في الذكرى الـ 30 لانتفاضة الحجارة.. هل الفلسطينيون على أعتاب هبة جديدة ؟

فيما يُحيي الشعب الفلسطيني حالياً الذكرى السنوية الثلاثين لاندلاع “انتفاضة الحجارة”، التي استمرت سبع سنوات متواصلة، يقول محللون إنه قد تندلع انتفاضة جديدة ولو كانت محدودة، رداً على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن القدس هي عاصمة لجولة الاحتلال وانه سينقل السفارة  الأمريكية إليها.

وقد اعتبرت  “انتفاضة الحجارة” التي اندلعت في الثامن من كانون أول من عام 1978م واستمرت حتى قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994م أكبر هبة جماهيرية يخوضها الشعب الفلسطيني بعد احتلال القوات الإسرائيلية لبقية الأراضي الفلسطينية في الخامس من حزيران من عام 1967، حيث سقط في هذه الانتفاضة قرابة 1300 شهيد و90 ألف جريح ومصاب.

ولكن الأجواء والظروف التي أدت إلى اندلاع انتفاضة الحجارة قبل 30 عاما تختلف، فبحسب مراقبين ففد شعر الشعب الفلسطيني حينها بضرورة الانتفاض للتخلص من المحتل، أما اليوم فيرون أن ما تعيشه القضية الفلسطينية من مخاطر، عبّر عنها الفلسطينيون بكل فئاتهم التي رفضت جميعها إعلان ترمب حول القدس.

الدعوة لانتفاضة جديدة

وشدد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في خطاب له أمس الخميس، على أن الشعب الفلسطيني قادر على إشعال الانتفاضة تلو الانتفاضة، مستذكرا انتفاضة الحجارة التي كان أحد أبرز قادتها آنذاك.

وقال: “إن شعبنا الفلسطيني قدره أن يكون دائما في مواجهة هذه المؤامرات وهذه التحديات بالانتفاضة وبالمقاومة وبالصمود وبالثبات على أرضه المباركة وعلى ثوابته الوطنية والإسلامية الثابتة”.

وأضاف: “هذه الانتفاضة المباركة التي انطلقت في ظل ظروف صعبة ومعقدة في ذلك الوقت، شبيهة بهذه الظروف وبتعقيداتها وبتحدياتها، لكن الشعب الفلسطيني أثبت أنه قادر على أن ينطلق ويتجدد وينتفض في وجه المحتل”.

ودعا هنية إلى أن يكون يوم امس الجمعةـ هو يوم غضب وبداية تحرك واسع لانتفاضة أسميها: “انتفاضة حرية القدس والضفة”.

وقال: “كما كان 8/12/1987 بداية انتفاضة الحجر، ليكن 8/12/ 2017م أيضا بداية انتفاضة لشعبنا الفلسطيني في وجه هذا الاحتلال”.

من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي سمير حمتو، أن الأجواء الحالية أصعب على الفلسطينيين من الأجواء التي سبقت اندلاع انتفاضة الحجارة، لذلك الدافع قد يكون أكبر.

وقال حمتو لـ “قدس برس”: “صحيح كان عشية انتفاضة الحجارة ضغوط على الشعب الفلسطيني ومضايقات من قبل قوات الاحتلال ولكن ضغوط اليوم والحصار المشدد وقضم الأرض والقرار الأمريكي وشعور الشعب الفلسطيني انه لوحده في الميدان؛ أصعب بكثير عما كان عليه الحال قبل 30 عاما”.

وأضاف: “إن الوعي الآن لدى الشعب الفلسطيني اكبر بكثير عما كان عليه الحال عام 1978 وكذلك نقل الصورة أسهل بكثير وبالإمكان فضح الاحتلال في كل المحافل الدولية، إضافة إلى تجربة 25 عاما في المفاوضات مع الاحتلال دون شيء”.

وشدد حمتو على أن الأجواء اليوم تكاد تكون مهيئة بشكل كبير لاندلاع “انتفاضة جديدة تكون أكبر وأعنف وأشد من سابقاتها من أجل تحرير القدس والضفة الغربية من الاحتلال”، حسب قوله.

وأعرب عن أمله ألاً تكون هذه التظاهرات “هبّة عابرة وتنطوي بعد أيام أو تتدخل السلطة لإخمادها كما عملت على إخماد هبات سابقة”.

اندلاع الانتفاضة

واندلعت شرارة انتفاضة الحجارة بعد تشييع الفلسطينيين في ذلك اليوم، أربعة من العمال من بلدة جباليا شمال قطاع غزة، الذين قضوا جراء حادث سير وقع بين سيارتهم ومقطورة إسرائيلية خلال عودتهم من العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 حيث اعتبر هذا الحادث بأنه متعمدا.

وعمّت المظاهرات عقب التشييع بلدة جباليا ومخيمها، حيث رشق الآلاف من الشبان جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة، وامتدت إلى كل شارع وزقاق في المخيم حيث جابههم جنود الاحتلال بالرصاص الحي واستشهد جراء ذلك الشاب حاتم السيسي (21 عاما) برصاص قوات الاحتلال، أول شهيد في هذه الانتفاضة.

اعتقد الاحتلال أن هذه الموجهات هي عبارة عن ردّ عابر على جريمة حادث المقطورة، وأن الأمور ستهدأ في اليوم التالي، إلا أنها اشتعلت من جديد وتصاعدت حتى امتدت إلى بقية مخيمات القطاع وأحياء مدينة غزة ومن ثم الضفة الغربية.

الطابع الشعبي

وأخذت الانتفاضة الطابع الشعبي ووحدة الموقف والتعاضد الاجتماعي والتكافل الأسري وشمولية المواجهة واتساع ساحة الاشتباك المباشر مع الاحتلال في كافة مدن وقرى فلسطين، إلى جانب مشاركة كافة الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، فضلا عن أن سلاحها كان في متناول الجميع والمتمثل في الحجر والمقلاع، وفي بعض الأحيان السكين والزجاجات الحارقة، قبل أن يتطور لاحقا إلى السلاح.

ومع استمرار المظاهرات والمواجهات اليومية مع قوات الاحتلال دون توقف، بدأ شبان الانتفاضة يكتسبون ثقة أكبر لاستمرار الانتفاضة، وجعلها منهج حياة من خلال الدعوة للمواجهات والإضرابات التي كانت تعم كافة أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ليشكلوا لجان شعبية لقيادة الانتفاضة.

في المقابل، فإن سلطات الاحتلال شعرت باليأس والإحباط في إخماد جذوة الانتفاضة، لا سيما في ظل نقل الإعلام الغربي لهذه المظاهرات.

سياسة تكسير العظام

وقد تعاقبت على هذه الانتفاضة عدة حكومات لليسار واليمين وكذلك لكلا الجهتين معا في “حكومة الوحدة” برئاسة اسحق شامير، واسحق رابين الذي كان وزيرا للجيش آنذاك وقرر استخدام سياسة “تكسير العظام” بحق الفلسطينيين.

واستخدمت قوات الاحتلال شتى الوسائل لقمع الانتفاضة وإخمادها دون جدوى وارتكبت سلسلة مجازر بحق الفلسطينيين كان أبرزها: مجزرة الحرم القدسي الشريف في الثامن من تشرين أول من عام 1990 والتي سقط جراءها 21 شهيدا، وكذلك مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل في العشرين من شباط من عام 1994 والتي راح ضحيتها 34 شهيدا قضوا خلال صلاة الفجر، كما نفذت عدة مجازر في “نحالين” ومخيم “النصيرات” وحي “الشيخ رضوان” و”الصبرة” و”الدرج” بمدينة غزة، وخان يونس.

وشرعت قوات الاحتلال فور اندلاع الانتفاضة بتنفيذ حملة اعتقالات كبيرة طالت الآلاف من الفلسطينيين وافتتحت العديد من السجون والمعتقلات لاستيعاب المعتقلين الجدد من بينهم ما يسمى بـ “سجن أنصار 1″، غرب مدينة غزة، وسجن النقب الصحراوي “أنصار 2″، وكذلك سجن “عوفر” و”مجدو” في الضفة الغربية وحولت معظم المعتقلين إلى الاعتقال الإداري بدون محاكمة حيث قدر عدد المعتقلين خلال الانتفاضة بنحو 200 ألف حالة اعتقال، قضى منهم 42 معتقلا شهيدا بسبب التعذيب والإهمال الطبي القتل المباشر بالرصاص.

ولم تؤثر هذه الاعتقالات على مسيرة الانتفاضة وديمومتها أو على حجم المشاركة فيها، ولم تُثنِ الفلسطينيين عن مواصلة مقاومتهم المشروعة للاحتلال من أجل استرداد حقوقهم ونيل حريتهم.

واستخدمت إسرائيل كذلك سياسة “تكسير العظام” الأمر الذي أثار المجتمع الدولي ضدها بعد نشر صور لجنودها وهم يعتدون على شبان فلسطينيين بشراسة ويعمدون تكسير أيديهم وأرجلهم.

اغتيال “أبو جهاد” والإبعاد

وفي ذروة الانتفاضة وتحديدا في السادس عشر من نيسان 1988 نفذ الموساد الإسرائيلي عملية اغتيال بحق خليل الوزير “أبو جهاد” الرجل الثاني في حركة “فتح” في منزله في العاصمة التونسية، على أمل أن يتم إخماد الانتفاضة، إلا أن جذوتها زادت بشكل كبير وكان يوم اغتيال الوزير من أكثر أيام الانتفاضة قوة، حيث استشهد فيه 23 فلسطينيا في الضفة والقطاع.

كما استخدم الاحتلال سياسة الإبعاد الفردي والجماعي بحق القادة الفلسطينيين، أبرزها كان إبعاد 417 فلسطينيًا من قادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلى مرج الزهور جنوب لبنان.

العمل المسلح

وحاولت الفصائل الفلسطينية تطوير الانتفاضة لمواجهة العنف الإسرائيلي وذلك من خلال استخدام السلاح الأبيض والرصاص والمتفجرات حيث كانت أول عملية كبرى هي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين طعنا على أيدي أبناء عائلة الكردي في الحي الصبرة في مدينة غزة والتي استشهد منها ثلاثة أشقاء.

وظهرت خلال هذه الانتفاضة الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية بمسمياتها الجديدة ونفذت سلسلة عمليات فدائية من خلال إطلاق الرصاص والكمائن، وكذلك عمليات التفجير والتي أسفرت عن مقتل العشرات من جنود الاحتلال.

اتفاق اوسلو

وحينما أدركت سلطات الاحتلال أن استخدام القوة لن يجدِ نفعاً في إيقاف الانتفاضة، لجأت إلى الحل السلمي ففتحت خط مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير، مما تسبب في انقسام في المجتمع الفلسطيني، حيث أسفرت هذه المفاوضات عن توقيع اتفاق “أوسلو” بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية في الثالث عشر من أيلول 1993 والذي ينص على تأسيس السلطة الفلسطينية، التي تم تشكيلها بعد ستة أشهر، وبسط نفوذها في قطاع غزة ومدينة أريحا وإدخال قوات الأمن الوطني الفلسطيني وتشكيل الأجهزة الأمنية وخروج قوات الاحتلال من داخل المدن وانتشارها على الحدود، وبقاءها في المستوطنات، وتخمد بذلك الهبة الجماهيرية الكبيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى