإنها يجب ألا تصيب حلفها مع أميركا بالضعف، بل تظل علاقة التحالف قوية فوق أية توجهات أوروبية خاصة. وأن استمرارية العلاقات الإيجابية الأميركية الأوروبية هي الركيزة الأساسية لبقاء هيمنة القطب الأميركي على العالم.

ولغرض تحقيق هذه الهيمنة على العالم استندت الإستراتيجية الأميركية على مرتكزين أولهما يقوم على تضخيم عناصر القوة القومية والوصول بها إلى أعلى مراتب القوة، وثانيهما يركز على العمل لإقامة نظام سياسي اقتصادي يقوم على إستراتيجية الاحتواء.

وفي ظل هذه البيئة الدولية، والتوجه الأميركي فيها للهيمنة على العالم، كان من الطبيعي أن تتأثر الأقاليم ذات الأهمية الإستراتيجية، وفي مقدمتها منطقتنا العربية والاسلامية ذات الحساسية العالية لأي تأثيرات بالتحولات الإستراتيجية في هيكلة المنظومة الدولية، لكونها ارتبطت بعلاقة تأثير متبادل مع النظام الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،فالتوازنات العالمية تؤثر في التوازنات الإقليمية وبالعكس، فكانت التحولات التي شهدها التوازن الدولي والمصالح الاقليمية أن تؤثر نتائجه وبقوة في هذه المنطقة وفي قلبها سورية والعراق وفلسطين ،خاصة بعد انعدام هامش المناورة المستقلة أمام بعض الدول العربية، فضلاً عن تراجع الدور العربي بشكل مخزي، وانعدام القدرة العربية في التأثير على النسق الدولي، مما أدى إلى التراجع في مدى الاهتمام بقضاياها بسبب زيادة التبعية للولايات المتحدة الأميركية على البيئة الدولية بعد الانهيار.

إن ما حدث ويحدث وباختصار شديد هو فك ارتباط العرب بقضيتهم المركزية والمصيرية (فلسطين)، وتخليهم عن الفلسطينيين وعن أرض فلسطين؛ هذا ما جعل رد الفعل العربي تجاه  القضية الفلسطينية يرقى إلى حد التواطؤ.

ومن خلال التحليل يتضح أنّ الإدارة الأميركية الحالية  قد تعمّدت التصعيد ضد فلسطين والفلسطينيين معتمدة على إستراتيجية يلفّها الشك والغموض؛ فمن هنا تم استخدام ترامب هذا الرئيس المعتوه بالاعلان عن قراره “الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن تاريخ هذا القانون يعود إلى 22 عاما، والجديد هذه المرة هو أن ترامب وقع عليه رسميا ليصبح نافذا..”..!!؟ وفي هذا تجسيد مطلق لنظرية الفوضى التي تقول باعتماد قرارات توحي بدرجة عالية من الخطورة، ويتبين في ما بعد إستحالة تنفيذها….

وهناك تحسبات من ان سياسة الفوضى التي تتبعها الادارات الأميركية المتعاقبة؛ ستنتهي الى تدخلات اقليمية واسعة في الدول التي تجرى فيها عملية التغيير مما قد ينذر بوقوع حروب اقليمية لا يمكن التنبؤ بما سيحدث فيها أو حتى السيطرة عليها ….!!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى