مجلس التعاون الخليجي تقزم ولم يتقدم واصبح ثنائياً وليس سداسياً
مثلت الثورة الإيرانية عام 1979 تهديدا وجوديا لدول خليجية محافظة كانت تخشى المجهول من وراء ثورة تأخذ منحى راديكاليا متصاعدا مع الوقت.
وقد قاد ذلك إلى خطوة حتمية عام 1981 وهي تأسيس مجلس تعاون بثقل استراتيجي مواز، بحيث يكون نواة لاتحاد لاحقا، على غرار اتحاد أوروبي بدأت ملامحه تتشكل في ذلك الوقت، بعملة وتعريفة جمركية موحدتين وبنك مركزي واحد.
لكن مع مرور قرابة أربعة عقود لم يتحقق أي شيء من ذلك. ويقول دبلوماسيون غربيون إنه بدلا من أن يتمكن مجلس التعاون من دفع نفوذ إيران إلى الخلف تدريجيا، صارت لإيران حصة مؤثرة داخل المجلس.
وكانت سلطنة عمان هي الدولة التي ينظر إليها أحيانا في الغرب باعتبارها “حصان طروادة” في المجلس، إذ مثل الصوت العماني في أروقة مجلس التعاون صدى لصوت إيران، منذ أن أرسلت طهران عام 1973 قوات إيرانية ساعدت السلطان قابوس بن سعيد لاحقا في إخماد ما عرف وقتها بـ”ثورة ظفار”.
وكان الخليجيون مستعدين للتعايش مع سياسة المشي على الحبال الرفيعة التي تتبعها سلطنة عمان بين الخليج وإيران. لكن بعد الأزمة الخليجية، التي اندلعت إثر مقاطعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين دولة قطر في 5 حزيران هذا العام، قررت قطر الانضمام إلى سلطنة عمان في المحور الإيراني.
وبذلك تمكنت إيران من الاستحواذ على “الثلث المعطل” في منطقة الخليج، وهو ما أصاب المجلس بشلل شبه كامل.
وقال دبلوماسي عربي : إن “السعوديين والإماراتيين شعروا في هذه اللحظة أن مجلس التعاون تحول من قوة دافعة إلى عبء جاذب إلى الخلف في مواجهة تأخذ منعطفات حاسمة”.
ولم تتردد السعودية والإمارات في الإعلان، بداية كانون اول الجاري، عن تأسيس لجنة ثنائية للتعاون الاقتصادي والعسكري والأمني بين البلدين. وسرعان ما نظر مسؤولون في أوروبا إلى هذه اللجنة باعتبارها “قفزة للأمام” على تصلب يستحوذ تدريجيا على مجلس التعاون.
لم تكن اللجنة السعودية الإماراتية هي الخطوة الأولى لتجاوز مجلس التعاون الذي لم ينجح في إثبات جدواه، فطوال كل مراحل الأزمة مع قطر، كان المجلس لاعبا غائبا ولم يشعر بوجوده أحد.
وتكمن المشكلة الأساسية في تحول مجلس التعاون الخليجي إلى “ناد للصراع من أجل إثبات وجهات النظر” في أزمات طاحنة في العالم العربي، لكن وسط كل هذا الصخب ظل التقارب السعودي الإماراتي واجهة شكلية لتماسك خليجي غير ملموس على أرض الواقع. ولعبت قطر دورا حاسما في تحطيم روابط قبلية وجغرافية وثقافية ودينية كانت تميز دول الخليج عن باقي المحيط العربي الأوسط، عبر دعم متشددين يكافحون لزعزعة استقرار باقي دول الخليج.
ووصل هذا الدور، الذي كان تنظيم الإخوان المسلمين حجر الزاوية فيه، إلى ذروته قبيل المقاطعة الخليجية. ولولا الخلافات بخصوص قطر، والإجماع الذي تحتاجه دول المجلس، لكان تم استبعادها منه تماما.
مجلس تعاون عربي
مساء الثلاثاء الماضي، أعلنت وزارة الدفاع القطرية وصول دفعة جديدة من القوات التركية، التي استعانت بها قطر لحماية النظام من السقوط منذ بدء الأزمة، إلى قاعدة العديد الجوية.
وقالت مديرية التوجيه المعنوي بالوزارة في بيان إنه “من المقرر أن تنضم هذه الدفعة إلى القوات التركية الموجودة حاليا بكتيبة طارق بن زياد الآلية”. وكان منح تركيا، إلى جانب إيران، موطئ قدم في الخليج “شعرة معاوية” التي قطعتها قطر في علاقتها بمحيطها.
وظهر ذلك بوضوح خلال القمة الخليجية التي عقدت في الكويت بالتزامن، ولم يحضرها أي من قادة دول المجلس باستثناء أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
ومع انتهاء هذا الارتباط الاستثنائي صعدت العلاقات السعودية والإمارات، كمعسكر موحد، مع دول عربية أخرى، كمصر والمغرب، إلى مستويات فاقت علاقاتهما مع دول الخليج المجاورة.
ويقول محللون إن اللجنة السعودية الإماراتية قد تكون نواة “لمجلس تعاون عربي” أوسع قد تنضم إليه دول أخرى في مرحلة لاحقة، كالبحرين أو مصر أو المغرب أو غيرها. وإذا حدث ذلك فسيشكل إعلانا رسميا عن انتهاء مجلس التعاون الخليجي.
لكن التحالفات الجديدة ستحتاج إلى توافق مبدئي على قضيتين محوريتين: مواجهة النفوذ الإيراني بفاعلية في الدول العربية، والالتزام بضرب فضاء الإخوان المسلمين في المنطقة.