تقرير عريقات.. وسلام الحاج بنس!

“على كل من يريد السلام أن يوافق على كل ما سوف تفرضه اميركا، وإن كل من يعارض ذلك سيعتبر من قوى الإرهاب والتطرُّف المتوجب على القيادات السياسية في المنطقة طردها ومحاربتها، فالاعتدال يعني قبول صفقة فرض الإملاءات، التي تعتبر بامتياز تبنّياً كاملاً وشاملاً لمواقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بفرض الأمر الواقع من خلال الاستيطان الاستعماري، ومصادرة الأراضي، وطرد السكان، والتطهير العرقي، وهدم البيوت، والاغتيالات والاعتقالات والحصار والاغلاق”.
هذا الكلام ليس لنا، وإن لطالما قلنا بمثله قبل مجيء ترامب ومن بعده، وقاله ويقوله سوانا، وبات من مسلمات المرحلة وغير الخافي على أحد، لكنما المفارقة أنه قد ورد في تقرير للدكتور صائب عريقات، امين سر اللجنة التنفيذية، وكبير مفاوضي السلطة، وصاحب نظرية “المفاوضات حياة”، قدَّمه لرئيس المنظَّمة والسلطة قبيل انعقاد الاجتماع الطارئ للمجلس المركزي،   الذي تم التنادي لعقده في رام الله إثر قرارات ترامب المتعلقة بالقدس وبهدف الرد عليها.
موضوع التقرير يتمحور حول ما تدعى “صفقة القرن”، وهذا المقتطف منه، هو المتناول لجانبها الأميركي، أما ما يتعلق بالمحتلين فيه، فالدكتور عريقات، وبعد ربع قرن تفاوضي معهم، قد توصَّل أخيراً إلى أن حكومتهم “متمسكة باستراتيجيتها القائمة على وجود سلطة فلسطينية لكن دون سلطة، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي دون كلفة”، بمعنى الحفاظ على وظيفية هذه السلطة احتلالياً، كون وجودها يجنّبه كلفة احتلاله، ودورها الفاعل في حفظ أمنه بالحؤول دون مقاومته.
لسنا هنا بصدد العودة لما تمخَّض عنه اجتماع المركزي الطارئ، ولا لماذا لم  يرتفع إلى مستوى خطورة ما دعي للرد عليه. هذا ما كنا قد عالجناه في مقال سبق، وما جاء في تقرير عريقات المشار إليه يؤكّد ما كنا ذهبنا إليه، وخلاصته، أن فلسطينيي التسوية لا زالوا الحالمين بها، ولا زالت خيارهم الأوحد، ولكنما ليس بإمكانهم، ولا إيٍ فلسطيني كان، الموافقة على “صفقة القرن”، ولذا يلوذون بالتدويل هروباً من هذه المتحارجة الصعبة، لعلهم يعثرون على من لديه الرغبة، وبالأحرى الجرأة، على منافسة الأميركي المحتكر في امتياز رعاية ما تدعى “المسيرة السلمية”، هذه التي لا زالوا متمسكين بجدثها آملين انبعاثها رغم كل ما قاله ، أو اعترف به، في تقرير كبير مفاوضيهم.
ما قاله عريقات سبقته إليه كثرة من محللي وسائل الإعلام الاحتلالية، ومنهم، شالوم يروشالمي في صحيفة “ميكور ريشون”، حيث يقول: “إن الاستراتيجية التي يعكف نتنياهو وترامب على تنفيذها تقوم على تقديم عروض سياسية للفلسطينيين بهدف دفعهم لرفضها ليظهروا بمظهر الرافض لتسوية الصراع، بما يلغي الظروف الموضوعية لتطبيق حل الدولتين”… هذا، والملاحظة من عندنا، الذي بات بفعل الوقائع التهويدية على الأرض من الماضي، والمبتغى الآن الانطلاق من بعده إلى ما خلص إليه عريقات، أي جعل التصفية النهائية للقضية باستكمال التهويد أمراً واقعاً أيضاً.
…ويضيف يورشالمي، إن “ما يدلل على أن ترامب غير معني بتسوية الصراع حقيقة أنه حرص على تنصيب ثلاثة من غلاة اليهود المتدينين لكي يديروا ملف صفقة القرن”، في إشارة منه لمستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر، ومبعوثه للمنطقة جيسن غرينبلت، وسفيره لدى كيان الاحتلال ديفيد فريدمان، والذين قال أنهم “يتبنون مواقف متطرّفة تتجاوز الخط الايدلوجي لحزب البيت اليهودي، الذي يمثّل التيار الديني الصهيوني في إسرائيل”، أما مرده عنده فهو أن “هناك “قاعدة ايدولوجية مشتركة” تجمع بين اليمينين في كل من اميركا والكيان الاحتلالي.
ما أشار إليه يورشالمي في “ميكور ريشون” أكد عليه زميل آخر له هو  درور آيدور في “إسرائيل هيوم” حين دعى هذا إلى عدم التعاطي مع زيارة نائب الرئيس الأميركي بنس على أنها سياسية فحسب، إذ يشدد على أن الأخير يرى فيها أيضاً “رحلة حج”، لافتاً إلى أنها بالنسبة للزائر تأتي من منطلق “عقائدي وقيمي كانجيليكاني”، موضّحاً أن ما يوجِّه الأنجيليكانيين هو ما ورد في كتاب “التناخ”، إذ يرون في العمل على تهويد القدس “فريضة دينية”…ما قاله آيدور أيَّده خطاب بنس لاحقاً في الكينيست، إذ لكثرة ما استشهد فيه بعبارات توراتية، بدا وكأنما هو احد حاخامات الحريديم…ما بدا منه جعله يحظى بحفاوة غير عادية لدى حلفائه المحتلين، بل وحدا ببعضهم لأن يصفه ب”المسيح المنتظر”! لا سيّما وهم يسمعونه يقول بأنه يشرّفه أن يكون “أول نائب رئيس أميركي يزور القدس بصفتها عاصمةً لدولة إسرائيل”.
من على منبر الكينيست وجّه بنس لرام الله رسالة توضح ما لم يكن بخافٍ عليها، والذي إن هي لا تقوى على قبوله، فلا تعترض عليه عواصم التسوية العربية، أو هذه التي بات المطلوب منها الضغط عليها لقبوله، لقد كثَّف بنس فحوى صفقة ترامب الموعودة بقوله: “إن اعلان القدس عاصمة لإسرائيل سيساهم في بلورة اتفاقية سلام قابل للحياة”!!!
…لاحقاً اعلن ترامب وهو يلتقي نتنياهو في دافوس، أن القدس “خارج طاولة المفاوضات” للوصول لسلام بنس القابل للحياة ، أو ما وصفه تقرير عريقات بأنه “التبني الكامل والشامل” للمفهوم الاحتلالي للتسوية التصفية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى