المودودي يوظف الدين لمعارضة القومية لتبرير انفصال باكستان عن الهند

 

أبو الأعلى المودودي بن سيد أحمد المودودي، مفكر وداعية إسلامي ولد بمدينة أورنك آباد الدكن بولاية حيدر آباد، 25 أيلول 1903، تعلم على يد أبيه القرآن وأصول الفقه واللغة العربية، لأنه لم يرد إلحاقه بالمدرسة القومية، اشتغل في البداية في مجال الصحافة لأن اهتمامه كان بالسياسة وليس الدين، لكنه سرعان ما انخرط في صفوف “حركة الخلافة” التي قادها أحد أبرز وجوه زعماء مسلمي الهند وهو “مولانا محمد علي”، الذي تقرب منه المودودي وأوصاه بالانتقال إلى دلهي للمساعدة في نشر “مجلة هامدراد” الخاصة بحركة الخلافة، وكانت هذه هي بداية اهتمامات المودودي الإسلامية.

جمعية علماء الهند

بين 1921 و1924، سيرتبط المودودي بـ”جمعية علماء الهند”، الرابطة الأم للعلماء المسلمين في الهند وأصبح رئيساً لتحرير صحيفتها “مسلم”، وبدأت أفكاره تعكس اهتماماً متزايداً بأحوال مسلمي الهند وخارجها، وسبل النهوض بأوضاعهم. وقد خلف سقوط “الخلافة العثمانية” سنة 1924 في تركيا أثراً بالغاً على المودودي، الذي بدأ في انتقاد فكرة القومية، وقد شكلت الأحداث الدامية التي قامت بين مسلمي الهند والهندوس، دافعاً له لكتابة كتابه “الجهاد في الإسلام”، ومع اتساع هوة الخلاف في دلهي اتجه إلى الإقامة في “حيدر آباد”، حيث كرس وقتاً أطول للدراسة، وأطلق لحيته وارتدى الزي التقليدي للمسلمين الهنود، وكان سؤاله المحير: لماذا ضعف حكم المسلمين في الهند؟ وما الذي أدى إلى انهياره؟

وقد توصل إلى أن السبب هو تأثر المسلمين بالتقاليد المحلية، التي أضعفت الروح الإسلامية، مستلهما بذلك أفكار المصلحين المسلمين القدماء خاصة، “أحمد سرهندي” و”ولي الله دهلوي” ودعا إثر ذلك لتأسيس كيان منفصل للمسلمين والقطيعة مع الثقافة الهندية والهندوسية. بعدها سيصدر مجلة “الفرقان” سنة 1932، كما سيُلبي دعوة المفكر الإسلامي محمد إقبال الذي استدعاه ليترأس “دار السلام التعليمية” التي أسسها في ” باتان كوت” في مقاطعة البنجاب.

كان النصف الثاني من الثلاثينيات مرحلة فاصلة لمسلمي الهند، الذين سينقسم رأيهم حول مسألة انفصالهم عن الهند وتكوين دولة خاصة بهم، وقد اتجه المودودي نحو فكرة “جمعية علماء الهند” التي تروم تأسيس كيان يضم مسلمي الهند، ومن هنا نلاحظ بعض الأفكار التي عارضها المودودي، فمعارضته للدولة القومية كانت بسبب اعتبارها نظاماً سياسياً يحكم وفق الأغلبية، والمسلمون كانوا أقلية، وبالتالي ففكرة القومية ليست في صالح الأقلية المسلمة التي ستذوب قوميتها في الأغلبية الهندية، وبالتالي سيفقدون قوميتهم الحضارية وكان الهدف منها تبليغ الأفكار الإسلامية.

أمير الجماعة

بعد ذلك سيؤسس “الجماعة الإسلامية في الهند”، وسيستدعي لها علماء المسلمين في الهند وبحضور (75) فرداً، وسينُتخب أميراً لها، وسيكون لهذه الجماعة بالغ التأثير على المشهد السياسي في الهند بعد ذلك في باكستان. كما سيعمل على حشد الدعم واستقطاب الأتباع من خلال مجلته “ترجمان القرآن” حيث سيدعو إلى “ضرورة وجود جماعة صادقة في دعوتها إلى الله، جماعة تقطع كل صلاتها بكل شيء سوى الله وطريقه، جماعة تتحمل السجن والتعذيب والمصادرة، وتلفيق الاتهامات، وحياكة الأكاذيب، وتقوى على الجوع والعطش والحرمان والتشريد، وربما القتل والإعدام، جماعة تبذل الأرواح رخيصة، وتتنازل عن الأموال بالرضا والخيار”.

