فيروز .. ملأت الدنيا شدواً وغناءً لكنها احبت ابو الهول لانه صامت
يكشف الكاتب اللبناني هاشم قاسم في كتابه الجديد “الظاهرة الرحبانية.. مسيرة ونهضة” فصولا جديدة عن حياة الأخوين رحباني، اللذين يعدان من أعلام الموسيقى اللبنانية والعربية، حيث يستعرض الكتاب سمات التجربة الرحبانية وموقعها على مدى نصف قرن.
يقول الكاتب “وُلد الرحبانيان عاصي ومنصور في بيت قديم كانت تملكه أمهما سعدى، لكن العائلة بسبب ظروفها الصعبة عاشت متنقلة من بيت إلى آخر”، ويعلق منصور على ذلك بالقول “تشرّدنا في منازل البؤس كثيرا، سكنّا بيوتا ليست ببيوت، هذه طفولتنا إخوتي وأنا”.
وحسب الكاتب فإن عاصي كان ناجحا في دراسته على عكس أخيه منصور الذي كان يدفع ثمن فشله بأن يبقيه المعلم داخل الغرفة، ويغلق عليه الباب لساعات عديدة.
ومع اشتداد الحرب العالمية الثانية انتقلت العائلة الرحبانية إلى منطقة ظهور الشوير، وهناك اقترب عاصي ومنصور أكثر من الطبيعة، فامتزجا بأحراشها وحيواناتها وصخورها، في جو كانت تتمازج فيه رائحة البارود برائحة الزهر.
يقول منصور حسبما ينقل عنه الكاتب “كنا نجلس عند التخوم والمنعطفات ونتجول سيرا على الأقدام، وهناك تعرفنا على أسماء كثيرة وملامح شخصيتي سبع ومخول التي عرفها جمهور الخمسينات والستينات”.
ويتابع “أما النزاعات بين أهالي المنطقة فهي من العوامل التي أثّرت في تكوين شخصيتينا الفنية، وكانت النزاعات تتحول أحيانا إلى مشادات ومعارك بالأيدي والمعاول في إطار الخلاف على اقتسام المياه بين المزارعين، وهو ما ظهر في شخصية شيخ المشايخ بين أهالي القاطع المختلفين على توزيع المياه في مسرحية جسر القمر”.
أصدر الرحبانيان مجموعتهما الشعرية الأولى بعنوان “سمراء مها” قبل أن يدخلا الإذاعة اللبنانية ويتعاونا ويتعرف عاصي إلى الصبية الخجولة نهاد حداد، التي أصبحت من بعد ذلك المطربة الشهيرة فيروز.
ويدخل الكاتب هاشم قاسم إلى منزل فيروز المتواضع في زقاق البلاط ببيروت ليصف للقارئ أسلوب حياة فتاة “مترددة ترتدي البلوزة والتنورة، وتعيش غريبة عن أحلام الصبايا، إذ كانت رغباتها وأمنياتها تتجمد عند عتبة المنزل، ولم تكن فرص الخروج إلى المجتمع متاحة لها سوى تلك الزيارات الطويلة إلى منزل جدتها ليزا البستاني في بلدة الدبية”.
يضيف قاسم “ولأن قلقها كان يتركز على إبعاد الفقر عن عائلتها الصغيرة، فقد أقدمت على العمل في سن مبكرة واشتركت في سن الرابعة عشرة في برامج الأخوين فليفل الإذاعية”.
ويتطرق الكاتب إلى زواج فيروز من عاصي الرحباني، والعديد من الأعمال الفنية التي كانت حبيسة الحكاية لدى الأخوين رحباني، لكن الكاتب يربط روعة هذه الأعمال بمزاج فيروز، ويقول نقلا عن عاصي “بقدر ما تكون نفسيتها مرتاحة يكون أداؤها أبهى، أما إذا كانت مشوشة وأعصابها متعبة فيتعذر العمل معها”.
وعن الأعمال الفنية والزواج والعائلة يقول قاسم ناقلا عن فيروز في مراحل سابقة “الزواج صعب بين البسطاء والعاديين فكيف بيننا. بيتنا بيت صعب وأولاد هذا البيت تعذبوا كثيرا، عائلتنا مثل التراجيديا الإغريقية، الفرح فيها وقتي، والأساس فيها هو الحزن والألم. فرحنا المؤقت كان الحلم، الحزن كان الحقيقة”.
ويستعرض الكاتب المراحل العائلية العصيبة التي مرت بها فيروز إذ أن ابنها هالي يعاني من مرض اليرقان الحبشي، الذي أفقده الحركة، ووالدتها توفيت في سن الثانية والأربعين، وزوجها عاصي أصيب بالجلطة الدماغية قبل وفاته، فيما توفيت ابنتها ليال جراء المرض نفسه.
وينقل الكاتب عن فيروز كلاما تشير فيه إلى تجاربها ومعاناتها على مر السنين قائلة “قيل فيها الكثير إلا الحقيقة. أنا من أصدقاء الصمت، سألوني في مصر عن شعوري بالغناء أمام أبوالهول، فقلت أبوالهول صاحبي من زمان وأنا من أقربائه، أحبه لأنه صامت”.