تغطية تسريبات القدس المنقوصة

نشرت قنوات فضائية مساء اليوم التسريبات المنسوبة لضابط مخابرات سيساوي إسمه أشرف الخولي بعد أن سبقتهم صحيفة النيويورك تايمز لذلك، وفيها توجيهات لإعلاميين وفنانين – إن جاز التعبير – للتعامل مع قرار ترمب نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة واعتبارها عاصمة للاحتلال

أهم ما جاء في التسريبات هو اعتبار رام الله بديلاً للقدس ويا دار ما دخلك شر!

للتذكير فإن وزير الخارجية المصري عام 1929 أجاب وفداً فلسطينياً قابله في حينها لشرح قضية حائط البراق ليقول: “إدوهم الحيطة دي وشوفولكو حيطة تانية وبلاش وجع دماغ.”

لا تُعتبر التسريبات جديدة المضمون، فمواقف سلطة السيسي واضحة وضوح الشمس ويكفي معرفة موقفهم في الأمم المتحدة الداعم تماماً للاحتلال، فقول شيء في العلن وفعل عكسه في الباطن سياسة ثابتة لسلطة السيساوية.

تعامل الإعلام المصري الموجه مخابراتياً مع التسريب لن يختلف عن تعامله مع التسريبات السابقة، نفي وإنكار وشتم وسباب للناقل “العربي” وتجاهل أن مصدر الخبر صحيفة أمريكية لن يقتربوا منها بحال، وإن فعلوا فسيتهمونها بأنها تابعة للاخوان.

مع الإدانة التامة والمطلقة لهذا الموقف السيساوي، والاحترام للتغطية المهنية للقنوات التي خصصت ليلتها للتسريبات، إلا أن التغطية تبقى منقوصة، فالسيسي ومن حوله اليوم ليسوا أول من فرطوا بالقدس، وليسوا أول من اعتبر رام الله بديلاً.

للتذكير أيضاً فإن رئيس سلطة رام الله محمود عبّاس – الذي كان أميناً لسر اللجنة التنفيذية ل م ت ف – وإبان فترة حكم عرفات، وقع إتفاقية مع السياسي اليساري الإسرائيلي يوسي بيلين في 31أكتوبر/تشرين الأول 1995 عُرفت بوثيفة أبو مازن – بيلين.

نفى عباس توقيع ألوثيقة التي نشرت تفاصيلها عام 1996 صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وترجمتها صحيفة الحياة اللندنية .

اضطر في العام 2000 وبعد نفي وإنكار لمدة خمس سنوات للإقرار بها بعد أن شنرها شريكه فيها بيلين على صفحته الشخصية.

التذكير هو أن الوثيقة المذكورة شملت هذه الجزئية عن القدس:

“يتم توسيع حـدود المدينة الكبرى لتشمل: (أبو ديس والعيزرية وسـلوان)، وتستطيع السلطة الفلسطينية فيما بعد أن تتخذ من الأحياء الجديدة المستحدثة عاصمـة ومركزاً إدارياً لها يصبح اسمها: (القدس AL-QUDS) بالعربية واللاتينية وليس (Jerusalem)، بينما تسمى بقية أنحاء المدينة القديمة بحدودها البلدية القائمة حالياً (أورشـليم JERUSALEM) منعاً لأي التباس، ويعترف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل، وتشكل الأحياء الجديدة المستحدثة من أبو ديـس وسـلوان والعيزريـة وحدة جغرافية وسياسية مستقلة تشكل عاصمة للدولة التي ستعلن عقب انقضاء فترة اختبار النوايا المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، وتجسيداً للتطلعات الروحية والتاريخية للشعب الفلسطيني.

وفي حال وجود معارضة فلسطينية كاسحة لهذا التصور، يتم وضع الخيار البديل للعاصمة الفلسطينية المقترحة وهو (مدينة رام الله) التي تقع كإحدى ضواحي مدينة القـدس شمالاً. أما بالنسبة للسكان العرب في العاصمة أورشليم، فيتم تشكيل مجلس بلدي محلي يدير شؤونهم المحلية تحت إشراف مجلـس البلدية الإسـرائيلي عن كامل المدينـة، ولا يتواجد قي محيط مسؤولية هذا المجلس إلا الشرطة الإسرائيلية فقط،( ويمكن الاستعانة الفنية بالوثيقة التي أعدها رئيس بلدية أورشليم السـابق تيدي كوليك لهذه الغاية)”.

أي أن قدساً بديلة أو رام الله كعاصمة للدولة المفترضة قد تم الموافقة عليها من قبل م ت ف التي وقع عبّاس باسمها وبمباركة عرفات رأس الهرم السياسي حينها.

لم يتوقف الأمر هنا فبعد الإقرار بالوثيقة وفي 01 كانون الأول/ديسمبر 2003 وقع ياسر عبد ربه أيضاً نيابة عن م ت ف وبمباركة عرفات في حينها وأيضاً مع يوسي بيلين ما عُرف ب”مبادرة جنيف” للحل، ورغم أن شهرتها كانت حول إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إلا أن بنودها تعرضت للقدس المحتلة وبالتفصيل الممل وبخرائط وملاحق سرية أشهرها “الملحق x” ولا تختلف كثيراً عن وثيقة عباس.

ملخص ما جاء في وثيقة جنيف حول القدس كان في المادة المتعلقة بالقدس هي المادة 6، وهي تتكون من 13 باب، تورد بنود وشروحات اجرائية مفصلة، أبرزها الباب 2 من الوثيقة، وينص على أن يكون لكل طرف عاصمته الواقعة تحت سيادته، مع اعتراف كل طرف بعاصمة الطرف الاخر، وينص الباب الخامس بند ج انه في نهاية فترة الانسحاب المنصوص عليها في المادة 5/7، تبسط دولة فلسطين سيادتها على الحرم القدسي الشريف وينص الباب السادس من المادة 6 على بقاء حائط المبكى تحت السيادة الإسرائيلية.

في شهر كانون الأول/ديسمبر 2004، وقف ستة سياسيون فلسطينيون وسبعة إسرائيليون أمام الكاميرا للترويج لمبادرة جنيف: يوسي بيلين صاحب مبادرة جنيف، ورئيس مجلس النواب السابق أفراهام بورغ، والوزيرة السابقة يولي تامير، ويايل دايان نائبة محافظ تل أبيب- يافا، وأمرام ميتسنا عضو مجلس الشعب التابع لحزب العمال، ولواءات الاحتياطي جيورا إنبار وشاؤول أريلي.

ومن الجانب الفلسطيني وزير الإعلام الفلسطيني السابق ياسر عبد ربه، والوزير قدورة فارس، والمستشار الأمني للسلطة الفلسطينية جبريل رجوب، ووزير شؤون المفاوضات صائب عريقات، ووزيرة شؤون المرأة الفلسطينية زهيرة كمال، وعبد القادر الحسيني رئيس مجلس إدارة مؤسسة فيصل الحسيني.

عُرضت الرسائل المصورة على اثنتا عشر محطة تليفزيونية خاصة في الضفة الغربية، و200 دار عرض (سينما)، الحملة الإعلامية بأكملها بلغت تكلفتها 000 200 دولار من قبل متبرعين أوروبيين وعلى رأسهم الحكومة السويدية.

تكررت الرسائل المصورة بذات المضمون في شهر أيلول/سبتمبر 2010 وشارك فيها الرجوب وعريقات وياسر عبد ربه وغيرهم.

اليوم: عباس ومن معه لا يتخذون أي موقف حول القدس لأنهم غارقون فيه حتى آذانهم، ولأن إدارة الرئيس الأمريكي ترمب لن تتورع عن فضح كل ما لديها لو حاول أحدهم لعب دور الرجولة المفقودة.

مرة أخرى.. التسريبات الأخيرة لا تزيد إلا تأكيداً للمؤكد حول الموقف الرسمي العربي، الفلسطيني قبل غيره من موضوع القدس…

ما زاد هذه المرة هو الدخول المباشر وشبه العلني لدول عربية كبرى في المنطقة والقبول المباشر بالتنازل عن القدس…

بل وضرب أي تحرك لإنقاذها حتى لو جاء من حليف لهم كملك الأردن عبد الله الثاني، وإجهاض أي اجتماع أو لقاء لبحث القضية…

لكل من يدين تسريبات السيسي أو موقف بن زايد وبن سلمان وهي إدانة مستحقة وصحيحة لا غبار عليها…

ماذا عن الآخرين “الأحياء والأموات” الذين باعوا القدس وفرطوا فيها وقبلوا بعواصم بديلة، ليس بمراسيم رئاسية أمريكية، لكن باتفاقات ووثائق وقعوها بأنفسهم…

مع الشكر للقنوات الفضائية التي كشفت وعرّت وفضحت مواقف المتآمرين على القدس، لكننا نقول لهم: إن تغطيتكم منقوصة…

إن أردتم أن تكتمل التغطية فافضحوا الجميع دون استثناء…

انكشوا الملف من جذوره…

الحق لا يتجزأ ولا يوجد بائع طيب حسن النية، وآخر شرير متعمد…

كلهم تلعنهم القدس دون استثناء

لا نامت أعين الجبناء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى