الجيش التركي  – وليس الايراني – يحتل ارضاً في خمس دول عربية

بشكل متسارع، توسع تركيا انتشارها العسكري في الشرق الأوسط، حتى بات الجيش التركي الذي لم يكن يمتلك قبل سنوات عديدة أي قاعدة عسكرية له خارج البلاد، يحظى بتواجد عسكري في 5 دول عربية بطرق مختلفة لكنها تشترك جميعها بأنها تتمتع بأهمية إستراتيجية كبيرة لتركيا.

وبينما يعتبر تواجد الجيش التركي في العراق هو الأقدم وإن كان الجزء الأكبر منه غير معلن، نشر الجيش التركي قواته في مناطق مختلفة من شمالي سوريا خلال العامين الأخيرين، وتمكن من إقامة قاعدة عسكرية في قطر، وبعدها في الصومال، وأخيراً يجري الحديث عن إقامة قاعدة عسكرية وميناء عسكري في السودان.

وفي حين يأتي التواجد العسكري في سوريا والعراق في إطار البعد الأمني بالدرجة الأولى، يأخذ التواجد العسكري في قطر والصومال والسودان بعداً استراتيجياً مختلفاً وجديداً على السياسة التركية، وهو ما بات يطلق عليه مؤخراً «مثلث الانتشار الاستراتيجي» حيث يكون للجيش التركي موطئ قدم على البحر الأحمر (السودان) وخليج عدن (الصومال) والخليج العربي (قطر) وجميعها محاور إستراتيجية في الشرق الأوسط.

العراق

قبل عدة سنوات أقام الجيش التركي قاعدة عسكرية في شمالي العراق ضمن تفاهمات مع الحكومة العراقية وإقليم شمالي العراق، وذلك بهدف تدريب قوات البيشمركة وقوات سنية عراقية لمواجهة تنظيم داعش الذي كان يوسع انتشاره في العراق آنذاك.

وضمن هذا الهدف المعلن، أقام الجيش التركي قاعدة عسكرية في منطقة بعشيقة التابعة للموصل في محافظة نينوى العراقية وأرسل إليها ما لا يقل عن ألف جندي وعشرات الدبابات والآليات العسكرية ورغم خلافات شديدة مع الحكومة العراقية إلا أن أنقرة أصرت على البقاء في القاعدة. وتتمتع القاعدة بموقع هام حيث تعتبر بعشيقة الفاصل الإستراتيجي الذي يفصل إقليم كردستان من جهة محافظة دهوك عن المناطق ذات الغالبية السنية في العراق، وبعشيقة من أقرب المناطق إلى الحدودية العراقية مع تركيا التي لا تبعد عنها سوى أقل من مئة كيلومتر ويمر بها طريق بري يُمكن القوات التركية الوصول إليها بسهولة من الحدود التركية في حال تعرضها لأي مخاطر.

وبعشيقة تعبر عن التواجد العسكري الرسمي في العراق، لكن التواجد غير المعلن أو غير المثار كثيراً في الإعلام أكبر بكثير مما هو في بعشيقة، فالجيش التركي ومنذ سنوات طويلة يحتفظ بتواجد عسكري كبير في مناطق متفرقة من شمالي العراق في إطار الحرب المتواصلة على تنظيم بي كا كا الذي يتخذ من جبال شمالي العراق قواعد خلفية له. وبحسب مصادر تركية غير رسمية، فإن الجيش التركي ينتشر فعلياً منذ سنوات طويلة في 10 نقاط على الأقل على الجانب العراقي من الحدود وفي بعض الجبال هناك حيث يقيم قواعد جوية وعسكرية تقود الحرب على مسلحي تنظيم بي كا كا.

سوريا

عقب سنوات من محاولات تركيا التعامل مع الأزمة السورية عن بعد ومن خلال دعم مسلحي المعارضة السورية، وجد الجيش التركي نفسه مضطراً قبل قرابة العامين للدخول في عملية عسكرية برية ضد مسلحي تنظيم داعش على الحدود السورية مع تركيا في عملية استهدفت بشكل غير مباشر أيضاً وحدات حماية الشعب الكردية.

وتدريجياً وسع الجيش التركي انتشاره في شمالي سوريا حيث ما زال يتواجد في مناطق جرابلس ودابق والباب وقبل أسابيع بداً عملية انتشار واسعة في محافظة إدلب ضمن ما سمي باتفاق مناطق «عدم الاشتباك»، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدد مراراً بأنه جيشه يقترب من توسيع انتشاره ليشكل مناطق أخرى كثيرة في شمالي سوريا تسيطر عليها الوحدات الكردية أبرزها عفرين.

ويقول محللون أتراك إن بلادهم سوف تسعى لإبقاء قواتها في سوريا حتى عودة الأوضاع هناك إلى الهدوء والاستقرار وتشترط بالدرجة الأولى عودة سلطة مركزية قوية في البلاد، حيث تعتبر أنقرة وجود قواتها في سوريا حاجزاً أمام تمدد الوحدات الكردية التي تسعى لوصل مناطق سيطرتها وإقامة كيان كردي منفصل، وهو ما ترى فيه خطراً استراتيجياً على أمنها القومي.

قطر

مع التقارب الكبير الذي حصل في العلاقات التركية القطرية في السنوات الأخيرة، جرى التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين البلدين أبرزها كانت الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون العسكري والدفاعي والتي قيل آنذاك إنها تشمل إقامة قاعدة عسكرية تركية سوف تكون بمثابة مركز لتدريب وتطوير قدرات القوات القطرية.

وبالفعل جرى إنشاء هذه القاعدة وإرسال أعداد محدود من الجنود والعربات العسكرية إليها، لكن التطور الأبرز حصل بالتزامن مع الأزمة الخليجية مع قطر، حيث أرسل الجيش التركي عدداً أكبر من القوات الخاصة وأعداد من الدبابات والعربات المصفحة إلى القاعدة لا سيما مع الخشية من حصول تحرك عسكري خليجي ضد الدوحة، وقبل أيام أيضاً أرسل الجيش التركي مزيداً من الجنود والدبابات إلى القاعدة، حيث يتوقع أن يصل عدد القوات التركية في القاعدة إلى 3000 جندي. وتتمتع القاعدة العسكرية التركية في قطر بأهمية إستراتيجية كبيرة كونها تقع في قلب منطقة الخليج العربي، وتطل على الخليج العربي الذي يتمتع بأهمية سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة، وعلى صعيد بناء تحالفات قوية مع دولة خليجية غنية ذات تأثير مهم بالمنطقة.

الصومال

بنت تركيا تحالفاً قوياً مع الصومال خلال السنوات الماضية، وبات الزائر للعاصمة مقديشو يرى في كل معالم العاصمة شيئاً يُظهر البصمة التركية، وذلك بعد أن قدمت أنقرة دعماً إنسانياً وبنت مستشفيات وشيدت شوارع العاصمة، وبنت مطار العاصمة الرئيسي وغيرها الكثير من المنشئات الحكومية والخدماتية.

هذا التعاون تطور تدريجياً وصولاً للإعلان رسمياً عن إنشاء قاعدة عسكرية للجيش التركي في الصومال بداية العام الجاري، حيث جرى افتتاح القاعدة بحضور رئيس أركان الجيش التركي وذلك تحت ستار تولي تدريب وتأهيل قوات الأمن والجيش الصومالي الذي يواجه جماعات إرهابية في البلاد.

وتتمتع القاعدة العسكرية في الصومال بأهمية كبيرة كونها تطل على خليج عدن وتعتبر الصومال بمثابة بوابة القرن الإفريقي، وهي محاولة من قبل أنقرة لوضع قدم في القارة السمراء الذي تصاعدت التدخلات الدولية فيها في السنوات الأخيرة، وسعت تركيا لتركيا الصومال محاولة عملية لصناعة نفوذ كبير في إفريقي على الصعيدين الاقتصادي والإستراتيجي وهو ما ظهر فعلياً قبل أيام في السودان.

السودان

قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام بزيارة وصفت بـ«التاريخية» إلى السودان، لاقى خلالها ترحيباً رسمياً وشعبياً ضخماً، وقبل أن تنتهي الزيارة أعلن أردوغان أن الرئيس السوداني عمر البشير وافق على «تخصيص» جزيرة سواكن التاريخية والتي تتمتع بأهمية جغرافية وسياسية إستراتيجية إلى تركيا.

وعلى الرغم من أن الإعلان الرسمي ركز على أن الأمر يتعلق بنية تركية لتطوير الجزيرة التي كانت بمثابة مركز قيادة في الدولة العثمانية من الناحية الاقتصادية وتطويرها سياحياً، جرى الحديث بقوة في وسائل الإعلام التركية عن نية لإقامة قاعدة عسكرية وميناء عسكري تركي في السودان وأعلن وزير الخارجية التركي رسمياً أنه سيجري إقامة ميناء لـ«صيانة السفن العسكرية».

وتتمتع الجزيرة والسواحل السودانية بشكل عام بأهمية إستراتيجية كبيرة من حيث إطلالتها على البحر الأحمر ومقابلتها للسواحل السعودية ومجاورتها لمصر.

وفي الوقت الذي أثارت فيه هذه الأنباء مخاوف السعودية والإمارات ومصر بشكل غير مسبوق، حاول الرئيس التركي، الخميس، تهدئة مخاوف هذه الدول بنفي النية حالياً لإقامة ميناء عسكري، إلا أن ذلك لا يعني أن تركيا التي خصصت لها الجزيرة الإستراتيجية ستكون بمثابة موطئ قدم لها في السودان بغض النظر عما إذا أعلن عنها كقاعدة عسكرية أو قاعدة اقتصادية وسياحية.

“القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى