البطريركية اليونانية.. ذراع الاحتلال لتهويد الأراضي الفلسطينية
بقلم : هديل محمود - البديل
لا يألو الاحتلال جهدًا، ولا يترك وسيلة إلا ويستغلها في محاولة لإنجاح مخططه الرامي إلى تهويد الأراضي والمقدسات الفلسطينية وطمس التاريخ الإسلامي والمسيحي هناك، وفي سبيل الوصول إلى أهدافه لم يجد أفضل من الكنيسة الأرثوذوكسية اليونانية التي لم تتوانَ عن بيع العديد من الأراضي والممتلكات الفلسطينية لشركات صهيونية وعائلات إسرائيلية ومستثمرين بجهات مشبوهة، وذلك عبر صفقات سرية يتوالى كشفها وفضح مخطط التهويد الصهيوني بمساندة البطريركية اليونانية.
“جبل المشورة” حلقة في مسلسل التهويد
أقرت اللجنة المحلية للتخطيط والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس مشروعًا لإنشاء مستوطنة، تضم وحدات سكنية فخمة، وذلك فوق موقع تاريخي ذي أهمية كبيرة بالنسبة للمسيحيين والمسلمين، حيث من المفترض أن تقع هذه المستوطنة الجديدة فوق تلة بالقرب من بلدة الطور في مدينة القدس المحتلة، تعرف باسم “جبل المشورة الفاسدة”، وهو المكان الذي تشاور فيه “يهوذا الإسخريوطي” مع رئيس الكهنة “قيافا”، للتآمر على المسيح عيسى وتسليمه، حسب الروايات المسيحية، وتضم التلة بقايا أثرية يُقال إنها من فترة الهيكل الثاني، وأخرى من الحقبة البيزنطية، فضلًا عن الدير الصامد منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى ذلك، يطل التل على الحوض التاريخي للقدس، وهو منطقة مفتوحة، حيث تنمو الأشجار بكثرة، وتعتبر أراضيه الأغلى على الإطلاق داخل المدينة المحتلة.
وفق صحيفة “هآرتس”، بدأت القصة عام 2013، عندما باع بطريرك المدينة المقدسة وسائر فلسطين وسوريا العربية والأردن وقانا الجليل، ثيوفيلوس الثالث، الموقع لشركة يملكها مستثمرون يهود، الأول هو رجل الأعمال، مايكل شتاينهرت، الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية، والثاني رجل الأعمال اليهودي البريطاني، دافيد سوفر، وكانت قيمة الصفقة حينها 26.8 مليون شيكل ومليوني دولار، ووفق وثائق المشروع، سيُقام مبنيان سكنيان كبيران وثلاثة مبانٍ صغيرة، وبالمجمل 61 شقة سكنية فخمة، وكان من المزمع أن تتألف المباني من ست طبقات، لكن المستثمرين وافقوا على طلب سلطة التخطيط القطرية، أن تتألف من أربع طبقات فقط، كما يضم المشروع حديقة عامة ستقام على نصف مساحة التلة.
غضب فلسطيني
الحديث عن بيع “جبل المشورة” للاحتلال الصهيوني أثار غضب المقدسيين والمسيحيين الفلسطينيين من أبناء الطائفة الأرثوذكسية في فلسطين المحتلة، الذين وجهوا نقدًا لاذعًا للبطريركية اليونانية التي باعت الموقع لمستثمرين صهاينة، حيث نظمت الطائفة الأرثوذكسية في فلسطين احتجاجات ضد البطريرك “ثيوفيلوس الثالث”، فيما عبّر عضو “المجلس المركزي الأرثوذكسي”، عدي فغالي، عن سخطه من هذا المشروع قائلًا إن “البطريرك مس بمكان مقدس، لا أفهم كيف يبيعون أرضًا كهذه فيها بقايا أثرية نادرة”.
المقدسيون والمسيحيون لم يكونوا فقط المعترضين على هذا المشروع، بل لاقى هذا المخطط اعتراض بعض المستوطنين الموجودين بالقرب من هذه التلة، حيث نقلت صحيفة “هآرتس” عن مستوطنين قولهم إن التلة تقع ضمن مكان استراتيجي، وكان من الجدير الحفاظ عليه، وطالبوا بأن يحافظ المشروع المزمع إنشاؤه على حرمة المكان الفريد مع إطلالته على كل موقع في القدس.
في مقابل هذا الغضب الذي اجتاح المجتمع الفلسطيني بجميع طوائفه، حاولت البطريركية اليونانية تبرير موقفها، حيث زعمت أنها اضطرت إلى بيع الموقع بعدما أجبرت عليه، وذلك عقب انهيار اتفاقات سابقة كان قد تم توقيعها في سنوات الـ 70، وإلا عليها دفع مبلغ بقيمة 9 ملايين دولار، وادعى البطريرك أن بيع هذه الأوقاف ينشط اقتصاد الكنيسة، وأن المشروع الاستيطاني الذي سيقام على التلة بالتحديد سيضم نزلًا ومركزًا للاجتماعات الكنسية، بموجب الاتفاق بينه وبين المستثمرين، علمًا بأن وثائق المشروع تؤكد أن الهدف هو إنشاء وحدات سكنية فقط.
صفقات قديمة
بعيدًا عن أن هذا المشروع الاستيطاني سيدمر تاريخية الموقع وأثريته باعتباره شاهدًا على حدث مقدس بالنسبة للمسيحيين والمسلمين، فإن بيع البطريركية اليونانية لـ”جبل المشورة” يعُد نموذجًا مكررًا في مسلسل التنازل عن الأراضي المقدسة في المدينة للصهاينة لإقامة مشاريع استيطانيه هناك، فالبطريركية اليونانية لها باع طويل في هذا الشأن، حيث سبق أن باع “ثيوفيلوس الثالث” أراضٍ خلال السنوات الأخيرة، كما سبق أن أظهرت وثائق بيع وتأجير الكنيسة أراضٍ لعدد من الشركات في الخارج التي يرأسها جميعها مستثمرون يهود، فيما كشفت مصادر فيما بعد أن المساهم الرئيسي الذي يقف وراء عدد كبير من الشركات التي قامت بشراء الأراضي أو استئجارها هو “دافيد صوفر”، وهو رجل أعمال يهودي يقيم في لندن، وأكدت مصادر أن “صوفر” هو الشريك الرئيسي في شركة “كرونتي للاستثمارات المحدودة”، والتي قامت بشراء مساحات واسعة من العقارات وخاصة في القدس.
في أكتوبر الماضي تم الكشف عن ثلاث وثائق تثبت أن البطريركية الأرثوذكسية اليونانية باعت ستة دونمات في منطقة دوار الساعة في يافا لجهات إسرائيلية، وتشمل عشرات الحوانيت، مقابل مبلغ 1.5 مليون دولار فقط، و430 دونمًا في قيسارية، تشمل أجزاء كبيرة من الحديقة الأثرية والمدرّج الروماني، مقابل مليون دولار، وتقضي هذه الصفقات بتأجير البطريركية العقارات مدة طويلة، 99 عامًا في غالب الأحيان، لكن بعد انتهاء المدة تصبح العقارات المؤجرة ملكًا للجهات التي دفعت ثمنها، كما أن ثمن المباني الموجودة في هذه الأراضي يقدر بمئات ملايين الشواكل.
في ذات الإطار كشفت صحيفة “معاريف” العبرية في 18 اذار عام 2005، النقاب عن صفقة سرية بين الكنيسة الأرثوذكسية ومجموعتين يهوديتين استيطانيتين تخلت الكنيسة بموجبها عن الأراضي التي يقوم عليها فندق إمبريال وفندق البتراء و27 محلاًّ تجاريًّا تملكها البطريركية الأرثوذكسية في ساحة عمر بن الخطاب بمنطقة باب الخليل في البلدة القديمة بالقدس.
وقد نشرت الصحيفة نفسها في 29 نيسان من نفس العام الوثائق الأصلية للصفقة، والتي أظهرت أن بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية “إرينيوس الأول” أجَّر أراضٍ تابعة للكنيسة في القدس المحتلة لجهات يهودية في 16 آب عام 2004 لمدة 198 سنة، وفي 15 ايار عام 2005، ظهرت تفاصيل جديدة تبين أن الشخص الذي سُربت إليه أملاك الكنيسة الأرثوذكسية يُدعى “متتياهو دان”، وهو ناشط في منظمة عطيرت كوهانيم اليهودية، وقد نشط في السنوات الأخيرة بشراء بيوت فلسطينية في الحيين الإسلامي والمسيحي، وفي الأحياء الفلسطينية الأخرى في البلدة القديمة في القدس.