سوريا تحارب على عدة جبهات .. وسوى الروم خلف جيشك روم

لم يكن تنظيم “داعش” الإرهابي العدو الوحيد للشعب والقيادة السورية، بل كان العدو الأضعف، لكن بعد دحر هذا العدو، ظهر العديد من الأعداء على أراضي سوريا، منهم من يريد أخذ قطعة من الكعكة السورية، ومن يريد تقسيم وتفتيت الدولة وإنهاك الجيش وتشريد الشعب، وهو ما أدركته الحكومة السورية بقيادة الرئيس “بشار الأسد” منذ اللحظة الأولى للأزمة، لكنه فضّل تتبع سياسة المراحل في حربه ضد أعدائه.

مخططات أمريكا الانفصالية

بدأت خطط تقسيم سوريا وتفتيتها تظهر بوضوح بعد دحر تنظيم داعش، فيبدو أن هذا الهدف هو المرحلة الثانية في المخطط الأمريكي، وهو ما ظهر في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تليرسون، خلال كلمته التي ألقاها في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية، الأربعاء الماضي، حول استراتيجية بلاده لمساعدة سوريا لإنهاء الحرب الدائرة فيها منذ 7 سنوات، حيث قال إن الجيش الأمريكي باقٍ في سوريا، ليس فقط لدحر تنظيم داعش بالكامل، بل من أجل منع الرئيس السوري، بشار الأسد، من بسط سيطرته على كامل البلاد مع حليفته إيران.

تصريحات تليرسون أظهرت تغير الاستراتيجية الأمريكية بشأن سوريا عن تلك التي أعلنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منذ تسلمه منصبه، حيث أعلن حينها أنه لن ينخرط أكثر في الملف السوري، وسيتركه للقيصر الروسي، الذي يعتبر أكثر إلمامًا ونفوذًا بالأزمة هناك، لكن تصريحات “تليرسون” حملت في طياتها معانٍ متناقضة تمامًا مع سياسة “ترامب” التي أعلنها سابقًا، وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي تأتي تحت ستار “منع داعش من استعادة قوته”، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية بصدد الانخراط أكثر في تشكيل الخريطة السياسية السورية بكاملها، الأمر الذي يشير إلى احتمالية أن تتبدل مهام الجيش الأمريكي خلال الفترة القادمة، وهو ما يتناسق مع الأنباء حول نية الولايات المتحدة إقامة قاعدتين عسكريتين في سوريا، واحدة في مطار الطبقة العسكري بالقرب من سد الفرات، والأخرى في منطقة التنف على المعبر الحدودي بين العراق وسوريا، كما يتناسق مع ما أعلنه المتحدث باسم قوات التحالف بقيادة أمريكا، العقيد ريان دالون، قبل أسبوع، بشأن إقامة دولة كردية وتكوين جيش لحمايتها تعداده 30 ألف جندي، تتولى أمريكا تدريبه وتسليحه.

يمكن تلخيص الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا في ثلاثة أهداف: الأول منع عودة داعش بعد هزيمته في الرقة والموصل، والثاني مواجهة النفوذ الإيراني، والثالث إخراج الرئيس الأسد من السلطة، الأمر الذي أثار غضب دمشق، وأخرجها عن صمتها، حيث أكدت وزارة الخارجية السورية أن “الشأن الداخلي في أي بلد من العالم هو حق حصري لشعب هذا البلد، وبالتالي لا يحق لأي من كان مجرد إبداء الرأي بذلك؛ لأن هذا يشكل انتهاكًا للقانون الدولي، ويخالف أهم النظريات في القانون الدستوري”. وجددت الوزارة تأكيدها أن “الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي السورية غير شرعي، ويشكل خرقًا سافرًا للقانون الدولي واعتداء على السيادة الوطنية، وأن هذا الوجود وكل ما قامت به الإدارة الأمريكية كان ولا يزال يهدف إلى حماية تنظيم داعش الذي أنشأته إدارة أوباما، وتابعت: لم يكن هدف الإدارة الأمريكية ألبتة القضاء على تنظيم داعش، مشددة على أن “الجمهورية العربية السورية ستواصل حربها دون هوادة على المجموعات الإرهابية بمختلف مسمياتها، حتى تطهير كل شبر من التراب السوري الطاهر من رجس الإرهاب، وستواصل العمل بنفس العزيمة والتصميم، حتى تحرير سوريا من أي وجود أجنبي غير شرعي”.

اجتياح تركي لـ”عفرين ومنبج”

“لقد بدأت عملية عفرين عمليًّا على الأرض، ومنبج ستكون التالية”. هذا هو الإعلان الذي أطلقه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس السبت، فى خطاب تليفزيوني من مدينة كوتاهية، رافضًا الامتثال للنداءات والمناشدات الأمريكية بعدم خوض هذه المعركة، حيث قال الجيش التركي إنه شن ضربات على وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، في حين يبدو هجوم بري وشيكًا عبر الحدود، وأضاف الجيش أنه شن الضربات في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، على معسكرات ومخابئ للمقاتلين الأكراد، الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين، وذلك ردًّا على إطلاق نار من مدينة عفرين التي يسيطر عليها هؤلاء.

تأتي هذه الخطوة بعد أيام قليلة من تلويح الرئيس التركي بـ”عملية خلال الأيام القليلة القادمة”، فيما حاولت واشنطن منع أنقرة من شن هذه الضربات، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت، الخميس الماضي: ندعو الأتراك لعدم اتخاذ أي إجراءات من هذا النوع، مشيرة حينها إلى استعدادات واضحة لشن هجوم.

في ذات الإطار فإن هذا الهجوم التركي على عفرين ينطوي على عدة مخاطر؛ لأن روسيا التي كثفت تعاونها مع تركيا حول سوريا موجودة عسكريًّا في منطقة عفرين، وتربطها علاقات جيدة مع المقاتلين الأكراد، كما أن دمشق هددت على لسان نائب وزير خارجيتها “فيصل المقداد” بأن القوات الجوية السورية جاهزة لتدمير الطائرات التركية في حال شنها أي هجوم على المدينتين، مؤكدًا أن “قوات الدفاع الجوية السورية استعادت قوتها الكاملة، وهي جاهزة لتدمير الأهداف الجوية التركية في سماء سوريا؛ لأن أي عمليات عسكرية في منطقة عفرين تشكل عدوانًا من قبل الجيش التركي على أراضي سوريا”، وهي التهديدات التي من المؤكد أنها انطلقت من دمشق بعد التنسيق الكامل مع موسكو، التي تعارض أي تحرك تركي في عفرين.

يمكن وصف الأزمة السورية حاليًّا بأنها لعبة شطرنج، سيفوز بها الأكثر ذكاءً وليس الأكثر قوة وعنفًا، فمن المفترض أن تختار تركيا في الوقت الحالي مصيرها: هل ستحارب السوريين المدعومين من روسيا في شمال سوريا، أم الأكراد المدعومين من أمريكا في شمال شرقها؟ لذا فإن الصدام مع الاثنين معًا فهو الانتحار السياسي والعسكري الذي يقدم عليه الرئيس التركي في الوقت الحالي. أما من جانب أمريكا فهي تصعد حربها مع تركيا بدعمها للأكراد وإظهار نيتها بناء كيان كردي وتكوين جيش تعداده 30 ألف جندي لحماية هذا الكيان، كما أنها تفتح على نفسها أبواب جهنم بإظهار نيتها البقاء في سوريا، وهو ما يجعلها تمارس نفس الانتحار السياسي الذي أقدم عليه حليفها التركي القديم، ومن ناحية الحكومة السورية فهي تقف على الضفة المقابلة لكل هذا، منتظرة ما ستؤول إليه المعركة بين الحليفين القديمين، ومن سيفوز في صراع النفوذ والهيمنة، ليبدأ حينها الرد السوري على الفائز، الأمر الذي يعني أن المرحلة المقبلة هي مرحلة مواجهة النفوذ الأجنبي في سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى