نبذة عن تاريخ عبد النـاصـر في الذكرى المئوية لولادته

في حياة الأمم والشعوب والأجيال، أفراد يواعدهم القدر، ويختصهم دون غيرهم بمواقف وأدوار طليعية يسجلها التاريخ الحضاري، وتبقى وأصحابها على الدوام، منارة هداية وإشعاع واقتداء، لأفراد وأجيال الأمم والشعوب جمعاء.

ولعل جيل الثلث الأول من القرن العشرين الميلادي المنصرم في حياة الأمة العربية، هو الذي كان على موعد مع القدر حين استولد في 15/1/1918 وفي مدينة الإسكندرية في مصر، الابن البكر “جمال” لوالده عبد الناصر حسين، المرتحل اليها من قريته الفلاحية “بني مر”، من أعمال محافظة أسيوط في صعيد مصر وبمرور عدة اشهر على ولادته حتى اندلعت الثورة في كل مكان وهب الشعب المصري بوجه الاستعمار وكانت اصوات قنابل الاسطول البريطاني على الإسكندرية هي التي تعودها “جمال” في ظل ثورة 1919.

لقد سارت حياة جمال عبد الناصر، حياة قلق وعذاب واضطراب يتنقل خلالها من بلدة الى بلدة، ومن قرية إلى أخرى مع أسرته تبعاً لتنقل معيلها بحكم عمله الرسمي كساع في مصلحة البريد. ومن مدرسة الى أخرى وهو على هذه الحال في مراحل تعليمه الثلاث حتى نال شهادة الثانوية العامة وهو في مدرسة النهضة بالقاهرة سنة 1936 وهو في الثامنة عشرة من عمره. بعدها التحق بالكلية الحربية في مارس/آذار 1937 ليقضي فيها ستة عشر شهراً انتهت بتخرجه ملازماً ثانياً في يوليو/تموز سنة 1938.

ولقد بدأ اشتغاله بالسياسة مبكراً، ففي سنة 1930 وفي مدرسة رأس التين الثانوية في الإسكندرية قاد مع زملائه الثائرين من الطلاب أولى تظاهراته في ميدان المنشية، حيث إنهال عليهم الرصاص فسقط عدد من القتلى والجرحى. وفي عام 1935 قاد مظاهرة طلابية من مدرسة النهضة بالقاهرة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني وأصيب فيها بجبهته بضربة هراوة أسالت دمه وبقيت آثارها بارزة طوال عمره! وقد نشر في اليوم الثاني اسم الطالب جمال عبد الناصر في الصحف المحلية لأول مرة في حياته. وبسبب ذلك فصل من المدرسة؟!! إلاّ أن إضراب رفاقه ورفضهم تلقي الدروس اجبر إدارة المدرسة على إلغاء قرار الفصل، وعودة جمال إلى مدرسته. وكان في تلك الأيام شعلةً من نار، وكان يحس بالفساد وكذلك بالرشوة التي كان يرى ضرورة قمعها كما كتب إلى أحد أصدقائه يقول: {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة} فأين تلك القوة التي نستعد لها؟ إن الموقف دقيق في مصر… فان بناء اليأس عظيم الأركان، فأين من يهدم هذا البناء؟!

وفي رسالة له من منقياد (وهو ضابط في كتيبة البنادق الخامسة المشاة في سنة 1939) إلى أحد أصدقائه كتب يقول: “يسرني أن تعلم أن أخلاقي ما زالت متينة: فجمال الحاضر أو الموجود في منقياد هو جمال الذي تعرفه منذ زمن بعيد… هو الذي يبحث عن آماله في الخيال ولكنها تفرق الأشباح…”

وفي الخرطوم بالسودان ايضاً كان جمال يفكر في المستقبل، يفكر في هذا الجيل الذليل الذي رضي بالخنوع والاستسلام. كما كتب يقول: “كل عيبي هنا في عملي إنني (دغري) على الخط المستقيم، لا اعرف التملق ولا الكلمات المنمقة ولا أتمسح بالأذيال…” وحتى اذا ما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين – في قلب القاهرة – يوم 4 فبراير/شباط سنة 1942 ثارت نفس جمال عبد الناصر فكتب الى احد أصدقائه يقول: “اني اشعر بخزي وعار شديدين، لأن جيشنا سكت عن هذا الاعتداء وارتضاه، ولكني مسرور – على كل حال – لأن ضباطنا كانوا يشغلون أوقات فراغهم بالحديث عن المتع والمسرات، ولكنهم الآن بدأوا يتحدثون عن الانتقام…” ومن الخرطوم الى القاهرة ثم الى الحاقه بالقوة المصرية التي كانت تراقب الموقف الحربي في منطقة العلمين أثناء الحرب العالمية الثانية. وبعدها إلى القاهرة للدراسة في كلية أركان الحرب التي تخرج منها يوم 2/5/1948، والحق بعد يومين بكتيبة المشاة السادسة بفلسطين التي كانت أول كتيبة من الجيش المصري دخلت حرب فلسطين يوم 15 مايو/أيار سنة 1948.

في فلسطين ومن أجلها كان دور جمال عبد الناصر مميزاً ومرموقاً ومشهوداً. فقد اراد هذا الثائر – ومن قبل أن تدخل مصر حرب فلسطين –التطوع وحمل سلاح الكفاح في سبيل تحرير الأرض المقدسة فقدم استقالته من الجيش، إلاّ أن رئيس وزراء مصر آنذاك (النقراشي باشا) رفضها، فقصد جمال مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني يطلب اليه التدخل لدى النقراشي باشا لقبول استقالته، إلاّ أن هذا الأخير عاد ورفض طلب الاستقالة مجدداً، إلى أن تحقق له ما أراد، حين أعلنت الحرب. وهناك في فلسطين كان جمال عبد الناصر قائداً يتقدم جنوده دائماً حتى أصيب في صدره وحمل الى المستشفى العسكري في غزة وعولج هناك وتقرر نقله إلى القاهرة لاستكمال العلاج والاستجمام. ولكنه وقبل انتهاء العلاج والاستجمام ارتدى ملابسه العسكرية وعاد إلى ارض المعركة مفاجئاً زملاءه وجنوده الذين احتسبوه انه باقٍ في القاهرة ولن يعود. وواجه الموت مرات عدة ثم حوصر في الفالوجة. واكتسب من غبار المعارك خصائص القائد المحارب والرجل العسكري الفذ، ذلك حيث كتب يقول: “وانا اذكر أيام كنت اجلس في الخنادق واسرح بذهني إلى مشاكلنا، كانت الفالوجة محاصرة. وكان تركيز العدو عليها ضرباً بالمدافع والطيران تركيزاً هائلاً مروعاً. وكثيراً ما قلت لنفسي: “ها نحن هنا في هذه الجحور محاصرون، لقد غُرر بنا ودُفِعْنا إلى معركة لم نُعَدُّ لها، لقد لعبت بأقدارنا مطامع ومؤامرات وشهوات. وتُرِكنا هنا تحت النيران بغير سلاح.. وحين كنت أصل إلى هذا الحد من تفكيري كنت أجد خواطري تقفز فجأة عبر ميادين القتال، وعبر الحدود إلى مصر، وأقول لنفسي: هذا هو وطننا هناك، إنها: فالوجة” أخرى على نطاق كبير… إن الذي يحدث لنا هنا صورة عن الذي يحدث هناك… صورة مصغرة، وطننا الآخر حاصرته المشاكل والأعداء، وغُرِّرَ به… ودُفِعَ إلى معركة لم يُعَدُّ لها، ولعبت بأقداره، مطامع ومؤامرات وشهوات وتُرِكَ هناك تحت النيران بغير سلاح…”

فمن كل هذا العرض السريع والموجز لسيرة جمال عبد الناصر، نستطيع ان يتبين انه كان البطل المنتظر للعب هذا الدور التاريخي بشخصيته الجادة المكونة في تلك المسيرة التي لم تخالطها العبثية ولا الانتهازية ولا شهدت انحرافاً وانغماساً في الملذات، وان شعب مصر، وشعوب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج هي المعنية والمختصة بانتظار هذا البطل لأنه منها ولها، وهذا ما أكدته أجواء ما آلت اليه نكبة فلسطين. فبعودة الجيش المصري من فلسطين إلى بلاده إلى “الفالوجة الكبرى”، كان طبيعياً وكان حتمياً أن ينصرف جمال عبد الناصر صوب تنظيم الضباط الأحرار (الذي كان قد بدأ بتنظيمه منذ سنة 1942) الذي ألحقت به حرب فلسطين خسائر شديدة، وكان ملحاً أن يعوِّض هذا التنظيم تلك الخسائر بأقل ما يمكن من الوقت وفي طليعتها إعادة اتصال الضباط الأحرار بعضهم ببعض، وتجديد هيكلية تنظيمهم بتكوين “الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار” لأول مرة وكان رئيسها المنتخب جمال عبد الناصر.

ومع إشراقة شمس نهار 23/يوليو/تموز 1952 كان راديو القاهرة يعلن لشعب مصر وللأمة العربية وللعالم اجمع، قيام الجيش المصري بالثورة المصرية التي اقتلعت النظام الملكي من جذوره، وتأسيس النظام الثوري الجمهوري المستمد سلطته من الشعب المصري ومستنداً في ذلك إلى المبادئ الستة التالية:

– القضاء على الاستعمار وأعوانه الخونة من المصريين.

– القضاء على الاقطاع.

– القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.

– إقامة عدالة اجتماعية.

– إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

– إقامة جيش وطني قوي.

كما دعا الشعب المصري- بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية – الى الاندفاع بتحقيق وتنفيذ هذه المبادئ الثورية في ورشة عمل دائمة ومستديمة قاعدتها دائماً: الاتحاد – النظام – العمل.

وعليه، فإن حركة الضباط الأحرار في الجيش المصري وبقيادة الهيئة التأسيسية ورئيسها جمال عبد الناصر لم تكن انقلاباً عسكرياً، كما ادعى منذ البداية المعادون لهذه الثورة في الداخل المصري وفي الساحة العربية والدولية: فالانقلاب العسكري – بعكس الثورة – يكتفي بتطبيق قاعدة: قم لأقعد مكانك وكفى: أما الثورة فهي اقتلاع للنظام القائم من جذوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تماماً كما توحي وتدل على ذلك المبادئ الستة المبينة أعلاه.

لقد كانت ثورة الجيش المصري ثورة شعبية تغييرية جذرية بأداة عسكرية ولكنها كانت بمستوى الثورات الشعبية التي عرفتها الإنسانية خلال القرنين السابقين الفرنسية والأميركية والألمانية والايطالية والبلشفية والجزائرية والكوبية والفيتنامية في التطلعات والاهداف، مع اختلاف الأداة المنفذة. وما أتعس واشقى الذين وصفوها بالانقلاب العسكري وانكروا عليها ثوريتها ومبادئها الستة تفقأ عيونهم، وإنجازاتها اللاحقة والمتلاحقة بدون توقف او انقطاع على ممر سنواتها خير شاهد على ذلك واهمها:

البدء بتحقيق الإصلاح الزراعي بتحديد الملكية وتمليك ما يزيد عن الحد المعين إلى الفلاحين المصريين الذين كانوا يعملون في أراضي الاقطاع بصفة أقنان لا إجراء.

إسقاط النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري.

توقيع اتفاقية الجلاء وخروج الجنود البريطانيين من قاعدة قناة السويس بنهاية شهر يونيو / حزيران/1954 بعددهم الثمانين الفاً.

القضاء على فتنة “الإخوان المسلمين” بنجاة وسلامة جمال عبد الناصر من رصاص محمود عبد اللطيف في منشية البكري في الإسكندرية سنة 1954.

كسر احتكار السلاح الذي كان يفرضه الاستعمار الغربي بالتوجه نحو منظومة الدول الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي التي رفعت الجيش المصري إلى درجة الجيوش الحديثة.

إعلان تأميم قناة السويس في 26/تموز/يوليو/1956 رداً على سحب البنك الدولي عرضه لتمويل بناء السد العالي بتحريض من العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.

التصدي لعدوان الحلف الثلاثي: البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي على مصر ودحره وانسحاب إسرائيل من الأراضي المصرية المحتلة في سيناء، وأفول نجم الاستعمار العسكري المباشر لدولتي الاستعمار العسكري القديم بريطانيا وفرنسا.

نجاح مصر في اسقاط نظرية ملء الفراغ التي طرحها الرئيس الأميركي ايزنهاور ومحاصرتها واعلان جمال عبد الناصر: إننا نرفض ملء الفراغ في الشرق الأوسط بواسطة الولايات المتحدة واذا كان هناك من فراغ احدثه أفول نجما الاستعمار الإنكليزي والفرنسي فنحن اهل هذه المنطقة الذين نملأ هذا الفراغ.

النجاح في مقاومة الأحلاف التي راح يفرضها الاستعمار في المنطقة بحجة وبذريعة الوقوف بوجه الاتحاد السوفياتي (مشروع ايزنهاور – الحلف التركي العراقي الإيراني الباكستاني الذي تعدلت تسميته لاحقاً إلى حلف بغداد – الحلف الإسلامي علماً بأن هذه الأحلاف لم يكن لها من هدف إلاّ التصدي لصعود نجم الحركة القومية العربية وحصارها وتطمين إسرائيل إلى وجودها غدة سرطانية في قلب الوطن العربي في فلسطين.

مساعدة واحتضان وتسليح الثورة الجزائرية بقيادة جبهة التحرير الجزائرية التي انتصرت في سنة 1963.

إعلان الجمهورية العربية المتحدة بوحدة مصر وسوريا وعاصمتها القاهرة في 1/1/1958.

الوقوف إلى جانب ثورة الشعب اللبناني سنة 1958 ضد نظامه السياسي وحكومته الملتحقة بمشروع ايزنهاور وبتأييد حلف بغداد وإفشال هذه المؤامرة في مهدها.

قيام الثورة العراقية في 14/7/1958 وإسقاط النظام الملكي ومسارعة الجمهورية العربية المتحدة وجمال عبد الناصر إلى تقديم اعلى درجات المساعدة والحماية للنظام الجمهوري في العراق بعد نزول واحتلال القوات العسكرية الأميركية والإنكليزية للدول العربية الثلاث: لبنان والأردن والكويت، تمهيداً لغزو العراق منها واسقاط نظامها الثوري الجمهوري ومنع افشال هذا المخطط في حينه.

دعم حركات التحرير في الجنوب اليمني المحتل وفي ظفار وقيام جمهورية اليمن الديمقراطي سنة 1967 وخروج الاستعمار الإنكليزي من عدن وسائر أنحاء الجنوب اليمني الذي كان يسمى باتحاد الجنوب اليمني.

انطلاق جمال عبد الناصر إلى اكتشاف آفاق العمل الوطني في مصر وعلاقته الجدلية مع باقي إقطار الوطن العربي، ودول العالم الإسلامي والقارة الافريقية المعبّر عنها بالدوائر الثلاث: الدائرة العربية والدائرة الأفريقية والدائرة الإسلامية كما كتب في كتابه “فلسفة الثورة” الذي يبقى على الأيام شاهداً على عبقرية جمال عبد الناصر وثوريته الدائمة الإبداع: ” أيمكن أن نتجاهل أن هناك دائرة عربية تحيط بنا، وان هذه الدائرة منا ونحن منها. فتاريخنا امتزج بتاريخها، ومصالحها ارتبطت بمصالحنا حقيقة وفعلاً وليس مجرد كلام وما من شك في ان هذه الدائرة هي اهم هذه الدوائر واوثقها ارتباطاً بنا”.

” أيمكن أن نتجاهل أن هناك دائرة أفريقية، شاء لنا القدر أن نكون فيها، وشاء ايضاً أن يكون فيها اليوم صراع حول مستقبلها، وهو صراع سوف تكون آثاره لنا أو علينا، أردنا ذلك أم لم نرد”.

” أـيمكن ان نتجاهل أن هناك دائرة إسلامية تجمعنا بهذا العالم الإسلامي، وان معه روابط لا تقربها العقيدة الدينية فحسب وإنما تشدها الينا حقائق التاريخ”.

وجمال عبد الناصر وهو في كل هذا الوعي الوطني المصري وفي كل هذا الوعي للدوائر الثلاث ودور مصر فيها، وعلى الأخص منها الدائرة العربية، كانت ملامح الفكر الاستراتيجي الذي امتلكه تدفعه نحو دائرة جديدة الى جانب الدوائر الثلاث أي الدائرة العالمية: دائرة الحياد الإيجابي التي صاغها مؤتمر باندونغ (اندونيسيا)  سنة 1955 بجهد مشترك من عبد الناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو وشوان لاي، واعدادها لتكون ميدان نضال وكفاح أمم وشعوب العالم الثالث في القارات الثلاث: آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية صاحبة قضايا الحق المهضوم على سطح الكرة الأرضية.

بعد كل هذا وغيره من الإنجازات والمواقف الثورية الوطنية والقومية والدولية التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، اليس صحيحاً ما صار متفقاً ومسلماً به ان يوم 23/يوليو/تموز 1952 كان فاتحة لعصر جديد في افق هذا الشرق العربي استمر مشعاً بل متواصل الاشعاع حتى 28/سبتمبر/أيلول سنة 1970، اليس محقاً ان نطلق على عقدين من السنوات من عمر الثورة المصرية ومن عمر جمال عبد الناصر (23/7/1952-28/9/1970) تعبير واسم عصر عبد الناصر؟! تماماً كما اجمع علماء الجيوبوليتيك وسماه الشاعر نزار قباني:

“وعندما يسألنا أولادنا… من انتمُ؟ في أي عصر عشتُم؟

في عصر أي ملهمٍ… في عصرِ أي ساحرِ؟

نجيبهم في عصرِ عبد الناصرِ..

الله ما اروعَها شهادةً..

انْ يوجدَ الانسانُ في زمانِ عبد الناصرِ… ”

ولعل القوى المعادية لجمال عبد الناصر (دولاً واحزاباً وجماعات وافراداً) التي لم تأنس لوفاته وان كانت لم تستطع ان تخفي شماتتها، ستبقي سلاحها المعادي لعبد الناصر مشهوراً، بعد وفاته – كما كان ذلك قبل وفاته – بوجه تاريخه ومبادئه الاستراتيجية، وطالما ان الشعب المصري والأمة العربية وشعوب حركات التحرر الوطني في العالم سائرة على دربه.

لقد ترك عبد الناصر مبادئ ومناهج عمل وطنية وقومية وعالمية في قطاعات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، كافيةٌ – اذا ما إتُبعِت على الدوام – للنجاح في تحقيق كل اهدافنا ولا سيما:

في مجال تحديد القوى المعادية للامة العربية: ان عدوي وعدو امتي هو:

الاستعمار – الصهيونية – الرجعية العربية.

في مجال تحديد أسس الصراع التناقضي والتناحري مع إسرائيل وصولاً الى استعادة فلسطين كلها وكاملة من البحر الى النهر:

لا صلح – لا مفاوضات – لا اعتراف.

ما أخذ بالقوة لا يسترد الاّ بالقوة.

المقاومة الشعبية المسلحة، وجدت لتبقى وستبقى.

في مجال التصدي للتخلف الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية:

لست ضد الإرث انّ الإرث شرع سماوي. ولكني ضد الملكية المستغلة.

إني مع الإرث واريده: في الكفاية وليس في الحاجة – في الصحة وليس في المرض – في العمل وليس في البطالة – في العلم وليس في الجهل.

في 28 أيلول 1970 مات جمال عبد الناصر لحظة انهماكه في توديع ملوك ورؤساء الدول العربية الذين فرغوا من اجتماعات مؤتمر القمة العربية الاستثنائي والمفاجئ الذي عقد بدعوة منه لوضع حد للقتال الخطير الذي انفجر في المملكة الأردنية الهاشمية بين الجيش الأردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

مات جمال عبد الناصرالجسد، ولم ولن يموت جمال عبد الناصر الانسان المؤمن – الرئيس – البطل – الثائر – المناضل – الرائد – القائد – المفكر – الملهم – الزعيم المصري والعربي والإسلامي والعالمي والإنساني. فهو دائماً معنا وبيننا وعلى الدوام، جيلاً بعد جيل بما تركه لنا وبما تركه فينا.

يقول جمال عبد الناصر: “لقد أعطيت هذه الثورة العربية عمري وسيبقى لهذه الثورة العربية عمري، ولسوف ابقى هنا، ما أراد الله لي البقاء، اقاتل بجهدي كله من اجل مطالب الامة العربية، واعطي حياتي كلها لحق الجماهير في الحياة. لم تكن عندي أحلام في مجد شخصي فلقد اعطتني امتي هذه من المحبة والتقدير والتأييد ما لم يكن يخطر ببالي في وقت من الأوقات، وليس عندي ما اعطيها غير كل قطرة من دمي”

صدق جمال عبد الناصر بكل ما كانه وبكل ما التزم وتعهد به، وانجزه على مدار المساحة العمرية التي قدرها الله تعالى وارادها له جلّت قدرته.

*الأمين العام لاتحاد المحامين العرب

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى