دور البنتاغون والمخابرات المركزية في توجيه وتصنيع الافلام الامريكية
نشر الصحفيان والباحثان الانجليزيان “توم سيكر” و”ماثيو الفورد” في تقرير مشترك لهما جاء تحت عنوان “الكشف عن وثائق تثبت تورط وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي في استخدام “هوليوود” لنشر بعض الدعايات الإعلامية الحربية”، بعض المعلومات تخص بعض المؤسسات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية وكشفا أيضا عن مدى علاقة تلك المؤسسات بـ”هوليوود”. ويعتقد هذين الصحفيين الإنجليزيين أن: ” هذه الوثائق أكدت لأول مرة بأن الحكومة الأمريكية تسيطر وتتحكم بـ”هوليوود”، وتقوم بالتلاعب في سيناريوهات آلأفلام التي تنتجها “هوليوود” وتمنع أيضا إنتاج بعض الأفلام التي توجه الكثير من الانتقادات للبنتاغون الأمريكي”.
لقد اكد كاتبوا هذا التقرير بأنهم تمكنوا مؤخرا من الحصول على 4000 صفحة من هذه الوثيقة الخاصة بالبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية، حيث يعتبرون ” أن هذه الوثائق تثبت لأول مرة أن الحكومة الأمريكية كانت تقف خلف الكواليس في أكثر من 800 فيلم مهم وأكثر من 1000 برنامج تلفزيوني”. وأضافا قائلين :” لقد نُشرت بعض المعلومات في كتاب بحثي أكاديمي عام 2005، أكدت بأن “البنتاغون” شارك في صنع 600 فيلم وعدد قليل من البرامج التلفزيونية وأشارت تلك المعلومات بأن وكالة المخابرات المركزية كان لها دور صغير اقتصر على عشرة أفلام أو أكثر بقليل. ولفت هاذين الصحفيين انه على الرغم من انتشار العديد من الكتب مثل كتاب ” تريشكا جينكينز” وكتاب ” وسيمون ويلميتس” في عام 2016 اللذين اثبتا تورط وكالة البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية في الأفلام الشهيرة مثل “حرب تشارليويلسون” و “للقاء مع الوالدين”، إلا انه تم التغاضي عن ذلك الدور التي لعبته تلك الأجهزة في صناعة أفلام “هوليوود” .
كيف تُصنع أفلام “هوليوود”
أدلى بعض خبراء مشروع الاستخبارات الداخلية ببعض المعلومات حول الرقابة السياسية التي يمارسها “البنتاغون” على الأفلام التي تقوم “هوليوود” بصناعتها، حيث قالوا : ” يجب على كاتب أو مخرج الفيلم تقديم نسخة من السيناريو للإدارة المختصة في “البنتاغون” من اجل مراجعة ذلك السيناريو والموافقة عليه من قبل “فيل شتروب” المختص بهذا الأمر والذي يعتبر حلقة الوصل بين وزارة الدفاع الأمريكية و”هاليوود” وفي حالة تمت الموافقة على هذا الفيلم يقوم “البنتاغون” بتقديم تسهيلات عسكرية لصناعة هذا الفيلم وإخراجه بشكل جيد” وأضاف هؤلاء الخبراء قائلين:” إذا لم يوافق البنتاغون على بعض الشخصيات أو الحوارات الموجودة في نص هذا الفيلم، فأن كاتب ومخرج هذا الفيلم يقومون بإجراء تغييرات على تلك الشخصيات وتلك الحوارات في السيناريو ليطابق ما يريده “البنتاغون”.
تجدر الإشارة هنا أن وزارة الدفاع الأمريكية تعارض بشدة الإشارة إلى حرب فيتنام في أفلام “هاليوود”، فعلى سبيل المثال، تم إدخال الكثير من التغييرات في الفيلم الشهير “الهالك” وتم استبدال المختبر العسكري بمختبر غير عسكري وتم أيضا تغيير اسم العملية العسكرية للقبض على “الهالك” من “عامل المزرعة” إلى “الرجل الغاضب “. الجدير بالذكر هنا أن اسم “عامل المزرعة” كانت واحدة من العمليات التي قام بها الجيش الأمريكي في فيتنام والتي شاركت فيها نحو 20 ألف طائرة حربية أمريكية وتم رش عشرات الملايين من الأمتار من الغابات الفيتنامية بالكثير من مبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الأخرى، مما أدى إلى تدمير عشرات الآلاف من الكيلومترات من الأراضي الزراعية في هذا البلد.
يصل عدد الجنود الأمريكيين الذين يقومون بالانتحار في بعض الأحيان إلى أكثر من عدد الجنود الذين قتلهم العدو في المعارك.
إنتاج أفلام عسكرية
أظهرت تلك الوثائق التي حصل عليها الصحفيين “ساكر” و”ألفورد”، أن “البنتاغون” له القدرة على منع إنتاج أي فيلم لا يوافق عليه وذلك عن طريق الامتناع عن تقديم الدعم الكافي لذلك الفيلم. ففي حين أن أفلام مثل”توب قن” و”المتحولون” كانا يحظيان بدعم من “البنتاغون”، إلا أن إنتاج هذين الفيلمين بدون تعاون من منتجي وصناعي السينما مع وزارة الدفاع الأمريكية كان مستحيلا. ولفت هاذين الصحفيين إلى أن بعض الأفلام مثل فيلم “ردود الأفعال” لم يصل إلى مرحلة الإنتاج وذلك لان سيناريو هذا الفيلم لاقى معارضة شديدة من قبل الجيش الأمريكي، حيث أشارت بعض الحوارات في هذا السيناريو إلى قضية “إيران كونترا” التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي السابق “ريغان” اتفاقاً مع إيران، لتزويد هذه الأخيرة بالأسلحة بسبب حاجتها الماسة لأنواع متطورة من تلك الأسلحة أثناء حربها مع العراق وذلك لقاء إطلاق سراح بعض الأمريكان الذين كانوا محتجزين في لبنان.
تأثير وكالات التجسس الأمريكية
ذكر كاتبوا هذا التقرير إن “وكالة الاستخبارات المركزية تمكنت من ممارسة الكثير من الضغوطات على بعض تلك المشاريع والأفلام التي ترعاها وتقدم لها الدعم، على الرغم من أن قدراتها السينمائية اقل بكثير من تلك التي يمتلكها “البنتاغون” وعلى الرغم من أن وكالة المخابرات المركزية ليس لديها صلاحية كافية للقيام بفحص تلك النصوص والسيناريوهات، إلا أن “تشيس براندون” الذي يعتبر حلقة الوصل بين هذه الوكالة وبين المؤسسات التي تقوم بصناعة الأفلام الترفيهية الأمريكية، قد استطاع أن يوجد له موضع قدم وان يتدخل بشكل واضح في المراحل الأولى من كتابة سيناريوهات العديد من الأفلام والبرامج التلفزيونية في الولايات المتحدة”.
لم تكن عملية حذف بعض المشاهد من الأفلام هي الأداة الوحيدة التي استخدمتها وكالة المخابرات المركزية للتدخل في الأفلام التي تقوم “هوليوود” بصناعتها، وإنما استخدمت أيضا تلك الوكالة أداه “الدعم والتسهيلات” للضغط على الكثير من المؤسسات التي تقوم بصناعة الأفلام والبرامج التلفزيونية بما فيها “هوليوود” وتجدر الإشارة هنا أن تلك الوكالة أذا اتخذت قرارا بعدم تقديم الدعم الكافي لبعض الأفلام فإن هذا يعني أن تلك الأفلام لن تصل أبدا إلى مرحلة الإنتاج.
وإلى جانب وكالة المخابرات المركزية، هنالك أيضا وكالة الأمن القومي التي تلعب دورا مماثلا في مراقبة وحذف بعض المشاهد من أفلام “هوليوود”، وعلى الرغم من شح المعلومات حول تدخل تلك الوكالة في عمليات صناعة الأفلام الترفيهية الأمريكية، إلا أن بعض الوثائق المنتشرة، تشير إلى أن تكتيكات وكالة الأمن القومي هذه تشابه إلى حد كبير تلك التكتيكات التي تستخدمها وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون للضغط على تلك المؤسسات الإعلامية.
وفي الأخير اعرب هذين الصحفيين، قائلين :” نشهد في وقتنا الحاضر وجود آلة دعائية ضخمة ومنظمة تسيطر على جميع الأقسام في “هوليوود”، تعمل على إرغام المنتجين وكاتبي السيناريوهات على إدخال الكثير من التغييرات على نصوص أفلامهم بما يتلاءم مع أهداف ومصالح “البنتاغون” ووكالات التجسس الأمريكية”.