أكد الدكتور محمد شيا، عميد معهد العلوم الاجتماعية ورئيس قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية “أننا نبذل اقصى جهودنا للتخلص من الارهاب لكننا لا نبذل جهدا كافيا لاجتثاث جذوره وأسبابه والظروف المؤسسة أو الباعثة له”.
وقال شيا في مقابلة مع وكالة بترا على هامش مؤتمر الفلسفة الذي عقد في الجامعة الاردنية مؤخرا، إن “التطرف الديني أو الإثني أو الأيديولوجي هو ما يفضي في ظروف معينة إلى الإرهاب”، مؤكدا أن “لا مفر من مواجهته من خلال التربية الفلسفية كي ننجح في إغلاق مسارب التطرف والإرهاب خاصة عند الناشئة، وهو الأمر الذي أخفقت فيه حتى الآن كل صنوف الأدوية الأخرى.
وأضاف شيا، إن حملات مكافحة الإرهاب خلت من البحث الجاد عن أصل الظاهرة والأسباب السياسية والاجتماعية الدافعة له ومعالجتها، مشيرا الى أن الاجراءات الفوقية في إدراك ان الإرهاب ظاهرة مركبة لها أسباب حقيقية أخفقت وأن التطرف بأنواعه هو الممر الرئيس الذي يفضي للإرهاب.
وبين أن ثقافة الفلسفة وروحها وعقلها وأدواتها ومناخها هي أفضل ما نحصن به شبابنا ضد إغراء التعصب والتطرف والانزلاق الى مهاوي الإرهاب، مدللا على “خلو لوائح الإرهابيين والانتحاريين المنشورة من أي اسم له خلفية فلسفية او حتى انسانية بل هي ملأى بمئات الأشخاص الذين يملكون شهادات واختصاصات تقنية وتكنولوجية عليا”.
كما اوضح أن تداعيات الارهاب على مجتمعاتنا كانت العودة إلى الوراء من خلال إثارة عناوين الصراع المذهبي وتوقف خطوات التمدين والتقدم المدني والتحول الديمقراطي والانفتاح التي راكمتها هذه المجتمعات منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم دخولنا في حروب أهلية داخلية مفتوحة لم تختتم فصولها بعد.
وأشار الى تأثيرات الارهاب على المجتمعات، كانهيار اللحمة الداخلية لها وانفجار أزمة الهوية وما يصحب ذلك من تعصب وانغلاق وعداء للخارج وإحساس بالظلم والمرارة في كل الأحوال، اضافة للكلفة المالية العالية لإجراءات مكافحة الإرهاب، والتي راكمت ديوناً جديدة في معظم بلداننا، وتحطيم صورة بلداننا وثقافتنا وديننا بأيدينا.
وشدد الدكتور شيا على أن الإرهاب خدم مطلب عودة الدولة الأمنية على مستوى العالم أجمع، وأسهم في مضاعفة صادرات السلاح وتقنياته إلى بلداننا واستنزاف مواردنا القليلة، وأعاق التحوّل الذي بدأ نحو الديمقراطية، ثم التراجع عن بعض مكاسب العولمة من مثل الانفتاح وتحفيز الاقتصادات وانتقال التكنولوجيا.
وأشار الى الخسارة المباشرة التي لحقت بالقضية الفلسطينية وتراجع الاهتمام بها، أما في الجانب الاقتصادي وكلفة الإرهاب الحالي المنظورة وغير المنظورة، فإن جهاز مكافحة الإرهاب في الإدارة الأميركية يستخدم وحده 951000 شخص بطريقة أو بأخرى بحسب الأرقام الأميركية الرسمية، عدا عن الزيادة الهائلة في ميزانيات وزارة الدفاع والوكالات الأمنية الاميركية لتصل أكثر من 80 مليار دولار ومبررها الحاجة إلى مكافحة الإرهاب.
وأكد ان التهم للعرب والمسلمين بالإرهاب تتجاهل حقيقة أننا كنّا قبل الغرب بزمن طويل ضحية للإرهاب في أبشع صوره ونتائجه، وهو إرهاب المنظمات الصهيونية قبل سنة 1948، ثم إرهاب الدولة الذي مارسته إسرائيل، بل اختصّت به قبل سواها ضد الشعب الفلسطيني وشعوب عربية أخرى.
وأشار الى أن التهمة بالإرهاب جاءت لاختلاط المفاهيم عندنا وتداخل الحق بالباطل والسياسي بالجهادي بالأيديولوجي بالأمني لتشكل معاً ما يسمى “الإرهاب الإسلامي” وذلك فقط هو نصيبنا من تهمة الإرهاب التي دفعنا ثمنها غالياً لها وغدت صورة ثقافتنا صورة دموية لا تحب الحياة، وظهرنا كجماعات تكره الحياة والسلام وتصفّق للعنف والعدوان والغدر بالمدنيين.
واكد الدكتور شيا قدرة المشروع الفلسفي على تعرية خطاب التطرف، وإغلاق المسارب والممرات التي توصل إلى التعصّب ومن ثم إلى الإرهاب، موضحا أن “الفلسفة وحدها لا تستطيع أن تنجح فيه دون تعاون تربوي واجتماعي وثقافي”.