سنة 1948 بعد انفصال باكستان عن الهند، نشأ صراع بين “الجماعة الإسلامية” بقيادة المودودي، والتي تريد دولة إسلامية بالتصور الذي نظر له، مقابل تصور حزب “الرابطة الإسلامية”، الذي يريد باكستان دولة للمسلمين”، حيث شارك المودودي في رسم المشهد السياسي في الهند وبعد ذلك في باكستان من خلال “الجماعة الإسلامية”، وقد كان معارضاً لفكرة القومية الهندية التي نادى بها حزب المؤتمر الوطني الهندي بزعامة غاندي. اعتقل المودودي لمدة عامين، لكن تحت الضغط الشعبي سيتم الإفراج عنه. ومباشرة بعد ذلك سيستمر في المطالبة بالدستور الإسلامي، والتزام الدولة بالشريعة الإسلامية، ومن ثم فكرته حول “تكفير الدولة” التي ستؤدي به إلى السجن والحكم عليه بالإعدام، وسيلغى هذا الحكم سنة 1955 وسيفرج عنه بعد ذلك.

توفي المودودي سنة 1979 في نيويورك بعد عملية جراحية، ودفن في لاهور، وقد خلف عشرات المؤلفات التي بلغت (120) عملاً، تُرجم أغلبها إلى اللغة العربية، نذكر منها: “الحكومة الإسلامية”، “كتاب ختم النبوة في ضوء القرآن والسنة”، “مبادئ الإسلام”، “نحن والحضارة الغربية”، “الخلافة والملك”، “فكرة الجهاد في الإسلام”، “الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة”، “الإسلام ومعضلات الاقتصاد”، “منهاج الانقلاب الإسلامي”، “تطبيق الشريعة الإسلامية في الوقت الحاضر”، “موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه”، “تفسير سورة الأحزاب”، “نظرية الإسلام السياسي”، “المصطلحات الأربعة في القرآن: الإله، الرب، العبادة، الدين”، “الإسلام والمدنية الحديثة”، “حقوق أهل الذمة في الدول الإسلامية”، “فتاوى المودودي”.

انتشار الفكرة شرقا وغربا

أثر المودودي في كل التيارات الإسلامية خلال القرن العشرين، خصوصاً في “جماعة الإخوان المسلمين”، التي أسّسها حسن البنا قبل (13) سنة من تأسيس “الجماعة الإسلامية في الهند”(1941)، ناهيك عن تأثر سيد قطب بالمودودي، وهو أحد المنظرين لهذه الجماعة، وتربطه به صلات قوية جداً، حيث هناك تشابه بين فكر الرجلين، خصوصاً فيما يتعلق بمفهوم “الحاكمية”، الذي استقاه قطب من خلال قراءته للمودودي، وهو ما يُعبر عنه هذا الأخير من خلال الشهادة التي قدمها سكرتيره خليل الحامدي الذي أكد في أحد لقاءاته: “أنه في أحد أيام الستينيات الميلادية، دخل شاب عربي على الأستاذ المودودي، وقدم له كتاب “معالم في الطريق” لمؤلفه سيد قطب، وقرأه الأستاذ المودودي في ليلة واحدة. وفي الصباح قال لي: “كأني الذي ألفت هذا الكتاب”، وأبدى دهشته من التقارب الفكري بينه وبين سيد قطب. وأضاف: “غداة تنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب، دخلنا على المودودي، وقص علينا كيف أنه أحس فجأة باختناق شديد، ولم يدرك لذلك سبباً، فلما عرف وقت إعدام سيد قطب من الصحف الباكستانية قال: “أدركت أن لحظة اختناقي هي اللحظة نفسها التي شنق فيها سيد قطب”.

(ميدل ايست أونلاين)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى