في ذكرى انطلاقتها الـثلاثين.. أبرز محطات حركة حماس

فلسطين – حرية نيوز

 

تدور عقارب الساعة للوراء، ترجع بالزمن ثلاثين سنة، حيث البدايات، كرسي وقعيد وبيت من الطين، يصنعان التاريخ، يعيدان برمجة الثورة الفلسطينية، لتسير بخطى واثقة نحو القدس، يرسمان خارطة العودة إلى عكا وحيفا ويافا، هناك بين أزقة شوارع الصبرة، كانت البداية وثمة انطلاقة سترسم خارطة المنطقة، هناك غُرست حماس.

التأسيس والنشأة:

 بعد حادث الشاحنة الصهيونية في 6 كانون الأول 1987م، وزعت حماس بيانها التأسيسي في 15 كانون الاول 1987م، ليعلن الشيخ أحمد ياسين ورفاقه عن ميلاد حماس، التي تعد امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين، فقد عملت الحركة في فلسطين تحت اسم: “المرابطون على أرض الإسراء”، واسم: “حركة الكفاح الإسلامي”.

انتفاضة الحجر ودور الحركة فيها

منذ انفجرت انتفاضة الحجر، بدأت حماس بإنشاء جهازها الأمني “مجد” لملاحقة العملاء، وشكلت مجموعات لمهاجمة الجنود الإسرائيليين بالحجارة والميليتوف والتصدي لهم في أزقة القرى والمخيمات، كذلك أحرقت المحلات والحقول المملوكة من قبل “إسرائيليين” في نطاق عمل واسع منظم شمل الضفة والقطاع.

وخلالها سعت حماس لتطوير وسائل المقاومة من الإضرابات والمظاهرات ورمي الحجارة إلى الهجمات بالسكاكين والأسلحة النارية وقتْل العملاء واختطاف الجنود، إضافة للمسيرات والمؤتمرات وتشكيل القوى الضاربة التي كانت تترصد للعدو عند كل مفترق وفي كل زقاق.

وكان لحماس الدور الأبرز في توعية الجماهير وقيادتها لتحقيق الخسارة الأكبر للعدو، عبر الكتابات على الجدران والمنشورات الورقية التي كانت تمثل وسيلة الإعلام المتاحة للتواصل بين قيادة الحركة والشعب.

العمل العسكري وتأسيس القسام:

تأسست بذور كتائب القسام في عام 1984م، وذلك قبل الإعلان عن انطلاقة الحركة فعلياً باسم حركة حماس، واستمر العمل تحت عناوين مختلفة مثل “المجاهدون الفلسطينيون” حتى عام 1987، وأعلن عن اسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام” رسمياً في منتصف عام 1991م.

وضع القسام بصمته في كل مراحل العمل الفلسطيني المقاوم، ابتداء من الحجر وليس انتهاءً بتصنيع طائرات أبابيل، وقد دفعت حماس لذلك الأثمان، وتعرضت في الضفة الغربية للملاحقة من قبل السلطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، فقتلت أجهزة السلطة العديد من قيادات القسام مثل القائد محمد السمان ومحمد ياسين وزجت بالمئات في سجونها وعذبتهم، مثل الشهيد محيي الدين الشريف، والقائد أيوب القواسمي، وساهم جيش الاحتلال الإسرائيلي ايضاً بقتل وسجن الآلاف من كتائب القسام.

حماس وأوسلو:

رأت حركة حماس أن الاتفاقات التي تسعى إلى التسوية السياسية، لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني، ولا تستجيب للحد الأدنى من تطلعاته، كما وجدت في هذه الاتفاقات مكافأة للاحتلال وتتويجاً للمجازر التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني.

وتعتبر الحركة أن التسوية يترتب عليها حرمان الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني من حق العودة، وتقرير المصير، وبناء الدولة المستقلة، على كامل الأرضي الفلسطينية، كما تعتبره أمر يتنافى مع القيم والمواثيق والأعراف الدولية والإنسانية.

الإبعاد لمرج الزهور:

على إثر اعتقال حماس للجندي الإسرائيلي نسيم توليدانو وقتله نتيجة تعنت حكومة الاحتلال من إبرام صفقة تبادل للإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، اجتمع المجلس الوزاري للاحتلال في 17 كانون الاول 1992 واتخذ قراراً بإبعاد كافة قادة حركة حماس.

غير أن هذا الإبعاد جاء كمنحة للحركة من زوايا كثيرة أبرزها: ظهور الحركة كقوة فلسطينية فاعلة على الأرض وظهورها الكثيف على وسائل الإعلام بعد أن كانت مغيبة عنه قسراً.

انتفاضة الأقصى

عام 2000م اندلعت انتفاضة، والتي شكلت نقطة تحولٍ في مسار القضية الفلسطينية، وقلبت الكثير من التوازنات، وأسست لمرحلة جديدة من التحرير.

وامتازت انتفاضة الأقصى، أو ما عرف بالانتفاضة الثانية، بكثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، وشكل رد المقاومة المباشر والقوي على أي انتهاك وعدوان سمة بارزة في نهج المقاومين، وفرض هذا الأسلوب نوعاً من الردع للاحتلال.

وفي كل ما قيل ويقال عن هذه الانتفاضة ستجد لحماس بصمة واضحة، فالاستشهاديون هم شارة النصر فيها، ووقودها الذي لا ينطفئ، وكتائب القسام فيها كانت الطرف المبادر والفعال والمؤثر بتخطيطه وقدرته على المناورة والضرب في المكان المناسب والوقت المناسب ليرد الألم بألم أشد وأنكى.

مطرقة السياسة

في 25/1/2006 أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية اكتساح حركة (حماس) نتائج الانتخابات التشريعية بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132، وفور إعلان النتائج الرسمية اعتبرت حركة حماس فوزها في الانتخابات التشريعية انتصارا لمشروعي المقاومة والإصلاح والتغيير اللذين رفعتهما.

سارع القيادي في حركة فتح محمد دحلان إلى التصريح بأنه من العار على فتح المشاركة في حكومة تقودها حماس، في حين دعا الرئيس محمود عباس الحكومة القادمة إلى الالتزام باتفاقات منظمة التحرير ونهج السلام.

وبعد رفض الفصائل المشاركة في حكومة حماس، شكلت الحركة حكومتها برئاسة إسماعيل هنية يوم 19 آذار 2006 م، لكن الحكومة قوبلت بحصار إسرائيلي مشدد عرقل عملها، وبمحاولات داخلية للإطاحة بها من خلال سحب كثير من صلاحياتها وإحداث القلاقل الداخلية طوال عام 2006م.

ونظرا لرفض الأجهزة الأمنية التعاطي مع الحكومة الجديدة، شكل وزير الداخلية آنذاك الشهيد سعيد صيام قوة مساندة تعرف بـ “القوة التنفيذية”، لكن حركة فتح شنت عليها حملة واسعة وصلت لحد الاصطدام مع الأجهزة الأمنية الأخرى، وذلك بالتزامن مع حملة اغتيالات في غزة.

كانت حماس في كل ذلك تمارس السياسة لوقف النزيف الداخلي، إلا أن الأمر آل إلى انقسام حاد في الشارع الفلسطيني، تسبب في انشطار غزة عن الضفة الغربية المحتلة.

حروب طاحنة

في ظل الانقسام والتخلي الدولي والعربي عن غزة، وفي غمرة الحصار القاتل، تلقت غزة حروباً ثلاثة قاسية، حرب 2008 و2012 و2014، إلا أن حماس استطاعت أن تحقق اختراقاً في الوعي الفلسطيني والعربي الذي سلّم بقوّة الاحتلال، فأدخلت إلى قاموس الشعب مصطلحات الانتصار، قصف تل ابيب، والانزال خلف خطوط العدو، وتسللت إلى زيكيم بحراً، وأسرت جنود العدو، وداست عليه في ناحل عوز، ونفذت صفقة مشرفة للإفراج عن ألف أسير مقابل شاليط.

وسط الضباب

لقد عاشت حماس السنوات العشر الأخيرة من بعد عام 2006 تحت مطرقة العدو الصهيوني وسندان الأجهزة الأمنية المتسلطة في الضفة الغربية، غير أنها استطاعت أن تؤثر في الجيل وتحافظ على وجهة الشعب الفلسطيني للمقاومة والدفاع عن الارض والمقدسات، فكانت انتفاضة القدس انتفاضة العمليات الفردية والنوعية، التي جاءت في مرحلة ضياع لتؤكد على خيار المقاومة كخيار وحيد لتحرير الأرض والإنسان.

دم جديد

وحماس لم تزدها الأيام إلا نضوجا وفهما، فقدمت نموذجا رائعا في التداول الإيجابي للسلطة، وأثبتت أنها حركة مؤسساتية، التي تخضع للانتخاب النزيه والشورى الملزمة.

فللحركة قانونها الانتخابي الخاص، وقد كانت وفق هذا القانون بالسابق تجري الانتخابات بصورة دورية كل ثلاثة سنوات وقبل دورتين تقريباً كان هناك قرارٌ آخر وتعديل في اللائحة الانتخابية وأنظمة الحركة لتجعل مدة الدورة أربع سنوات بدلاً من ثلاث سنوات.

وهذه الأنظمة واللوائح ليست دساتير عربية ملقاة على رفوف النسيان، وإنما هي أنظمة ضابطة فاعلة يمثل لها وبها كل المنتمين لها من أعلى الهرم وحتى أسفله، فهي الحركة الوطنية الوحيدة التي تعاقب عليها ثلاثة رؤساء جميعهم أحياء، ابتداء بموسى أبو مرزوق ثم خالد مشعل وأخيراً إسماعيل هنية، في تمرير سلس للسلطات والمهام، في انتماء ووعي يندر أن تجده على صعيدنا العربي والإسلامي.

وهذه الأنظمة والانتخابات تجعل من حماس حركة حيوية فتيّة متجددة متنوّرة، تواكب وتجدد وتتطوّر، فهي ليست حركة جامدة كاسدة آسنة، وهذا يجعلها محط احترام العالم وتقدير أبنائها الذين يتماسكون معا ويتلاحمون خلف قيادة منتخبة لا قيادة فضائية متسلطة، ولربما كان هذا واحداً من الأسباب القوية التي منعت انشقاق الحركة وإحداث الانقسامات الداخلية، وأساس ذلك الشورى والعدل والمنافسة النزيهة على خدمة القضية والمشروع الوطني الكبير.

ثبات على المواقف

وتمضي حماس في مرونة لا تكسرها عواصف السياسة الحمقاء ولا تنال منها الأفكار الجاهلية القاصرة، فكانت تطوع الفهم السياسي للقضية والأحداث بما يتناسب مع الزمن ولغة العصر، لأنها فهمت أن العمل السياسي هو لعب في مربع المتغيرات لا الثوابت، فوقفت بقيمها وثوابتها شامخة كالجبال، وتحركت بالسياسة مثل جدول الماء حتى اذا اعترضت له صخرة التف الماء حولها، فكانت وثيقة حماس السياسية التي أعادت صياغتها حماس بما يحفظ مبادئها وقيمها التي تأسست عليها ويطوّع خطابها إلى لغة يفهما العالم.

فحماس التي انطلقت في 87 هي نفسها 2017، قبل الوثيقة وبعدها تقول: “نرفض كل المشروعات والمحاولات الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين” وأنه “لا اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، ولا بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا، من نهرها إلى بحرها”.

فالمقاومة حق مشروع وفلسطين من النهر إلى البحر، واللاجئون هم أصحاب الأرض يعودون إليها، والقدس عاصمتنا الأبدية، هذه هي الأبجديات لم تتغير ولم تتبدل، صراع قائم وبندقية مشرعة، حتى يعود الحق بقوّة الساعد والسلاح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى