البعـث لم يعـرف المهادنة والمسـاومة

 

عندما يعلن البعثي عن بعثيته ويفتخر بإنتماءه اليها ويبدي استعداده للتضحية دونها ، فعليه أن يعلم إنه أمام إلتزامات بعثية حاسمة فكرية وعقائدية وأخلاقية ونظامية وسلوكية قبل أن تكون صفات حزبية أو سياسية أو شخصية أو وجاهات اجتماعية أو غيرها ، وعليه أن ينصهر في منظومة من القيم والتقاليد نشأ عليها الحزب وترسخت بالممارسات اليومية الشاقة والمعاناة القاسية ، تُرتبْ على البعثي الحقيقي إلتزام أخلاقي وانضباط عالي في تطبيق تلك الاشتراطات على مستوى العلاقات بين الاعضاء ضمن الحياة الداخلية للحزب ، وعلى مستوى تأدية الواجبات النضالية وفي مقدمتها التعامل اليومي مع الناس والمجتمع . مقابل تلك الالتزامات هي منح الثقة للمناضل والتي تعتبر أهم قيمة مِن قيم عمله الحزبي تثير فيه أعلى درجات الهمة والغيرة والنخوة والموهبة والابداع والإمكانية في الدفاع عن الحزب أمام الاعداء والمتخرصين والكذابين والادعياء . إن الثقة والكرامة هما أعز ما يتمسك بهما المناضل من قيم ، لأنه قد قبل أن يتعرض لشتى الأخطار وان يعيش عيشة الزهد والكفاف ، بسبب إن الدافع والمحرك هو القيم المعنوية ، وأن من أكبر البلايا التي تصيب الحركة الثورية وتقضي عليها هي عندما يُفْقَدْ هذا الجو ، جو القيم المعنوية والثقة والانصاف والعدل والمحبة والكرامة ، لان الفرد وبأي مستوى كان بحاجة دائمة الى الاعتزاز وبث الحماس والعرفان بالدور والاداء والأمل وزرع الثقة بالنفس والمستقبل )) .

إن حزبا ثوريا كحزب البعث نشأ ونما في مجتمع متخلف وصمد ٧٠ عاما وما زال يتابع سيره ونضاله متحدياً كل الصعاب ، وما يزال يشكل الرقم الصعب في معادلة الصراع مع المحتلين رغم قساوة الحرب الدائرة ضده ، وهو محط آمال قسم كبير من الجماهير العربية التي تتابع أخبار نضاله ومقاومته في العراق ، هذا الحزب الصامد جدير أن يحرك في نفوسنا مشاعر الإعتزاز والأمل والثقة بالله وبالنفس والمستقبل ، والعمل الجدي لتقوية أسسه وضمان تقدمه لأنه حزب يتحرك ويتصرف بفكر الحزب القومي الانساني وبمنطقه وشموله ويقظته ووعيه .

ان ما يحتاجه حزب البعث في هذه المرحلة المصيرية التي تكاد تكون الاخطر على الاطلاق ، هو ما عبر عنه الرفيق المناضل عزة إبراهيم أمين عام الحزب والقائد الاعلى للجهاد والتحرير في إحدى رسائله للكادر المتقدم عندما دعا إلى أهمية إعادة بناء الحزب وتجديده على أسس يستوعب فيها روح العصر ويلبي مستلزمات التقدم الحديث ويستلهم قيم الاسلام الخالدة والتراث العربي المجيد ، ويحقق الانتصار على الذات وعلى الواقع الفاسد الذي خلفه الاحتلال في العراق وفي الامة .

ويمكن تلخيص شروط تحقيق هذه الدعوة بأمور رئيسية ثلاث :

الأمر الاول : الالتزامات بجوانبها الفكرية والعقائدية والاخلاقية والسلوكية والنظامية وغيرها المستندة الى عامل الثقة بين أعضاء الحزب وتحقيق كرامتهم والاعتراف بدورهم ، وما تتطلبه من إنفتاح وتفاعل إيجابي خلاق بين الرفاق في كافة المستويات لتنقية الأجواء على أسس مبدئية ونظامية وعزل الغث من السمين ، وإختيار الاقدر والاكفأ والانزه والأشجع والأكثر صدقاً وصراحة لإشغال المسؤوليات في هذا المفصل أو ذاك .

الامر الثاني : مستوى عالي من الوعي والفهم والكفاءة والحيوية والاقدام والثورية لدى القيادات وعلى كافة المستويات للتخطيط والتنفيذ لأكبر وأخطر معركة في تاريخنا القومي عليها يتوقف مصير الامة بأجمعها ، قيادات قادرة على تعبئة وتحشيد الامكانات العربية والدولية ، وأن تكون القيادات الميدانية بمستوى هذه المهمة من حيث الانضباط والفاعلية والكفاءة والشجاعة والتأثير .

الأمر الثالث : عمل متواصل وجاد في أوساط الشعب وخاصة بين الفقراء والمحرومين ومشاركتهم أعمالهم ومشاكلهم وأحزانهم وأفراحهم لنظهر حماسة الحزب وإيمانه وإصراره على التغيير الشامل ، نظهره الى الفضاء الواسع فضاء الشعب لتحريكه وتحريضه على الثورة ضد كل منحرف وضد الفساد والفاسدين والطائفية والطائفيين وبقايا ومخلفات المحتلين وعملائهم .

فالبعث لم يعرف المهادنة أو المساومة مع أعداء الأمة منذ أن قاوم الانفصال وحارب الانفصاليين بعد أن ضحى بنفسه من أجل الوحدة بين سورية ومصر ، وآثر أن يخسر السلطة في سورية على أن يخسر نفسه ومبدئيته وهويته التاريخية ، أو أن تثلم الثقة القائمة بين البعث وبين جماهير الأمة العربية مثلما أشار لذلك الرفيق القائد المؤسس ميشيل عفلق رحمه الله ، فعمل مع مناضليه في العراق بعد أن استردوا السلطة الثورية على إزالة الالتباسات الناجمة عن فترة الحكم في سورية ، والتشويهات التي ألحقتها بصورة الحزب ، بإبراز قوميته وعروبته وصلته الحية بالتراث الخالد وتحقيق ما يصبو إليه من نهضة وبطولة .

إن الحزب الان من المؤكد لم ولن يقبل المهادنة والمساومة على مبادئه واهدافه وقيمه ودستوره ونظامه وتقاليده ومواقفه سواءاً مايتعلق منها بأعضائه وحياته الداخلية أو ما يتعلق منها بالموقف من المستعمر أو المحتل ومخلفاته ، وقد أنهى البعث بذلك مرحلة صراع خجولة ومترددة بين الخيانة وبين الوطنية الضعيفة الهزيلة كالتي يتحدث عنها البعض في العراق وغيره من اقطار الامة عندما يتشدقون بها وهم في ذات الوقت منخرطين في مشروع الاحتلال ومنهمكين في خدمته ، ليبدأ ( البعث ) صراعا جديدا قوياً بينها ، وبين وطنية من نوع جديد وأصيل يجتمع فيها الاخلاص والانصاف مع الفكر النير ، والتضحية مع النزاهة ، والسياسة مع الصدق ، والهمة والمبادرة مع الوعي ، والمقاومة ضد المحتل مع الاستقامة والعفة ، وحرية الرأي والتعبير مع الانضباط العالي ، والنقد والتصويب مع التحلي بآداب الحديث وإحترام الأفراد والتقاليد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى